الجمعة، 31 ديسمبر 2021

وداعاً أيها البحر


قبل أن ننقل البحر إلى مثواه الأخير، وإلى حيث لا رجعة بعده، فنقرأ عليه آيات الرحمة والمغفرة، لا بد من وقفة تأمل وتدبر قصيرة نتذكر فيها مآثر هذا البحر ومحاسنه التي لا تعد ولا تحصى، ونبين للناس أجمع عطاء هذا البحر العظيم وثرواته المتجددة غير النابضة عبر الأجيال والقرون في كل دول العالم.

 

فكم من أممٍ وشعوب سابقة، ومازالت، تعيش على هبات البحر غير المتناهية، وتقتات من موارده الحية، وتتغذى على أسماكه الشهية، وتتزين من حليها، وتترفه وتتنزه في جنباته الغنية بالحياة، وتبني بيوتها من ترابه وأحجاره، وتحصل على قوت يومها من هذه النعم العظيمة والثرية. فهذا البحر كان دائماً مصدراً معطاءً يمكن الاعتماد عليه، ويمكن الثقة المستمرة بإنتاجه وجُوده وكرمه على بني البشر، فقد حقق الأمن الغذائي لمجتمعات كثيرة اعتمدت عليه كلياً لقرون طويلة من الزمن.  

 

وقبل أن يلقى جسد البحر الثرى فندفنه تحت التراب، لا بد من أن نسترجع ونتذكر أسباب بلوغ البحر إلى هذه المرحلة الحرجة والكارثية التي أودت بحياته، وجعلته جسداً هامداً خاوياً على عروشه بدون روح وحياة عبر العقود الماضية.

 

فالبحر لم يصل إلى هذه الحالة المأساوية فقط بعد سنوات قليلة من العناء والتعدي على حرمات أعضاء جسده، ولم يبلغ هذه المرحلة السيئة بعد مرضٍ واحد بسيط انكشف على صحته، وإنما بلغ هذه الحالة بعد عقودٍ طويلة زادت عن الستين عاماً، وبعد أن أصابته الأسقام المتتالية والمتزايدة التي تراكمت وتجمعت مع الزمن على جسده، وانتشرت ونهشت في جميع أعضاء جسمه، فأضعفت مع الوقت قواه، وهزَّت قدراته الذاتية الكامنة على المقاومة والمواجهة والتغلب على كل هذه المخالفات الشديدة والمتلاحقة التي تغلغلت في جسده وفتت من عضده، رويداً رويداً، ويوماً بعد يوم.

 

فمن أخطر الممارسات التي هددت الأمن البحري وسلامة الثروة السمكية، ومازالت حتى يومنا هذا، وستستمر في المستقبل المنظور، هي عمليات الحفر من جهة لاستخراج الرمل من البحر، ودفن السواحل البحرية من جهةٍ أخرى. فأما حفر البحر فيُعد علمياً وواقعياً ولا يحتاج إلى الدليل والدراسات تدميراً لموقع الحفر والمناطق القريبة التي تحيط به. فالحفر يغير كلياً من هوية وخصوصية البيئة في تلك المنطقة، ويقضي على كل كائنٍ حي نباتي، أو حيواني يعيش في تلك المنطقة، أو المواقع المجاورة لها، كما أن هذه الأتربة الدقيقة الصغيرة الحجم التي تنتج عن الحفر تنتشر مسافة طويلة في البحر فتُعكر من صفاء الماء وجودته، وتفسد نقاوته وجماله، وعلاوة على ذلك كله فإن هذه الأتربة الدقيقة الصغيرة الحجم تنتقل إلى أعضاء أجسام الأسماك فتمنعها من التنفس وقد تموت نتيجة لذلك.

 

وفي المقابل فإن عمليات الدفان تقضي كلياً، وبدون رجعة على البيئة البحرية المدفونة، فتدمر كل من عليها ويسكن فيها من كائنات حية صغيرة أو كبيرة، نباتية أو حيوانية، أي أنها عملية تدمير شامل لذلك الموقع البحري. كما أن عمليات الدفن عادة ما تتم على السواحل المعروفة ببيئات المد والجزر، والتي تعد من أكثر المناطق الساحلية إنتاجاً وعطاءً، إذ تعيش فيها الكائنات الحية التي تُعتبر الخط الأول في السلسلة الغذائية البحرية، فانتهاء هذه الكائنات والقضاء عليها يعني الإضرار المباشر بالكائنات الأخرى التي تعيش عليها وتعتمد عليها في دورة حياتها، وبخاصة الأسماك التجارية التي نتغذى عليها.  

 

ومن الأمراض الأخرى التي نزلت على البيئة البحرية منذ سنوات طويلة، وإن خفَّتْ الآن بعض الشيء، هي صرف مياه المجاري في المناطق الساحلية، مما أدى إلى انكشاف مستنقعات آسنة تحت البحر من التربة التي اختلطت بحمأة مياه المجاري التي ترسبت مع الزمن في قاع البحر، إضافة إلى التدهور الشديد في نوعية مياه البحر وانكشاف ظاهرة موت الأسماك في أشهر الصيف الحارة. كذلك هناك التهديد القادم من صرف مياه المصانع التي لا تتطابق مع المعايير والمواصفات الخاصة بها في البيئات الساحلية.

 

كذلك من العلل المزمنة التي انتشرت وتوغلت في أعماق جسد الثروة السمكية هي الصيد الجائر والمفرط للأسماك والربيان وباستخدام كافة الوسائل والمعدات الشرعية وغير الشرعية ولسنوات طويلة من الزمن، مما أثر على استدامة عطاء مصائد الأسماك، وخفضت من أعداها ونوعيتها ووفرتها.

 

واليوم نقرأ عن تهديدات جديدة محتملة قد تزيد من تهالك هذا الجسد البحري، وترفع من درجة معاناته ونقله أسرع إلى مثواه الأخير، حيث أعلنت البحرين في 24 نوفمبر من العام الجاري عن إعداد مخططات عامة لبناء خمسة مدن جديدة تزيد مساحة المناطق التعميرية بنسبة تفوق 60%، وكل هذه المدن تمس البيئة البحرية بالسوء عن قريبٍ أو بعيد، وتتلف جسده المتهاوي بشكلٍ مباشر أو غير مباشر. فمنها منطقة جزيرة سهيلة شمال غرب المملكة بمساحة 62 كيلومتراً مربعاً، ومنها المخطط الخاص بمحمية جزر حوار البحرية ومنطقة خليج البحرين، إضافة إلى منطقة فشت الجارم، حيث تبلغ المساحة المطورة على هذا الفشت المثمر 182 كيلومتراً مربعاً.

 

وأخيراً وهي الأخطر على البحر وثروته السمكية المحمية البحرية المعروفة إقليمياً، والتي تُعد رئة الثروة السمكية لمملكة البحرين وأكثرها عطاءً وإنتاجاً وثراءً حسب رأي جميع الصيادين، "محمية فشت العظم"، حيث ستكون مساحة المنطقة قرابة مائة كيلومتر مربع.

 

فكل هذه المشاريع العملاقة التي ستقام على البحر، أو على أعتاب وأبواب البيئة البحرية، مهما أخذنا في الاعتبار البعد البيئي، ومهما فعلنا وخططنا من إجراءات لدرء المفاسد على الأمن السمكي والبيئات التي تعيش فيها، فلن ننجح في ذلك، ولن نفلح كلياً في تجنب المخاطر على البيئة البحرية والحياة فيها، سواء من ناحية انكماش مساحة البحر، أو من ناحية تدهور البيئة البحرية والثروة السمكية. فبناء هذه المخططات العظيمة تصاحبها عمليات حفر ودفن للبحر في مواقع ومناطق واسعة، ولذلك فطبيعية عملية بناء هذه الجزر والفشوت وتطويرها ستُحدث أضراراً جسيمة وعميقة ومستدامة لا يمكن تفاديها أو تخفيفها، وكل هذه العمليات ستزيد من حدة المرض المزمن الذي يعاني منه البحر منذ أكثر من ستة عقود، إضافة إلى نقطة مهمةً جداً قد نغفل عنها مع خضم بناء هذه المدن، وهي تأثيرات إنشاء هذه المدن الضخمة القريبة من السواحل البحرية على المكتسبات التنموية البحرية القائمة حالياً من شواطئ عامة للمواطنين، وفنادق ساحلية، ومنتجعات بحرية كبيرة تعتمد في وجودها أساساً على جودة وصفاء مياه البحر في هذه السواحل.

 

وخلاصة لا أكون متشائماً إذا بدأتُ من الآن مراسم دفن البحر، وقلتُ وداعاً أيها البحر العزيز.

الأربعاء، 29 ديسمبر 2021

المخلفات البلاستيكية تضر بصحتنا

أينما ألتفتْ، وأينما أنظر أرى مواد ومنتجات بلاستيكية لا نستغني عن استخدامها بشكلٍ يومي، وأينما أُشاهد أجد مخلفات بلاستيكية صغيرة وكبيرة الحجم ماثلة أمامي، فهي موجودة عن أيماننا، وعن شمائلنا، ومن أمامنا، ومن خلفنا، ومن فوقنا، ومن تحتنا، وهي حفرت مكانها بعمق في كل شبرٍ من كوكبنا، سواء أكان قريباً منا ومن الأنشطة البشرية، أو كان بعيداً في مواقع نائية لا تصل إليها أيدي البشر، فهي في أعالي السماء، وفي هواء الجبال الشاهقة الثلجية وفي أعلى قمة فوق سطح الأرض، وهي قمة إيفرست، أو قمة جبال فرنسا الشاهقة والنائية في منطقة بيرينيز(French Pyrenees) على ارتفاع 2877 متراً فوق سطح البحر، وهي أيضاً تكشف عن نفسها في أعماق المحيطات الباردة والمظلمة، وفي أعمق نقطة تحت سطح البحر في الخنادق البحرية المخيفة في المحيط الهادئ على عمق أكثر من عشرة كيلومترات تحت سطح البحر. كذلك فإن هذه المخلفات البلاستيكية الدقيقة والمتناهية في الصغر بشكلٍ خاص التي قطرها أصغر من 5 مليمترات لا تَبق ولا تمكث في مكونات البيئة فقط، من ماءٍ، وهواءٍ، وتربة، وإنما تتراكم فيها ومع الوقت تنتقل إلى أعضاء أجسامنا، وتدخل في أعماق خلايانا وأنسجتنا، وفي مواقع في أجسادنا لا يتخيلها الإنسان، ولا يتوقع وجودها أحد، مثل مشيمة المرأة الحامل وخلايا المخ، حيث تتراكم فيها يوماً بعد يوم.

 

وليس هذا من باب المبالغة، أو الوصف الأدبي غير العلمي وغير التجريبي لهذه الظاهرة الحديثة المتفاقمة والمتزايدة كل سنة، وإنما هي حقائق واقعية، أثبتتها الدراسة الميدانية التي أَخذتْ وجمعت عينات حية من كل هذا المواقع القريبة والبعيدة، ومن كل عناصر البيئة الحية وغير الحية، ومن أعضاء جسم الإنسان وإفرازات بدنه، وأكدت كل هذه الدراسات وجود هذه المخلفات البلاستيكية فيها. وسأُقدم لكم أمثلة قليلة جداً من بين الكم الهائل من الدراسات والأبحاث الميدانية التي عَثَرتْ على هذه المخلفات الميكروبلاستيكية الدقيقة جداً في الحجم، وكشفت عن تجذرها في كل مكان وفي كل أنحاء بيئتنا.

 

فهناك دراسة تحت عنوان: "انتقال وتراكم الميكروبلاستيك في التربة القاعية للمحيطات"، والمنشورة في مجلة علوم وتقنية البيئة(Environmental Science & Technology) في السادس من مارس 2020، حيث أكدت وجود المخلفات الميكروبلاستيكية في عينات التربة في قاع المحيطات، وانتقال هذه المخلفات إلى الكائنات الحية التي تعيش في تربة قاع البحر ثم إلى الكائنات الحية الأخرى التي تقتات عليها، حتى تصبح جزءاً من السلسلة الغذائية التي تنتهي بالإنسان. فقد أفادت دراسة أخرى تحت عنوان: "الأسماك تأكل الميكروبلاستيك" والمنشورة في مجلة علوم وتقنية البيئة في 23 يوليو 2021، بأن الأسماك بالفعل تستهلك هذه المخلفات البلاستيكية وتتراكم في أمعائها وخياشيمها والجهاز الهضمي بشكلٍ عام. كذلك هناك الكثير من الأبحاث التي أكدت على هذه الحقيقة وتعرض الإنسان للميكروبلاستيك من خلال استهلاك الكائنات البحرية الملوثة بها، ومنها البحث تحت عنوان: "الميكروبلاستيك في المأكولات البحرية: كم يأكل الإنسان منها؟، والمنشور في مجلة شؤون صحة البيئة(Environmental Health Perspective) في 17 مارس 2021، حيث أفادت الدراسة بأن هناك ما يقرب من 53864 قطعة من الميكروبلاستيك تدخل في جسم الإنسان عن طريق تناول المأكولات البحرية في كل سنة.

 

فبعد كل هذه الحقائق العلمية المتعلقة بانتشار وجود المخلفات البلاستيكية الكبيرة والصغيرة الحجم جداً في بيئتنا، لا بد من أن نسأل أنفسنا السؤال المشروع، والذي بدأ فعلاً العلماء في طرحه ومحاولة سبر غور تفاصيله وأبعاده، وهو هل هذه المخلفات البلاستيكية الموجودة في البر والبحر والجو وفي أعالي السماء وأعماق البحار الباردة المظلمة وفي الكائنات الحية وفي جسم الإنسان تؤثر على الإنسان نفسه، وتهدد أمنه الصحي على المدى القريب والبعيد فتسقطه في شر الأمراض الغريبة والغامضة التي قد لا يعرفها الطب الحديث؟

فهذا السؤال الآن هو الشغل الشاغل للعلماء، حيث بدأت الدراسات العلمية التي تحاول الإجابة عن هذا السؤال المثير أن ترى النور، وتقدم جزءاً من الإجابة عنه. فعلى سبيل المثال نُشرت دراسة في مجلة "رسائل علوم وتقنية البيئة" في 22 سبتمبر 2021 عنوانها: "مركبات ميكروبلاستيك البولي إيثيلين في براز الرضع والبالغين"، حيث قامت الدراسة بقياس تركيز بعض المخلفات البلاستيكية مثل البولي إيثيلين تربثليت والبولي كربونات (polyethylene terephthalate (PET) and polycarbonate)، وأكدت وجود هذه المخلفات البلاستيكية في براز الجنين فور ولادته، وفي الأطفال الرضع، وفي البالغين، مما يؤكد تعرض كل إنسان، مهما كان عمره للبلاستيك وانتقاله إلى أعضاء جسمه، فمنها ما يتراكم في الجسم ويسبب مشكلات صحية مزمنة، ومنها ما يخرج مع البراز. وهذه المخلفات البلاستيكية التي تتراكم في أعضاء الجسم، كالأمعاء تسبب التهابات وآلام مزمنة وحادة، استناداً إلى الدراسة المنشورة في مجلة علوم وتقنية البيئة في 22 ديسمبر 2021 تحت عنوان: "تحليل الميكروبلاستيك في براز الإنسان يؤكد العلاقة بين الميكروبلاستيك في البراز ومرض التهاب الأمعاء". وقد أفادت الدراسة بعد تحليل براز المرضى المصابين بالتهابات في الأمعاء(inflammatory bowel disease (IBD)) بأن تركيز المخلفات الميكروبلاستيكية في براز المرضى بلغ 41.8 قطعة من الميكروبلاستيك في الجرام من الوزن الجاف من البراز، وهذا التركيز أعلى بكثير، أو ما يساوي ضعف التركيز الموجود في الأصحاء وهو 28، وقد خلصت الدراسة إلى أن هناك علاقة بين حدة المرض واشتداد الألم وارتفاع نسبة المخلفات الميكروبلاستيكية في الجسم.

وعلاوة على هذا التأثير الصحي لدخول وتراكم المخلفات البلاستيكية في أعضاء أبداننا، فإن هناك دراسة ثانية أفادت بأنها تؤثر على خلايا الجسم، وهذه الدراسة منشورة في مجلة(المواد الخطرة)( Journal of Hazardous Materials) في 24 نوفمبر 2021، تحت عنوان: "حصر سريع للتأثيرات السامة عند التعرض للميكروبلاستيك في خلايا الإنسان ". وقد توصلت الدراسة إلى استنتاجٍ خطير ومهم جداً هو أن المخلفات البلاستيكية المتناهية في الصغر، سواء أكانت ميكروبلاستيكية أو نانوبلاستيكية(القطر أصغر من 100 نانومتر)، فإنها تدخل في الدورة الدموية في جسم الإنسان، ثم تنتقل إلى الخلايا وتغزوها، فإما أن تتلف جدار الخلايا وتؤدي إلى موتها، أو أن تصيبها بالحساسية والالتهابات المزمنة والأمراض المستعصية الجديدة. وهناك دراسة أولية نُشرت في مجلة شؤون صحة البيئة حول تأثيرات الميكروبلاستيك على كلية الإنسان في السادس من مايو 2021، حيث أشارت إلى أن المخلفات الميكروبلاستيكية من نوع البولي ستيرين(polystyrene) تؤثر على عمل ووظيفة الكلية، وتتعرض الإنسان لأمراض الكلية المزمنة.

ولذلك فمن الواضح الآن بأن خطورة المخلفات البلاستيكية لا تكمن فقط في استفحال وجودها في جميع مكونات بيئتنا الحية وغير الحية، ولكن خطورتها تتمثل في تهديداتها الخفية لصحة الجنين في بطن أمه، وسلامة الأطفال، والشباب، والشيوخ، فالجميع سواسية أمام تهديدات المخلفات البلاستيكية، صغيرة كانت في حجمها، أم كبيرة، وهذه هي الطامة الكبرى القادمة لا محالة.

 

الأحد، 26 ديسمبر 2021

كيف سينجح الهيدروجين ليكون وقود المستقبل؟

منذ أن انكشفت معالم وأسرار قضية التغير المناخي وسخونة الأرض على المستوى الدولي في التسعينيات من القرن المنصرم، ومنذ أن ظهرت تداعياتها واضحة جلية من الناحية البيئية، والاقتصادية، والاجتماعية، والأمنية على جميع أرجاء كوكبنا بدون استثناء، ودول العالم تبحث عن مكافحة هذا الوباء العالمي المشترك، وطرح الحلول المستدامة والناجعة التي لها القدرة على مواجهة التداعيات الكارثية التي نجمت عنها.

 

وهذه الحلول تدور حول التصدي لأسباب وقوع هذه المعضلة المعقدة والعامة والتي تتلخص بشكلٍ رئيس في حرق الوقود الأحفوري من الفحم، والنفط ومشتقاته، والغاز الطبيعي الذي تنبعث عنه عدة ملوثات من أشدها وطأة على المناخ الدولي وأكثرها رفعاً لدرجة حرارة الأرض هو غاز ثاني أكسيد الكربون، وغاز الميثان وأكاسيد النيتروجين، إضافة إلى الملوثات العضوية أو مركبات الهيدروفلوروكربون. ولذلك فإن أي علاج، أو حل لهذه القضية الدولية يجب أن يتمحور بالدرجة الأولى حول عدم حرق الوقود الأحفوري وتجنب استخدامه، سواء في محطات توليد الكهرباء، أو في السيارات والطائرات والقطارات، أو في آبار النفط والغاز الطبيعي، وغيرها من المصادر الكثيرة.

 

فالتوجه العالمي الآن هو التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، بدءاً بالفحم ثم النفط، وأخيراً الغاز الطبيعي، والبحث في الوقت نفسه عن البديل المناسب المؤهل ليحل محل الوقود الأحفوري.

 

أما البديل "المثالي" المطلوب دولياً فيجب حسب تقديري أن يتحلى بالصفات والخصائص التالية، وهي كما يلي:

أولاً: أن لا تنبعث عنه أية ملوثات تضر بصحة الإنسان وسلامة البيئة والحياة الفطرية، وبخاصة من ناحية التغير المناخي وسخونة الأرض.

ثانياً: أن يكون مصدراً متجدداً لا ينضب مع الوقت.

ثالثاً: أن يكون مصدراً يمكن الاعتماد عليه في مختلف الظروف المناخية وفي مختلف المواسم، ويمكن الوثوق به في كل دول العالم، كما يمكن استخدامه في مجالات مختلفة كتوليد الكهرباء، ووسائل المواصلات والنقل، ومادة خام لإنتاج مواد أخرى.

رابعاً: أي يكون في متناول جميع الدول من ناحية السعر والكلفة الإجمالية لهذا المصدر للوقود.

خامساً: أن يكون آمناً من ناحية السلامة للبشر، فيمكن بسهولة تخزينه، ونقله، واستخدامه.

 

فهذه هي مواصفات البديل "المثالي" للوقود الأحفوري، ولكن أين هذا البديل؟ وهل يوجد في الواقع؟

 

في الحقيقة لا يوجد أي بديل في الوقت الحاضر يتميز بكل هذه الخصائص الفريدة، ولكن هناك بديلاً واحداً يمكن أن يحظى بأن يكون وقود المستقبل، وأن يأخذ موقع الصدارة من بين المصادر الأخرى للوقود الموجودة حالياً والتي تتنافس لتكون وقود المستقبل، وهذا البديل في تقديري هو الهيدروجين.

 

ولكن مشكلة الهيدروجين تكمن في كيفية إنتاجه، فطريقة صناعة الهيدروجين هي التي تجعله مؤهلاً أو غير مؤهل لنيل لقب وقود المستقبل. فالهيدرجين يتم إنتاجه من خلال التحلل الكهربائي لجزيء الماء الذي يحتوي على ذرتين من الهيدروجين وذرة واحدة من الماء، ولكن فصل الهيدروجين عن الأكسجين يحتاج إلى طاقة، وهذه الطاقة قد تكون من مصادر نظيفة ومتجددة غير ناضبة كالطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، أو تكون من مصادر الوقود الأحفوري كالفحم أو الغاز الطبيعي أو غيرهما، أي المصادر غير المتجددة والملوثة للبيئة والتي تتحمل المسؤولية الرئيسة في قوع التغير المناخي والكوارث المناخية التي تنجم عنها.

 

ولذلك عندما يكون إنتاج الهيدروجين من مصادر الطاقة المتجددة يُطلق عليه بالهيدروجين الأخضر، وهو الذي تلهث وراءه كل دول العالم، وبهذه الطريقة يستطيع الهيدروجين أن يكون هو الوقود الأول والمصدر الرئيس للطاقة الذي تبحث عنه جميع دول العالم، وعندئذٍ فقط يستحق أن يحصل على لقب وقود المستقبل. ولكن عندما يُصنع الهيدروجين باستخدام الوقود الأحفوري كمصدر للطاقة لتحليل الماء فيُطلق عليه بالهيدروجين الرمادي(Gray)، وهذه الطريقة غير مرغوب فيها دولياً لأنها تنبعث عنها ملوثات تضر بالإنسان وبصحة المناخ. وأما الطريقة الثالثة، وهي الطريقة الوسط، ويُطلق عليه بالهيدروجين الأزرق، فهو استخدام الوقود الأحفوري أيضاً كمصدر للطاقة، ولكن مع حبس غاز ثاني أكسيد الكربون ومنع انبعاثه إلى الهواء الجوي حتى لا يفاقم من تأثيرات وتداعيات ظاهرة الاحتباس الحراري والتغير المناخي.

 

وبالرغم من هذه المعوقات، إلا أن دول العالم تعمل بكل الطرق على استخدام الهيدروجين في تطبيقات كثيرة ومجالات مختلفة، وتستثمر المليارات في إنتاجه على كافة المستويات. فقد نشرت البلومبرج مقالاً في 22 ديسمبر 2021 تحت عنوان: "هل يستطيع الهيدروجين الأخضر في تنظيف الغاز الطبيعي؟"، وهذا المقال يشير إلى  مشروع جديد تحت مسمى (HyGrid Project) وينفذ في مدينة لونج آيلند بولاية نيويورك الأمريكية، حيث يقوم المشروع بخلط الهيدروجين الأخضر مع الغاز الطبيعي لتدفئة المنازل وتشغيل السيارات. كما نقلت البلومبيرج في 6 ديسمبر 2021 خبراً عن طائرة تجريبية في بريطانيا تعمل بوقود سائل الهيدروجين ضمن مشروع(FlyZero project). كما نشرت صحيفة الفاينيشيل تايمس في 27 سبتمبر 2021 عن محاولات ناجحة لاستخدام الهيدروجين كوقود للطائرات، حيث أكدت شركة أير باص(Airbus) نقلاً عن تصريحات الرئيس التنفيذي(Guillaume Faury)بأنها ستشغل طائراتها بالهيدروجين بحلول عام 2035.

 

وعلاوة على هذه التجارب الأولية في تبني الهيدروجين كمصدر للطاقة، فقد استثمرت الكثير من دول العالم في إنتاج الهيدروجين وعلى رأسها دول مجلس التعاون، حيث أعلنت المملكة العربية السعودية في الثالث من سبتمبر 2021 عن ضخ خمسة مليارات دولار ضمن مشروع نيوم لإنتاج الهيدروجين الأخضر، كما دشنت هيئة كهرباء ومياه دبي مشروع "الهيدروجين الأخضر" الذي يستخدم الطاقة الشمسية كمصدر للطاقة لإنتاج الهيدروجين، كذلك تعمل أدنوك مع وزارة الطاقة والبنية التحتية وشركة مبادلة من خلال "ائتلاف أبوظبي للهيدروجين" لتوحيد الجهود لبناء اقتصاد هيدروجين أخضر في الإمارات، والترويج للإمارات كمصدر موثوق للهيدروجين الأخضر والأزرق. كما أعلنت سلطنة عمان في أغسطس 2021 عن تأسيس تحالف وطني للهيدروجين بهدف تطوير إنتاجه متماشياً بذلك مع خطط تنويع الطاقة المنشورة في رؤية عُمان 2040، وعلاوة على ذلك فقد وقعت عمان اتفاقية لمشروع للهيدروجين الأخضر والأمونيا مع شركة أكمي الهندية تنفيذه باستثمارات تبلغ 3.5 مليار دولار.

 

ومع هذه التوجهات السياسية والاستراتيجية في مختلف دول العالم، إضافة إلى الاستثمارات الضخمة لإنتاج الهيدروجين بكل أنواعه، وبخاصة الهيدروجين الأخضر، ففي تقديري فإن الهيدروجين كمصد للطاقة والوقود يسير نحو الاتجاه الصحيح ليكون فعلاً وقود المستقبل.

 

الجمعة، 24 ديسمبر 2021

مأزق الدول النفطية


لخص رئيس وزراء أستراليا سكوت موريسن(Scott Morrison) في 26 أكتوبر من العام الجاري المأزق الذي تعيشه وتعاني منه الدول التي تتمتع بموارد ثرية وضخمة من الوقود الأحفوري، سواء أكان الفحم، أو النفط، أو الغاز الطبيعي، حيث قال لرجال الإعلام: "الأستراليون يريدون مواجهة التغير المناخي. إنهم يتخذون الخطوات اللازمة لمكافحة التغير المناخي، ولكنهم أيضاً يعملون على حماية وظائفهم وحياتهم. وهم أيضاً يعملون على خفض كلفة الحياة". وأضاف قائلاً: "أنا أيضاً أعمل على حماية نمط الحياة الأسترالية، خاصة في الأرياف والمناطق الإقليمية".

 

ففي هذه التصريحات أفصح رئيس الوزراء الأسترالي وبكل وضوح رؤيته ورؤية جميع حكومات الدول الصناعية المتقدمة بالنسبة لقضية التغير المناخي خاصة، وهموم وشؤون البيئة عامة، حيث وضع أمام الجميع بصورةٍ لا لبس فيها سُلم الأولويات في حكومته، والتي تبدأ أولاً بتحقيق الانتعاش الاقتصادي وازدهار وتوفير الوظائف للجميع، إضافة إلى تحقيق هدف الحياة الكريمة لكافة المواطنين وتحسين معيشتهم اليومية، ثم بعد أن يتم الوصول إلى هذه الأهداف الاقتصادية الاجتماعية، تأتي البيئة في الدرجة الثالثة من الاهتمام والرعاية. وهذا يؤكد لي بأن الدول الصناعية المتقدمة لا تهتم بالبيئة وقضاياها المختلفة إلا بعد أن تنمو وتزدهر الحالة الاقتصادية للبلاد والعباد، فالمصالح الاقتصادية فوق جميع المصالح الأخرى.

وهذه السياسة التي تنتهجها هذه الدول المتطورة ليست جديدة، وإنما هي نهج الحياة، واستراتيجيات معظم الحكومات على مدى قرنين من الزمان. فلو رجعنا إلى الوراء قليلاً، لوجدنا بأن سياسة الدول الصناعية المتقدمة والغنية كانت سياسة "اللاسياسة"، أو سياسة الجهل والعشوائية، والإفراط الأعمى في استهلاك الموارد والثروات الطبيعية، وعدم الاعتبار لأي شأن آخر غير النمو السريع وتحقيق الربح الكبير. وهذه السياسة المعوقة هي التي أوصلتنا إلى هذه الأوضاع البيئية الصحية المأساوية التي نقاسي منها اليوم، وهذه السياسة هي التي أورثتنا هذه الكوارث البيئية والمناخية الدولية العقيمة مثل كارثة المطر الحمضي والأسود، والكارثة العقيمة المتمثلة في انخفاض غاز الأوزون في طبقة الأوزون التي تحمي الكرة الأرضية ومن عليها من كائنات من الأشعة فوق البنفسجية القاتلة، إضافة إلى التدهور النوعي والكمي الشديدين في التنوع الإحيائي النباتي والحيواني، وأخيراً الطامة الكبرى المتمثلة في حدوث التغير المناخي لكوكبنا ورفع درجة حرارته وإصابته بالحمى المزمنة.

وهذه السياسة القديمة مازالت تُتبع، ولكن تحت مسميات حديثة وحضارية، وباستخدام مصطلحات علمية جميلة وجذابة، ولكنها خاوية من المضمون التنفيذي الجذري، ولذلك أتمنى أن لا تخدعنا حالياً الدول الصناعية المتقدمة بشعاراتها البراقة، وتصريحاتها المنمقة، ووعودها الكاذبة، وتعهداتها الكثيرة اللامعة، فهي مازالت إلى درجةٍ كبيرة تمارس السياسة نفسها، ولكن بشيء من الاعتدال وعدم التفريط، فهي مازالت تُغلب المصلحة التنموية الاقتصادية لبلادها على المصالح البيئية وصحة الإنسانية، فإذا ازدهرت المصالح الاقتصادية ونمت واستقرت، فعندها فقط تأخذ بالمصالح البيئية، وتدَّعي أمام العالم وتفتخر بأنها تحافظ على البيئة وتحمي مواردها الطبيعية. فمهما صرخت الدول الصناعية والغربية خاصة منها، بأنها ملتزمة الآن بحماية البيئة وخفض انبعاث الملوثات بنسبة محددة، فلا يمكن الاعتماد على هذه الوعود والالتزامات، فحكومات هذه الدول الديمقراطية تتغير بين عشيةٍ أو ضحاها، وتبعاً لذلك تتغير السياسات والاستراتيجيات والأولويات جذرياً، وتُسحب التعهدات والوعود السابقة كلياً، كما حدث بالفعل في الولايات المتحدة الأمريكية حيث انسحبت أولاً من بروتوكول كيوتو لعام 1997 بعد أن وقعت عليها، ثم ضربت أرض الحائط اتفاقية باريس 2015 عندما وقع عليها أوباما وجاء ترمب فألغاها وانسحب منها، وحدث ما يشبه هذه المشاهد في أستراليا أيضاً.

وبناءً عليه فإنني أُقدم تصوري المتزن والمستدام بيئياً واقتصادياً واجتماعياً حول التعامل مع هذا المأزق الجديد، وكيفية إدارة ملف التغير المناخي والقضايا البيئية الأخرى للدول التي حباها الله سبحانه وتعالى، مثل دول الخليج، بالثروات الطبيعية من مصادر الوقود الأحفوري، والتي وُضعت الآن في قفص الاتهام، وتحارب بشراسة لدورها الرئيس في وقوع ظاهرة التغير المناخي. وهذا التصور أُلخصه في ما يلي:

أولاً: يجب تشكيل جماعات ضغط من الدول التي تشترك مع همومنا ومصالحنا في استغلال ثرواتها الطبيعية لرفع الدخل القومي ومواصلة الأعمال التنموية وتحسين مستوى حياة الشعوب، سواء أكانت من موارد الغابات الكثيفة كالبرازيل وإندونيسيا، أو ثروة الفحم والغاز الطبيعي كأستراليا وروسيا، أو الشركات العملاقة متعددة الجنسيات التي لها حصة في التعامل مع هذه الثروات، وبخاصة الوقود الأحفوري، أو الدول التي لا تستطيع أن تستغني كلياً عن استخدام مصادر الوقود الأحفوري كالصين والهند واليابان وغيرها.

ثانياً: العمل على خفض انبعاث الملوثات من مصادرها بشكلٍ عام، والملوثات المتهمة بنزول التغير المناخي على كوكبنا بشكلٍ خاص، وبالتحديد غاز ثاني أكسيد الكربون والميثان، وهذا الإجراء يجعلنا نسير مع قطار الاتجاهات الدولية حول خفض الانبعاثات المناخية وتحقيق أهدافنا في بلوغ الحياد الكربوني بعد سنوات، إضافة إلى تخفيف الضغوط الدولية الشديدة التي تمارس علينا، وبدون الحاجة إلى التوقف عن استغلال ثرواتنا المخزنة في أراضينا. وهناك عدة عمليات يمكن القيام بها لتحقيق هدف خفض الانبعاثات، منها رفع فاعلية تشغيل كافة مصانعنا من جهة والعمل على معالجة الملوثات والتحكم فيها قبل انبعاثها إلى الهواء الجوي من جهة أخرى ومنع تسربها إلى الهواء الجوي، ومنها أيضاً حبس غاز ثاني أكسيد الكربون(carbon capture) المنبعث من المصانع ثم تخزينه، أو استعماله كمادة خام في إنتاج المواد الكيميائية. كذلك من الضروري رفع درجة التوعية على كافة المستويات، بدءاً بالوزارات الحكومية ثم عامة الشعب على ترشيد استهلاك كافة مصادر الطاقة من أجل خفض الانبعاث من الأجهزة الحكومية، والمؤسسات الخاصة والأفراد.

ثالثاً: تنويع مصادر الطاقة لتوليد الكهرباء وتشغيل المصانع في بلادنا حتى لا نعتمد كلياً على مصدر واحد للطاقة، وفي الوقت نفسه نسير تدريجياً ولو ببطء نحو طريق التخلص من الوقود الأحفوري عندما يحين الوقت المناسب دون الإضرار بمصالحنا التنموية الاقتصادية والاجتماعية. وهناك عدة مصادر متجددة ونظيفة ولا تنبعث عنها الملوثات كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وعلاوة على ذلك فهناك ما يُطلق عليه بوقود المستقبل غير الملوث للبيئة، أو الوقود الأخضر، وهو الهيدروجين الذي له تطبيقات متعددة، مثل تشغيل محطات توليد الكهرباء والمصانع والسيارات والطائرات، إضافة إلى إنتاج المواد الكيميائية الأخرى.

رابعاً: التوجه نحو تنويع وقود السيارات، وبالتحديد استخدام السيارات الكهربائية جنباً إلى جنب مع سيارات الديزل والجازولين حتى نتمكن عملياً ومع الزمن خفض استخدام السيارات التي تسير بالوقود الأحفوري. 

خامساً: العمل على زيادة المساحات الخضراء بزراعة أشجار تتناسب مع ظروف بيئتنا الحارة من جهة وشح المياه من جهة أخرى، فهذه الأشجار لها القدرة على امتصاص الملوثات عامة، وملوثات المناخ خاصة، وبالتالي تمنع تراكمها في الغلاف الجوي وإحداث التغير المناخي.

وختاماً فإننا نقف أمام معادلة معقدة ومتشابكة ولا يمكن تحقيقها بطرح حلٍ واحدٍ فقط، فالتغير المناخي واقع وتداعياته مشهودة ولا بد من العمل جميعاً، وبخاصة من الدول الصناعية المتقدمة التي تسببت على مدى قرنين في وقوعه، فعليها تقع المسؤولية الأخلاقية التاريخية في المساهمة إدارياً ومالياً وتقنياً في الحل، كما أن علينا مسؤولية أيضاً في تبني الحلول الواقعية والعملية مع استمرار البرامج التنموية في دولنا ورفع المستوى الاقتصادي والاجتماعي لشعوبنا.

الثلاثاء، 21 ديسمبر 2021

ثورة السيارات الكهربائية

  

إنها ليست ثورة قامت بها كالعادة الشعوب ضد الحكام، وإنما هي ثورة شاملة وقعت على إحدى وسائل المواصلات، وبالتحديد ثورة عارمة ضد السيارات التي تشتغل بالوقود الأحفوري، وبخاصة الديزل والجازولين والغاز الطبيعي. فجاءت الثورة هذه المرة من فوق الهرم ونزلت إلى أسفله وإلى القاعدة، فهي ثورة قامت بها الدول والحكومات، ثم دعمتها وساندتها ونفذتها الشركات والمصانع المنتجة للسيارات، وأخيراً وصلت إلى أسفل الهرم وإلى القاعدة الشعبية العريضة، فبدأت الشعوب في استخدامها واستعمالها بدلاً من الوسائل الأخرى.

 

وفي الحقيقة فإن بذور هذه الثورة الطيبة غُرست في المجتمع الدولي قبل نحو ثلاثين عاماً، وبالتحديد منذ يوليو من عام 1992، في مؤتمر قمة الأرض التاريخي أو مؤتمر البيئة والتنمية الذي عقد في ري دي جانيرو، والذي تمخضت عنه وثيقة هامة جداً هي "جدول أعمال القرن الحادي والعشرين" أو ما يُطلق عليه "أجندة 21".

 

وهذه الوثيقة الطوعية غير الملزمة للدول قدَّمت حزمة من السياسات التي تحقق التنمية المستدامة للدول، وتُعد خارطة طريق عملية وخطة تنفيذية على المستوى الدولي والإقليمي والوطني في مجال خفض ومنع التأثيرات الجانبية للأنشطة التنموية للإنسان في جميع القطاعات على البيئة والحياة الفطرية. ومن هذه الأنشطة والبرامج التنموية التي تطرقت إليها الوثيقة خطة تنفيذية في مجال المواصلات والنقل، حيث خُصصت عدة فصول تحت مسمى "النقل المستدام" بمفهومه الشامل والمتكامل، والذي يتضمن عدة سياسات، وأدوات، ووسائل حديثة من بينها التحول تدريجياً إلى السيارات الكهربائية، وتجنب استخدام الوقود الأحفوري الملوث للبيئة والمسبب لمشكلة التغير المناخي وارتفاع حرارة الأرض.

 

وبعد زرع هذه البذرة الأولى التي مهدت الطريق لقيام ثورة السيارات الكهربائية، قامت بعض دول العالم، والتكتلات الدولية، والمنظمات العالمية المعنية برعاية هذه البذرة وريها بالماء الصالح المستدام، فوضعت السياسات، وحددت الاستراتيجيات العامة للبدء عملياً في تنفيذ هذه الثورة، والانتقال من مرحلة السيارات الملوثة للبيئة والتي تعمل بوقود ناضب وغير متجدد وملوث للهواء إلى سيارات الطاقة الكهربائية التي لا تنبعث عنها أية ملوثات. فعلى سبيل المثال، أطلقت القارة الأوروبية في يوليو 2017 رؤية واضحة وسياسة حازمة تتمثل في حظر بيع واستخدام السيارات التي تعمل بالديزل والجازولين بحلول عام 2040، والتحول كلياً إلى السيارات الكهربائية كبديل صديق للبيئة. وبعد القارة الأوروبية، انتقلت عدوى الثورة إلى القارة الأمريكية، وبالتحديد الولايات المتحدة الأمريكية، حيث دشن بايدن سياسته الخاصة بمكافحة التغير المناخي من خلال تعميم إنتاج واستخدام السيارات الكهربائية على مستوى الولايات الأمريكية عندما زار في 18 مايو 2021 مركز فورد روج للسيارات الكهربائية(Ford Rouge Electric Vehicle Center)في مدينة ديربورن(Dearborn) بالقرب من ديترويت، العاصمة التاريخية لصناعة السيارات الأمريكية. وقال في الكلمة التي ألقاها أثناء الزيارة:"مستقبل صناعة السيارات هو الكهرباء، فليس هناك رجعة"، وأضاف قائلاً حول الإنتاج العالمي للسيارات الكهربائية: "الآن الصين تقود السباق... ولكنها لن تفوز بالسباق". فبهذه الزيارة الخاطفة رسم بايدن استراتيجية طويلة المدى، ووضع سياسة عامة ملخصها أن المستقبل سيكون للسيارات الكهربائية.

 

فهذه السياسات على مستوى الأمم المتحدة، وعلى مستوى الدول المتقدمة العظمى، شكلت المظلة الواقية والداعمة، والغطاء الآمن للشركات المنتجة للسيارات في كل انحاء العالم لتقبل هذه الثورة الجديدة والإنخراط فيها، والاستثمار بقوة في تنفيذ خطط التحول المتمثلة في الانتقال من سيارات الوقود الأحفوري إلى إنتاج السيارات الكهربائية.

 

وهناك أمثلة كثيرة يمكن تقديمها حول السباق المحتدم والشديد بين الدول والشركات العملاقة المنتجة للسيارات في كل أنحاء العالم لنزع موقع الصدارة والريادة في هذه الثورة الدولية، وهذا السباق أخذ ثلاثة مسارات متوازية ومتلازمة. أما المسار الأول فهو السيطرة على الموارد والثروات الطبيعية الموجودة في دول العالم والتي تخزن في أرضها العناصر الأولية التي تتكون منها بطارية السيارات الكهربائية، وهي بالتحديد الكوبالت، والليثيوم، والنحاس، والنيكل وغيرها من محتويات البطارية، ولمزيد من المعلومات حول حدة هذا السباق العالمي للسيطرة على هذه الموارد الطبيعية، يمكن الرجوع إلى مقالي المنشور في صحيفة أخبار الخليج في الثلاثين من نوفمبر 2021 تحت عنوان: "الصراع على موارد الدول النامية لن ينتهي". وأما المسار الثاني فيتضح في المنافسة القوية في سرعة إنشاء المصانع الخاصة بإنتاج بطاريات السيارات بكميات كبيرة وأسعار تنافسية منخفضة، بهدف احتكار إنتاج البطاريات اللازمة لتشغيل الملايين من السيارات الكهربائية. وأما الثالث والأخير فيتمثل في السباق لتحقيق التقدم الدولي في منافسة إنتاج السيارات والسيطرة على سوقها في جميع أرجاء العالم.

 

وهناك الكثير من الأمثلة التي أستطيع تقديمها لأبين لكم واقعية ثورة السيارات الكهربائية، وتسابق الشركات في تبنيها والسير في مواكبها. فقد نُشر في البلومبيرج في 13 ديسمبر 2021 بأن فولكس واجن التي تمتلك عدة أنواع من السيارات، ستستثمر بمبلغ وقدره 2.3 بليون دولار في إنشاء مصنعٍ مستقل وخاص بإنتاج البطاريات في مدينة(Salzgitter)الألمانية، كما جاء أيضاً في البلومبيرج في 29 نوفمبر 2021 بأن شركة نيسان اليابانية ستضخ 17.6 بليون دولار تحت شعار "طموح نيسان 2030"، حيث ستقوم بإنشاء مصانع للبطاريات وأخرى للسيارات الكهربائية. كما أعلنت أكبر شركة مصنعة للسيارات، تويوتا بأنها ستنفق 35.2 بليون دولار، حسب المنشور في المحطة الإخبارية سي إن إن في 14 ديسمبر 2021، من أجل اللحاق بالمتسابقين الآخرين، وستدخل الشركة في مسارين فقط من المسارات الثلاثة التي ذكرتها وهي تطوير وإنشاء مصانع للبطاريات بمبلغ 1.3 بليون دولار في مدينة ليبرتي بولاية نورث كالوراينا الأمريكية، إضافة إلى المسار الثاني وهو إنفاق مبلغ 3.4 بليون دولار على إنتاج السيارات الكهربائية، حيث تعتزم بيع 3.5 مليون سيارة سنوياً بحلول عام 2030.

 

كذلك أعلن الرئيس التنفيذي لشركة روز رويس تورستين مولر أوتفوس(Torsten Müller-Ötvös) في 29 سبتمبر 2021 عن تقديم أول سيارة كهربائية تسمى(Spectre)، كما أضاف بأن جميع سياراتها ستكون كهربائية بحلول عام 2030. كما أعلنت شركة فورد الأمريكية في 28 سبتمبر 2021 عن إنشاء أربعة مصانع، ثلاثة منها لإنتاج البطاريات والرابعة لإنتاج الشاحنات بكلفة 11.4 بليون دولار، حسب ما ورد في صحيفة النيويورك تايمس. وفي الوقت نفسه ستنفق شركة جنرال موتورز 3 بلايين دولار لإنتاج السيارات الكهربائية، حسب صحيفة الوال ستريت جورنال في 11 سبتمبر 2021، كما أكدت الشركة عن سياستها المستقبلية في التخلص من سيارات الجازولين والديزل بحلول عام 2035. كذلك ستتحول مجموعة ديملر للسيارات والمصنعة للمرسيدس كلياً إلى السيارات الكهربائية بحلول عام 2030، أي قبل الموعد المحدد للمفوضية الأوروبية بخمس سنوات، إضافة إلى الاستثمار بمبلغ قرابة 47 بليون دولار لتحقيق هذا الهدف، وبناء 8 مصانع للبطاريات.

 

فمن الواضح حسب المعلومات الموثقة المقدمة من الدول وشركات إنتاج السيارات بأنها قد اعتمدت ثورة السيارات الكهربائية، وتعمل بكل جد وقوة، وتحت ضغط شديد للمنافسة على سوق السيارات الكهربائية وتحقيق الريادة والسبق لاحتكار هذه البضاعة الجديدة.

 

وأما الدول العربية فهي كالعادة خارج السباق كلياً، فهي بالأساس لم تشترك فيه لعدم قدرتها على المنافسة، وعدم توفر الإمكانات والخبرات الفنية والتقنية والبنية التحتية اللازمة للمشاركة، ولذلك فإن آثار هذه الثورة ستنزل عليها وعلى مستوى الشعوب فقط، فنحن أمة في الغالب نستهلك وقليلاً ما ننتج. 

الأحد، 19 ديسمبر 2021

 

وأخيراً وصل التغير المناخي إلى مجلس الأمن الدولي

منذ أكثر من عشر سنوات وأنا أُتابع عن كثب الدراسات والأبحاث العلمية والتقارير المنشورة في دول العالم حول العلاقة بين تداعيات التغير المناخي المتمثلة في سخونة الأرض والموجات الحرارية، وارتفاع مستوى سطح البحر، والأعاصير والفيضانات والبعد الأمني، سواء على المستوى القومي في الدولة الواحدة، أو على المستويين الإقليمي والدولي.

 

فالعلاقة بين التغير المناخي وتداعيته موثقة ومعروفة بالنسبة للبعد البيئي، والاقتصادي، والاجتماعي، والصحي منذ عدة عقود، وتتضح هذه العلاقة أكثر سنة بعد سنة، ولكن العلاقة بين التغير المناخي وأمن واستقرار الدول والسلم الدولي لم تكن واضحة لعدم وجود الدليل العلمي الدامغ، وقلة الدراسات التي تقدم وتؤكد انعكاسات التغير المناخي على حالة الاستقرار والأمن بمستوياتها المختلفة.

 

ولكن مع الزمن ومرور الوقت، وتفاقم وازدياد وتكرار وقوع الكثير من المظاهر المناخية المفرطة والشديدة التي لم تنزل من قبل بهذه الحدة في الكثير من دول العالم، كموجات الحر الشديدة وموجات البرد القارسة، وسقوط الفيضانات والأعاصير غير المألوفة في شدتها وتكرارها، إضافة إلى زيادة رقعة الغابات المحترقة والجفاف والقحط الشديدين، فكل هذه الكوارث المناخية التي نشهدها في السنوات القليلة الماضية وتأثيرها العظيم على البشر والبنية التحتية وهجرة الناس من هذه المناطق المنكوبة ونزوحهم إلى أماكن أكثر أمناً وسلامة، أشارت إلى العلماء والدارسين عن احتمال وجود علاقة قوية بين كل هذه الكوارث والتغير المناخي، وعلاقة كل ذلك بالأمن والاستقرار على كافة المستويات.    

 

فالمعادلة التي توصل إليها العلماء أن للتغير المناخي للكرة الأرضية برمتها تداعيات ومردودات سلبية خطيرة، وهذه التداعيات انعكست بشكل مباشر أو غير مباشر على الحالة المناخية لكوكبنا عامة، فولدت ظواهر وكوارث مناخية خارجة عن المألوف وتجاوزت الحد الطبيعي للدورات المناخية المعروفة عالمياً، مما كان لها التأثير المباشر على حياة الشعوب في شتى بقاع الأرض من ناحية أمنهم، وسلامتهم، واستقرارهم، بل وفي بعض الأحيان هذه الحالات المناخية التي نجم عنها القحط والتصحر أدت إلى نزاعات ووقوع أعمال عنف بين الجماعات المتنافسة من أجل الحصول على مصادر المياه والغذاء الشحيحة أصلاً.

 

وقد نَشرت الحكومة الأمريكية عدة تقارير استخباراتية لسبر غور هذه المعادلة، والتحقق من صحتها على أرض الواقع، والتأكد من عمق العلاقة بين التغير المناخي والأمن العام، ومنها ثلاثة تقارير نُشرت في 21 أكتوبر 2021 تقيم العلاقة بين التغير المناخي وأمن الدول واستقرارها على كافة المستويات القومية الأمريكية والدولية على حدٍ سواء. أما التقرير الأول فجاء تحت عنوان: "التغيرات المناخية والتحديات المتزايدة للأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية حتى عام 2040: تقديرات المخابرات القومية حول التغير المناخي"، وهذا التقرير صدر من مكتب مدير المخابرات القومية، ويعد الأول من نوعه حيث شارك فيه العديد من وكالات وأجهزة المخابرات الأمريكية وأجمعت على استنتاجات مشتركة. وجاء في ملخص التقرير بأن: "التغير المناخي له تأثر قوي وكبير على الدفاع والأمن القومي الأمريكي. فارتفاع حرارة الأرض والتغير في أنماط سقوط الأمطار، إضافة إلى زيادة أعداد أيام نزول الطقس المفرط في شدته وغير المتوقع بسبب التغير المناخي، يفاقم من المخاطر الحالية، ويشكل تحديات أمنية جديدة ومتنامية على المصالح الأمريكية". وأما التقرير الثاني فقد صدر من وزارة الدفاع تحت عنوان: "تقييم مخاطر المناخ"، حيث نشر وزير الدفاع لويد أوستن بياناً بمناسبة صدور التقرير قال فيه بأن: "التغير المناخي يمس كل أعمال هذه الوزارة، وهذا التهديد سيستمر في تداعياته على الأمن القومي الأمريكي"، كما قال: "التغير المناخي يبدل ويحول مضمون وصورة الاستراتيجيات للبيئة الأمنية، ويشكل تهديداً معقداً للولايات المتحدة الأمريكية والأمم حول العالم"، كذلك ختم بيانه قائلاً: "ومن أجل منع الحرب وحماية بلادنا، يجب على وزارة الدفاع معرفة طرق تأثير التغير المناخي على مهمات الوزارة، وخططها وامكاناتها".

 

ولذلك فإنني كتبتُ سبعة مقالات حول علاقة التغير المناخي بالأمن والاستقرار والسلم الدولي، ودعوتُ في هذه المقالات مجلس الأمن المختص بالأمن والسلم الدوليين إلى مناقشة هذه القضية الأمنية الدولية، ووضعها ضمن جدول أعماله. وقد تحققت هذه الأمنية في جلسة مجلس الأمن المنعقدة في 13 ديسمبر 2021 التي خُصصت لمناقشة مسودة مشروع القرار حول البعد الأمني للتغير المناخي، وتأثيراته على السلم والأمن الدوليين. وقد تبنت كل من إيرلندا والنيجر هذا القرار ورفعه إلى مجلس الأمن للتفاوض حوله ومناقشته، حيث أكد مشروع القرار إلى الحاجة إلى "مدخل شامل للأمم المتحدة لمواجهة التغير المناخي وتأثيراته"، كما جاء في مسودة القرار بأن تداعيات وتأثيرات التغير المناخي تقود إلى نزاعات اجتماعية..وتسهم في المخاطر المستقبلية لوقوع النزاعات وعدم الاستقرار، وتشكل مخاطر رئيسة للسلام والأمن والاستقرار الدولي". كذلك دعا القرار إلى ضم التغير المناخي مع العوامل الأخرى "المسببة للنزاعات، أو التي تفاقم المخاطر الأمنية" وأن تكون المعلومات المتعلقة بالبعد الأمني للتغير المناخي جزءاً رئيساً من استراتيجيات مجلس الأمن عند إدارة النزاعات الإقليمية والدولية، وعمليات حفظ السلام، إضافة على المهمات السياسية. وفي ختام القرار، دَعْوة للأمين العام للأمم المتحدة إلى تقديم تقرير خلال سنتين إلى المجلس "حول الأبعاد الأمنية للتأثيرات الضارة للتغير المناخي في الدول ذات العلاقة، أو الأقاليم المعنية، إضافة إلى التوصية في كيفية مواجهة المخاطر الأمنية المتعلقة بالمناخ".

 

ولكن مع الأسف بالرغم من موافقة 12 عضواً من أعضاء مجلس الأمن على القرار من بين 15 عضواً، إلا أن هذا القرار لم ير النور، وتم رفضه وإحالته إلى الأرشيف لسنوات قادمة قد تطول كثيراً، وذلك نتيجة لاستخدام روسيا التي هي من بين الدول الخمس الدائمة العضوية لحق النقض(الفيتو)، ومعارضة الهند، وامتناع الصين عن التصويت. وقد برَّر السفير الروسي فاسيلي نبنزيا(Vassily Nebenzia) موقف بلاده من القرار واستخدام الفيتو قائلاً بأن القرار المقترح يحول: "قضية علمية واقتصادية إلى مسألة سياسية"، كما أضاف بأن مثل هذا القرار يحرف ويحول اهتمام المجلس من المصادر والعوامل الرئيسة للنزاعات إلى تدخل الدول الغربية الثرية في شؤون الدول الأخرى لأسباب قد تكون غير واضحة. كما أفادت الهند والصين بأن قضية التغير المناخي من اختصاص منظمات الأمم المتحدة الأخرى ذات العلاقة، وبالتحديد الاتفاقية الإطارية حول التغير المناخي(Framework Convention on Climate Change)، وليس مجلس الأمن.

 

وبالرغم من عدم موافقة مجلس الأمن على القرار، إلا أن الوعي الدولي وعلى أعلى المستويات قد ارتفع كثيراً وتعمق حول علاقة التغير المناخي بالأمن والاستقرار على جميع المستويات، كما أن الشعور الدولي بأن تداعيات التغير المناخي تعد تهديداً واقعياً وحقيقياً على كوكبنا ومصيرنا المشترك قد زاد وتوثق ولأول مرة في أعلى جهة مختصة بالأمن والسلم الدوليين وهو مجلس الأمن. فكل هذا في حد ذاته يعتبر انتصاراً وانجازاً لم يسبق له من قبل، وربما في المستقبل سيقتنع باقي أعضاء المجلس بأن تهديدات التغير المناخي تمسهم أيضاً، وهي ليست وهمية ونظرية، أو لها مآرب أخرى خبيثة تستغلها بعض الدول لحاجة في نفسها.