الأحد، 26 ديسمبر 2021

كيف سينجح الهيدروجين ليكون وقود المستقبل؟

منذ أن انكشفت معالم وأسرار قضية التغير المناخي وسخونة الأرض على المستوى الدولي في التسعينيات من القرن المنصرم، ومنذ أن ظهرت تداعياتها واضحة جلية من الناحية البيئية، والاقتصادية، والاجتماعية، والأمنية على جميع أرجاء كوكبنا بدون استثناء، ودول العالم تبحث عن مكافحة هذا الوباء العالمي المشترك، وطرح الحلول المستدامة والناجعة التي لها القدرة على مواجهة التداعيات الكارثية التي نجمت عنها.

 

وهذه الحلول تدور حول التصدي لأسباب وقوع هذه المعضلة المعقدة والعامة والتي تتلخص بشكلٍ رئيس في حرق الوقود الأحفوري من الفحم، والنفط ومشتقاته، والغاز الطبيعي الذي تنبعث عنه عدة ملوثات من أشدها وطأة على المناخ الدولي وأكثرها رفعاً لدرجة حرارة الأرض هو غاز ثاني أكسيد الكربون، وغاز الميثان وأكاسيد النيتروجين، إضافة إلى الملوثات العضوية أو مركبات الهيدروفلوروكربون. ولذلك فإن أي علاج، أو حل لهذه القضية الدولية يجب أن يتمحور بالدرجة الأولى حول عدم حرق الوقود الأحفوري وتجنب استخدامه، سواء في محطات توليد الكهرباء، أو في السيارات والطائرات والقطارات، أو في آبار النفط والغاز الطبيعي، وغيرها من المصادر الكثيرة.

 

فالتوجه العالمي الآن هو التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، بدءاً بالفحم ثم النفط، وأخيراً الغاز الطبيعي، والبحث في الوقت نفسه عن البديل المناسب المؤهل ليحل محل الوقود الأحفوري.

 

أما البديل "المثالي" المطلوب دولياً فيجب حسب تقديري أن يتحلى بالصفات والخصائص التالية، وهي كما يلي:

أولاً: أن لا تنبعث عنه أية ملوثات تضر بصحة الإنسان وسلامة البيئة والحياة الفطرية، وبخاصة من ناحية التغير المناخي وسخونة الأرض.

ثانياً: أن يكون مصدراً متجدداً لا ينضب مع الوقت.

ثالثاً: أن يكون مصدراً يمكن الاعتماد عليه في مختلف الظروف المناخية وفي مختلف المواسم، ويمكن الوثوق به في كل دول العالم، كما يمكن استخدامه في مجالات مختلفة كتوليد الكهرباء، ووسائل المواصلات والنقل، ومادة خام لإنتاج مواد أخرى.

رابعاً: أي يكون في متناول جميع الدول من ناحية السعر والكلفة الإجمالية لهذا المصدر للوقود.

خامساً: أن يكون آمناً من ناحية السلامة للبشر، فيمكن بسهولة تخزينه، ونقله، واستخدامه.

 

فهذه هي مواصفات البديل "المثالي" للوقود الأحفوري، ولكن أين هذا البديل؟ وهل يوجد في الواقع؟

 

في الحقيقة لا يوجد أي بديل في الوقت الحاضر يتميز بكل هذه الخصائص الفريدة، ولكن هناك بديلاً واحداً يمكن أن يحظى بأن يكون وقود المستقبل، وأن يأخذ موقع الصدارة من بين المصادر الأخرى للوقود الموجودة حالياً والتي تتنافس لتكون وقود المستقبل، وهذا البديل في تقديري هو الهيدروجين.

 

ولكن مشكلة الهيدروجين تكمن في كيفية إنتاجه، فطريقة صناعة الهيدروجين هي التي تجعله مؤهلاً أو غير مؤهل لنيل لقب وقود المستقبل. فالهيدرجين يتم إنتاجه من خلال التحلل الكهربائي لجزيء الماء الذي يحتوي على ذرتين من الهيدروجين وذرة واحدة من الماء، ولكن فصل الهيدروجين عن الأكسجين يحتاج إلى طاقة، وهذه الطاقة قد تكون من مصادر نظيفة ومتجددة غير ناضبة كالطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، أو تكون من مصادر الوقود الأحفوري كالفحم أو الغاز الطبيعي أو غيرهما، أي المصادر غير المتجددة والملوثة للبيئة والتي تتحمل المسؤولية الرئيسة في قوع التغير المناخي والكوارث المناخية التي تنجم عنها.

 

ولذلك عندما يكون إنتاج الهيدروجين من مصادر الطاقة المتجددة يُطلق عليه بالهيدروجين الأخضر، وهو الذي تلهث وراءه كل دول العالم، وبهذه الطريقة يستطيع الهيدروجين أن يكون هو الوقود الأول والمصدر الرئيس للطاقة الذي تبحث عنه جميع دول العالم، وعندئذٍ فقط يستحق أن يحصل على لقب وقود المستقبل. ولكن عندما يُصنع الهيدروجين باستخدام الوقود الأحفوري كمصدر للطاقة لتحليل الماء فيُطلق عليه بالهيدروجين الرمادي(Gray)، وهذه الطريقة غير مرغوب فيها دولياً لأنها تنبعث عنها ملوثات تضر بالإنسان وبصحة المناخ. وأما الطريقة الثالثة، وهي الطريقة الوسط، ويُطلق عليه بالهيدروجين الأزرق، فهو استخدام الوقود الأحفوري أيضاً كمصدر للطاقة، ولكن مع حبس غاز ثاني أكسيد الكربون ومنع انبعاثه إلى الهواء الجوي حتى لا يفاقم من تأثيرات وتداعيات ظاهرة الاحتباس الحراري والتغير المناخي.

 

وبالرغم من هذه المعوقات، إلا أن دول العالم تعمل بكل الطرق على استخدام الهيدروجين في تطبيقات كثيرة ومجالات مختلفة، وتستثمر المليارات في إنتاجه على كافة المستويات. فقد نشرت البلومبرج مقالاً في 22 ديسمبر 2021 تحت عنوان: "هل يستطيع الهيدروجين الأخضر في تنظيف الغاز الطبيعي؟"، وهذا المقال يشير إلى  مشروع جديد تحت مسمى (HyGrid Project) وينفذ في مدينة لونج آيلند بولاية نيويورك الأمريكية، حيث يقوم المشروع بخلط الهيدروجين الأخضر مع الغاز الطبيعي لتدفئة المنازل وتشغيل السيارات. كما نقلت البلومبيرج في 6 ديسمبر 2021 خبراً عن طائرة تجريبية في بريطانيا تعمل بوقود سائل الهيدروجين ضمن مشروع(FlyZero project). كما نشرت صحيفة الفاينيشيل تايمس في 27 سبتمبر 2021 عن محاولات ناجحة لاستخدام الهيدروجين كوقود للطائرات، حيث أكدت شركة أير باص(Airbus) نقلاً عن تصريحات الرئيس التنفيذي(Guillaume Faury)بأنها ستشغل طائراتها بالهيدروجين بحلول عام 2035.

 

وعلاوة على هذه التجارب الأولية في تبني الهيدروجين كمصدر للطاقة، فقد استثمرت الكثير من دول العالم في إنتاج الهيدروجين وعلى رأسها دول مجلس التعاون، حيث أعلنت المملكة العربية السعودية في الثالث من سبتمبر 2021 عن ضخ خمسة مليارات دولار ضمن مشروع نيوم لإنتاج الهيدروجين الأخضر، كما دشنت هيئة كهرباء ومياه دبي مشروع "الهيدروجين الأخضر" الذي يستخدم الطاقة الشمسية كمصدر للطاقة لإنتاج الهيدروجين، كذلك تعمل أدنوك مع وزارة الطاقة والبنية التحتية وشركة مبادلة من خلال "ائتلاف أبوظبي للهيدروجين" لتوحيد الجهود لبناء اقتصاد هيدروجين أخضر في الإمارات، والترويج للإمارات كمصدر موثوق للهيدروجين الأخضر والأزرق. كما أعلنت سلطنة عمان في أغسطس 2021 عن تأسيس تحالف وطني للهيدروجين بهدف تطوير إنتاجه متماشياً بذلك مع خطط تنويع الطاقة المنشورة في رؤية عُمان 2040، وعلاوة على ذلك فقد وقعت عمان اتفاقية لمشروع للهيدروجين الأخضر والأمونيا مع شركة أكمي الهندية تنفيذه باستثمارات تبلغ 3.5 مليار دولار.

 

ومع هذه التوجهات السياسية والاستراتيجية في مختلف دول العالم، إضافة إلى الاستثمارات الضخمة لإنتاج الهيدروجين بكل أنواعه، وبخاصة الهيدروجين الأخضر، ففي تقديري فإن الهيدروجين كمصد للطاقة والوقود يسير نحو الاتجاه الصحيح ليكون فعلاً وقود المستقبل.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق