الخميس، 9 ديسمبر 2021

تصدُر أمريكا لقائمة مُلوثي كوكبنا


من محاسن الولايات المتحدة الأمريكية التي يجب أن نذكرها حتى تكون قدوة لنا وللدول النامية في كل أنحاء العالم، ومن مناقبها التي علينا أن نحذو حذوها ونتمسك بها حتى نتطور ونتقدم مع الزمن، هي أنها دولة تؤمن بلغة الأرقام، وهي دولة الإحصاءات والبيانات الدقيقة والتقارير النقدية والرقابية الذاتية، سواء أكانت هذه الإحصاءات والتقارير تبرز قوة الولايات المتحدة الأمريكية وريادتها في المجالات المختلفة، أو أنها أرقام ودراسات تفيد على ضعفها، أو تأخرها في قطاعات محددة، أو تصدرها لقائمة ملوثي البيئة ومدمري كوكبنا.

 

ففي كلتا الحالتين، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر هذه الإحصاءات والتقارير التي تُقدم إلى الأجهزة المختلفة في الدولة، سواء أكانت السلطة التنفيذية، أو السلطة التشريعية والرقابية، ممثلة في الكونجرس، هي مقياس صحي للقوة، ودليل على التقدم والتطور، فكل تقرير يبين نقاط الضعف، أو يشير إلى تأخر الولايات المتحدة الأمريكية، فهو يدعو إلى المراجعة، والتحقيق، والمحاسبة، ثم الأخذ بالأسباب والإجراءات وسن التشريعات التي من شأنها تصحيح هذه الأخطاء نحو الأحسن، وتعديل الأوضاع نحو الأفضل وتطوير العمل والأداء الحكومي، حتى لا يستمر الحال على ما هو عليه ويزداد سوءاً وتدهوراً يوماً بعد يوم، فلا يكون عندئذٍ أي تطور وتقدم في أداء الدولة، أو نمو في الاتجاه الصحيح والمسار السليم.

  

فعلى سبيل المثال، أُقدم لكم مثالين على النقد الذاتي لممارسات الولايات المتحدة الأمريكية في مجال البيئة من خلال التقرير المرفوع إلى الكونجرس الأمريكي من قبل علماء مختصين ومستقلين. أما التقرير الأول فقد أُجري بتكليف من الكونجرس الأمريكي للأكاديمية القومية للعلوم(The National Academy of Sciences) ضمن متطلبات تنفيذ الجزء الثاني من قانون أنقذوا بحارنا (Save Our Seas 2.0 Act)الذي وقعه الرئيس السابق ترمب في 18 ديسمبر 2020. فقد نُشر التقرير بعد رفعه إلى الكونجرس في الثاني من ديسمبر من العام الجاري تحت عنوان: "تقدير دور الولايات المتحدة في المخلفات البلاستيكية للمحيطات على المستوى الدولي(Reckoning with the U.S. Role in Global Ocean Plastic Waste). وجاء في التقرير أن أزمة المخلفات البلاستيكية تنمو وتتزايد منذ عقود، وأن نجاح اختراع البلاستيك الإعجازي في القرن العشرين أدى إلى حدوث طوفان عالمي من المخلفات البلاستيكية، كما هو واضح في كل مكان ننظر إليه. وخلص التقرير بعد مقارنة إنتاج دول العالم للمخلفات البلاستيكية ومساهمة كل دولة في تلويث المسطحات المائية لكوكب الأرض إلى أن الولايات المتحدة الأمريكي تحتل المرتبة الأولى في تلويث كوكبنا، حيث أنتج الإنسان الأمريكي قرابة 130 كيلوجراماً من المخلفات البلاستيكية في عام 2016، مقارنة بـنحو 99 كيلوجراماً للإنسان البريطاني، و قرابة 88 للإنسان في كوريا الجنوبية. كما استنتجت الدراسة بأن أمريكا أنتجت نحو 42 مليون طن متري من المخلفات البلاستيكية، مما يشكل ضُعفْ إنتاج ومساهمة الصين لهذه المخلفات، وأكثر من دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة. كذلك فإن دول العالم أجمع تنتج زهاء 242 طناً من المخلفات البلاستيكية سنوياً، منها 8 ملايين طن تنتقل إلى مقبرة المحيطات، حيث مثواها الأخير. 

 

وقد أوصى التقرير المرفوع إلى الكونجرس إلى ضرورة أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بوضع استراتيجية وطنية بحلول نهاية عام 2022 لخفض مساهمتها من المخلفات البلاستيكية في المحيطات، إضافة إلى خفض إنتاج المخلفات الصلبة في الولايات المتحدة.

 

وفي الوقت نفسه قامت وكالة ناسا للفضاء، مرصد ناسا للأرض(NASA EARTH OBSERVATORY ) بنشر تقرير في الثالث من ديسمبر من العام الجاري في مركز الأرشيف الخاص بالمحيطات(Physical Oceanography Distributed Active Archive Center تحت عنوان: "خارطة للميكروبلاستيك البحري"( Mapping Marine Microplastic). وهذه الدراسة عبارة عن قياس تركيز المخلفات البلاستيكية الصغيرة الحجم في المسطحات المائية من خلال استخدام 8 أقمار صناعية صغيرة(microsatellites)، وقياس خشونة سطح الماء(ocean surface roughness).  وقد خلصت الدراسة إلى أنه في الفترة من 2 أبريل 2017 إلى 25 سبتمبر 2018 نحو 8 ملايين طن سنوياً من المخلفات البلاستيكية كان مصيرها التنقل من بيئة الأنهار والبحيرات والسواحل البحرية إلى مثواها الأخير وهي بيئة المحيطات. وهذه المخلفات مصيرها مجهول بشكلٍ عام، ولكن بعضها يتكسر ويتفتت مع الوقت إلى قطعٍ أصغر بفعل التيارات والرياح وأشعة الشمس إلى ما يُطلق عليه الميكروبلاستيك، أو النانو بلاستيك، والبعض الآخر يتجمع ويتراكم ويطفو في سطح الماء في مواقع معروفة الآن في المحيطات مثل(The Great Pacific Garbage Patch)في المحيط الهادئ بين ولاية كاليفورنيا في الساحل الغربي من أمريكا وهاواي، كما أن هناك جزءاً آخر من هذه المخلفات يترسب في التربة القاعية لهذه المحيطات على أعماق كيلومترات تحت سطح البحر، وفي جميع الحالات فإن هذه المخلفات البلاستيكية الدقيقة تصل إلى أعضاء جسم الإنسان حسب الدراسات المنشورة في هذا المجال.

 

وأما المثال الثاني فهو متعلق بصدارة أمريكا في انبعاث ملوثات الهواء الجوي على المستوى الدولي، وبالتحديد الغازات المتهمة بالتغير المناخي وسخونة الأرض، حيث نَشرتْ منظمة(Carbon Brief) دراسة شاملة تاريخية في الخامس من أكتوبر من العام الجاري تحت عنوان: "المسؤولية التاريخية للتغير المناخي يقع في قلب الحوار حول العدالة المناخية". وهذه الدراسة تُوجه أصابع الاتهام نحو الدول المسؤولة في إحداث ظاهرة التغير المناخي على المستوى الدولي منذ قيام الثورة الصناعية الأولى، أي منذ عام 1850 حتى يومنا هذا، وبالتحديد عام 2021، حيث قدَّمت تحليلاً تاريخياً لمصادر وحجم انبعاثات كل دولة من دول العالم، مثل حرق الوقود الأحفوري في محطات توليد الكهرباء، والسيارات، والمصانع، وعلى رأسها مصانع إنتاج الأسمنت، ثم التغير في استخدامات الأرض من حيث قطع الأخشاب، وإزالة الغابات لزراعة المحاصيل وإنتاج الوقود الحيوي. وكانت نتيجة هذا التقييم أن دول العالم أجمع أطلقت زهاء 2504 جيجا طن من ثاني أكسيد الكربون إلى الهواء الجوي منذ 1850، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية هي المتهمة الأولى في انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون، حيث بلغ حجم الغاز المنطلق على مدى أكثر من مائتي عام قرابة 509 جيجا طن، أي أن أمريكا تتحمل نسبة 20.3% من مجموع الانبعاثات الكلية على مستوى الكرة الأرضية، وهي بهذه النسبة رفعت وحدها درجة حرارة الأرض 0.2 درجة مئوية ووضعت كوكبنا والناس أجمعين والكائنات الحية الأخرى في وضع حرجٍ جداً.

 

ولذلك نجد أن التقارير المنشورة في أمريكا نفسها هي التي تنتقد أمريكا وتبين عيوبها، وسلبياتها، ومسؤولياتها في تلويث بيئة الكرة الأرضية برمتها، سواء من ناحية المخلفات البلاستيكية الصلبة، أو من ناحية المخلفات الغازية المسؤولة عن رفع درجة حرارة الأرض، وكل هذه السلبيات التي يبينها علماء أمريكا تُحَوَّل إلى إيجابيات تحْدد مواقع الخلل والضعف في الأداء، وتكون كخارطة طريق تسير عليها الحكومة وتهتدي بها الأجهزة المعنية لتصحيح الأوضاع والتطوير نحو الأفضل، إضافة إلى خفض اليد الأمريكية في تلويث البيئة على المستويين القومي والدولي.  

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق