الخميس، 29 أبريل 2021

هل سيكون الهيدروجين وقود المستقبل؟


يعاني المجتمع الدولي من ورطة جامعة عصيبة، ويمر منذ عقود بأزمة خانقة طويلة لا يعرف كيفية الخروج منها. فمنذ أن وضع قضية التغير المناخي في جدول الأعمال الأممي في قمة الأرض التاريخية التي عقدت في ريو دي جانيرو في يونيو 1992، أي قبل أكثر من 29 عاماً، وهو مازال يراوح في مكانه لإيجاد الحلول الجذرية الناجعة، ومازال يقف عند المربع الأول الذي بدأ منه ليواجه هذه القضية الدولية المشتركة، فكلما تقدم خطوة إلى الأمام ليقترب من الحل الأمثل، جاءت ظروف دولية، ووقعت تغيرات سياسية في بعض الدول الكبرى المتقدمة أرجعته إلى الوراء خطوات كثيرة.

 

فدول العالم حددت أهدافاً تحاول من خلالها أن تلتزم بها لتخفض من انبعاثات الغازات المتهمة بحدوث التغير المناخي لكوكبنا، وبالتحديد غاز ثاني أكسيد الكربون، وتكافح التداعيات الناجمة عنه من سخونة الأرض وارتفاع مستوى سطح البحر، إضافة إلى الانعكاسات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، ولكن هذه الأهداف تصطدم بعدم واقعيتها وجدواها على الأرض، فلم يتمكن عقل الإنسان حتى الآن من إبداع العلاج الجذري المستدام والمشترك بين كل دول العالم، كما أن ضمير رجال السياسة في الدول، وبخاصة الدول الصناعية العظمى التي لها دور واسهام كبير في انبعاث الملوثات المسؤولة عن وقوع التغير المناخي، لم يصحو حتى الآن ليضع قضية التغير المناخي على رأس قائمة أولويات وبرامج الحكومات.

 

ونتيجة لهذه الاختلافات بين دول العالم على مدى العقود الماضية، فإن الظاهرة المناخية أخذت في التفاقم، والقضية زادت تعقيداتها وتشابكها مع أبعاد تنموية واقتصادية للدول. فعلى سبيل المثال، أكد مرصد مايونا لاو في هاواي (Mauna Loa Observatory) في السادس من أبريل من العام الجاري بأن تركيز ثاني أكسيد الكربون بلغ أعلى مستوى له وهو 421.21 جزء في المليون، علماً بأن التركيز في نهاية الخمسينيات كان 315 فقط، كما أن التقديرات الجديدة التي نُشرت في العشرين من أبريل من العام الجاري من وكالة الطاقة الدولية في تقريرها تحت عنوان "مراجعة الطاقة الدولية"(Global Energy Review) أفادت بأن الأزمة المناخية ستتفاقم في عام 2022 مع التعافي التدريجي من وباء كورونا، وتحرك الدول من الخروج من مياه الاقتصاد الآسنة والراكدة عن طريق ازدياد الحاجة إلى الفحم وارتفاع الطلب على الطاقة عامة، إضافة إلى ازدهار حركة النقل الجوي من جديد داخلياً ودولياً، مما يعني زيادة انبعاث غازات الدفيئة، أو غازات الاحتباس الحراري، أي الرجوع إلى ما  وضعٍ أسوأ مما كُنا عليه سابقاً قبل عصر وباء كورونا.

 

ولذلك لا بد من المجتمع الدولي أن يفكر في حلول عملية، وأدوات واقعية ومجدية اقتصادياً لإزالة هذا الكابوس المناخي المخيم على كوكبنا، ومساعدة الدول على الالتزام بتعهداتها من أجل خفض الانبعاثات بنسب محددة وفي فترة زمنية واضحة. وقد اتجهت الأنظار نحو المصدر الرئيس المسبب للتغير المناخي وهو الطاقة، ونوعية الوقود المستخدم في السيارات، والطائرات، والقطارات، والمصانع، وتوليد الكهرباء، فوجود الوقود النظيف، والمتجدد، وغير الملوث للبيئة هو حجر الأساس لمواجهة مردودات التغير المناخي والوصول إلى مجتمع خال من الكربون، أو خال من الانبعاثات المؤدية للتغير المناخي.

 

وبناءً عليه، فالتوجه العالمي انطلق نحو التحول التدريجي من الاقتصاد المعتمد على الوقود الأحفوري كالفحم، والبترول، والغاز الطبيعي إلى الاقتصاد الأخضر، أو الدائري الذي يعتمد على مصادر الطاقة المتجددة مثل الشمس، والرياح، والوقود العضوي، وأخيراً طاقة الهيدروجين.

 

وهذا المصدر الجديد نسبياً للطاقة بدأ يأخذ زخماً دولياً، واهتماماً مشهوداً من الشركات الصناعية للقيام بإنتاجه على مستويات كبيرة. فلوقود لهيدرجين مقومات وخصائص تجعله أهلاً لتحقيق الأهداف العالمية المتعلقة بمجتمع خال من الكربون، ومنها أن وقود الهيدروجين له صفة "التنوع" في الاستخدام من حيث استعماله في وسائل النقل، وبخاصة السيارات، وفي توليد الكهرباء، وفي تشغيل المصانع، ووقود الصواريخ، كما أن هذا الوقود يستخدم كمادة خام لإنتاج مواد كيميائية أخرى، مثل اليوريا، إضافة إلى أن وقود الهيدروجين لا تنبعث عنه ملوثات تسبب التغير المناخي إذا تم تصنيعه من مصادر للطاقة غير الفحم والنفط والغاز الطبيعي، ولذلك يمكن الاعتماد عليه كمصدر متجدد ونظيف للطاقة ويساعد الدول على تحقيق أهدافها حول خفض الانبعاثات من غازات الدفيئة، وبالتالي تجميد الارتفاع في درجة حرارة الأرض. 

 

والآن التحدي الذي يواجه دول العالم يكمن في التقنية المستخدمة في إنتاج هذا الغاز، حيث إن التقنية لها دور ملحوظ في خفض الانبعاثات بشكلٍ عام، سواء الملوثات التي لها دور في وقوع التغير المناخي، أو الملوثات التي تفسد وتدهور جودة الهواء. فهناك عدة تقنيات مستخدمة في الوقت الحالي، منها ما يعتمد على الوقود الأحفوري لإنتاجه، وهذا غير مجدي بيئياً ومناخياً وصحياً على المدى البعيد، وهناك في المقابل "الوقود الهيدروجيني الأخضر"، وهو المطلوب عالمياً، حيث يتم إنتاج الهيدروجين من مصادر متجددة للطاقة مثل الطاقة الشمسية عن طريق التحليل الكهربائي للماء إلى الهيدروجين والأكسجين، أي لا توجد ملوثات كلياً تنبعث من عملية الإنتاج.

 

وقد تنبهت بعض دول الخليج إلى هذا المصدر المستقبلي للطاقة المبني على الهيدروجين، والذي يحقق لدولنا عدة أهداف منها التحقيق المستدام لأمن الطاقة من خلال التنوع في مصادر الوقود ومصادر الدخل وخفض الاعتماد على البترول والغاز الطبيعي، إضافة إلى تحقيق الأهداف البيئية والاقتصادية المتعلقة بخفض انبعاث الملوثات بشكلٍ عام. فقد أعلنت المملكة العربية السعودية في عدة مناسبات عن جهودها في مجال الطاقة الخضراء، وبناء مجتمعٍ متكامل ضمن مشروع مدينة نيوم يتركز على إنتاج الهيدروجين الأخضر من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، كما أن هناك تعاوناً إماراتياً يابانياً لإنتاج الوقود الهيدروجيني.

 

وفي تقديري لكي ينجح الهيدروجين في اكتساح سوق مصادر الطاقة المتجددة والخضراء، ويكون بالفعل المصدر المستقبلي الرئيس، فيجب تحقيق ما يلي:

أولاً: إنتاج الهيدروجين الأخضر، أي تصنيع الهيدروجين من مصدر متجدد للطاقة، وليس إنتاجه من الفحم أو الغاز الطبيعي، لكي نضمن أن تكون العملية مستدامة، وخالية من الانبعاثات الملوثة للبيئة، وتساعد في الوقت نفسه الدول على تحقيق أهدافها في خفض انطلاق الملوثات المسببة للتغير المناخي.

ثانياً: خفض كلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر من خلال تطوير التقنية المستخدمة حالياً، إضافة إلى تقليل كلفة إنتاج الكهرباء من الشمس ومن الرياح وغيرهما من مصادر الطاقة المتجددة والتي تستخدم لإنتاج الهيدروجين.

ثالثاً: تطوير وتحسين القضايا المتعلقة بالأمن والسلامة، من حيث التخزين الآمن للوقود الهيدروجيني، حتى نتجنب الانفجارات التي وقعت من قبل. 

                          

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق