الاثنين، 12 أبريل 2021

جوازان لكل مسافر

فكرة جديدة فرضت نفسها أمام العالم لمواجهة واحدة من أكبر وأعقد الكوارث الصحية والأوبئة المرضية التي نزلت على بني البشر طوال تاريخه الطويل. فموت قرابة ثلاثة ملايين إنسان، وإصابة 131 مليون حتى الساعة كانت كفيلة بإثارة الكثير من الوسائل والأدوات الإبداعية عند العلماء والمختصين ورجال السياسة للتخفيف من حدة هذه الطامة الكبرى التي نزلت على الإنسان فجأة دون سابق إنذار، وأخذته على حين غرة من حيث لا يتوقع ولا يحتسب.

 

ولكن هذه الفكرة منذ أن طُرحت قبل زهاء شهرٍ واحد، ما يزال الغموض يحيط بها، فلم تنضج بعد لتتحول إلى فكرة واضحة المعالم عند الجميع، فهي تمر الآن بمرحلة التنظير، والتطوير، والنقد والحوار المحتدم من قبل الجهات المعنية بالموافقة عليها وتنفيذها. 

 

فتحولت هذه الفكرة التي تبدو بسيطة لأول وهلة إلى قضية معقدة وشائكة تدخل فيها الجوانب المتعلقة بحقوق الإنسان، وخصوصية الفرد، والمبادئ الدستورية للدول المتعلقة بحرية الرأي وعدم التمييز والمساواة بين الناس، وهذه القضية  الخلافية بين المعنيين حول هذه الفكرة التي تدور حول إصدار وثيقة معينة تفيد بأن حامل هذه الوثيقة قد أخذ اللقاح تتمثل في النقاط التالية:

أولاً: ليس هناك إجماعاً دولياً، أو حتى قومياً على مستوى الدولة الواحدة كالولايات المتحدة الأمريكية حول الاسم الرسمي لهذه الفكرة، فهل هي ستكون تحت مسمى "جواز سفر لقاح كورونا"، أو "جواز سفر فيروس كورونا"، أو "شهادة التلقيح ضد كورونا"، أو غير ذلك من المسميات؟

ومن جانبٍ آخر هناك السؤال حول مجال ونطاق استخدام هذه الوثيقة، فهل ستستخدم كجواز السفر الصحي للانتقال بين الدول؟ أو أنها وثيقة وشهادة صحية حول فيروس كورونا للسماح للفرد في الدخول إلى المرافق العامة في الدولة الواحدة، كالملاعب، والمطاعم، والمدارس والجامعات، وغيرها من التجمعات؟

ثانياً: هناك جدال محتدم حول "المبدأ" من إصدار الجواز أو هذه الوثيقة والشهادة، فهل يتفق مع أسس وقواعد حقوق الإنسان المتعلقة بالخصوصية، والتي من المفروض أن يتمتع بها كل إنسان، وبالتحديد هنا في مجال عدم التعدي على خصوصية الحالة الصحية للإنسان، وخصوصية المعلومات الصحية المتعلقة بالأفراد. وهذه القضية بالذات أثارت الخلافات الدستورية في البلد الواحد كالولايات المتحدة الأمريكية. فالرئيس الأمريكي جو بايدن أبدى تحمسه لإصدار مثل هذا الجواز، ولكن من خلال التنسيق والتعاون مع القطاع الخاص، والعمل على وضع المعايير والاشتراطات والتوجيهات العامة المتعلقة بهذه الوثيقة، حيث إن المعلومات الشخصية الصحية للأفراد لا تحتفظ بها الحكومة الاتحادية فهي موجودة على مستوى الولايات.

وفي المقابل أكد بعض قادة السياسة في بعض الولايات، وبخاصة من الذين ينتمون للحزب الجمهوري تحفظهم، أو رفضهم قطعياً على اصدر هذا الجواز لتجاوزه حدود الحرية الشخصية، والتعدي على المعلومات الصحية الخاصة بكل فرد. فعلى سبيل المثال، أصدر حاكم ولاية فلوريدا في الثاني من أبريل أمراً تنفيذياً يؤكد فيه حماية حقوق الأفراد الصحية الشخصية، حيث منع فيه إصدار جواز سفر اللقاح الخاص بفيروس كورونا، كما جاء في الأمر بأن القانون لا يلزم أحداً ولا يفرض عليه أخذ اللقاح وأن سجل اللقاح والمعلومات الخاصة به تُعد معلومات صحية خاصة. ولكن في الوقت نفسه حسب المقال في مجلة النيوزويك في الثاني من أبريل، فقد أكد على أن عدة مدن مثل نيويورك ولاس فيجس استحدثت جواز، أو وثيقة السماح والدخول في مرافق جماهيرية محددة، وأُطلقت عليها (Excelsior Pass).

أما في المملكة المتحدة، فقد أعلن بوريس جونسون في الثاني من أبريل دعمه لفكرة الجواز، أو الشهادة الصحية، وأَطلقَ عليها "شهادة حالة كوفيد"( Covid status certification)، فهي حسب تصريحات رئيس الوزراء البريطاني خطوة نحو رفع الحجر عن الأفراد والجماعات وتمهد الطريق للسماح بالفتح التدريجي والجزئي للاقتصاد والرجوع بالأوضاع إلى طبيعتها إلى حالة ما قبل كورونا بالرغم من بعض التحفظات المبدئية والأخلاقية. وهذه السياسة المتوازنة والتوفيقية بين حماية صحة الناس والتماشي مع مبادئ حقوق الإنسان، اتبعها الاتحاد الأوروبي، حيث يعمل حالياً على إصدار "شهادة رقمية خضراء"( Digital Green Certificate) تهدف إلى تسهيل الحركة الصحية الآمنة للناس بين دول الاتحاد وتتضمن معلومات عن فحص كورونا والتلقيح ضد المرض.

وعلى مستوى المنظمات الأممية، فقد أبدت منظمة الصحة العالمية قلقها بشأن هذا الجواز، حيث أشارت إلى أنه يخلق حالة من التمييز وعدم المساواة والعدالة في التعامل مع البشر على المستوى القومي والدولي، كما يتدخل في خصوصية الفرد والحرية الشخصية من حيث الإفصاح عن الوضح الصحي والحالة المرضية التي يعاني منها. فاللقاح، كما هو معلوم غير متوافر للملايين في دول العالم، وبخاصة الدول النامية والفقيرة، أي أن جواز فيروس كورونا قد يُعمق مثل هذه الحالة من التمييز، ويمنع الفقراء فقط من الحركة والسفر بين الدول.

ثالثاً: والنقطة الخلافية الثالثة تدور حول محتوى هذا الجواز، أو الوثيقة والشهادة الصحية والجانب الأمني المتعلق بسرية المعلومة، إضافة إلى شكلها وتاريخ انتهاء العمل بها أو تاريخ صلاحيتها، والجهة المعنية والمخولة بإصدارها والتحقق من المعلومات الواردة فيها. كذلك من النقاط التي تحوم حول هذه الفكرة هي هل تكون جوازاً رقمياً على أحد تطبيقات الهواتف النقالة فتكون عندئذٍ ذو كلفة عالية لارتفاع أسعار الهواتف الذكية فتخلق مشكلة اجتماعية واقتصادية للطبقة الفقيرة، أو تكون جوازاً ورقياً كجواز السفر العادي المعروف لدى الجميع؟

ولذلك من الواضح أن هناك أغلبية دولية تدعم فكرة إصدار وثيقة صحية تحت مسمى جواز، أو شهادة، أو بطاقة صفراء، أو غير ذلك من المسميات المختلفة التي تهدف إلى توفير الشعور بالأمان الصحي لدى الناس والإحساس بالطمأنينة أثناء السفر، أو التنقل، أو المشاركة في المناسبات الجماهيرية، كذلك فإن مثل هذه الوثيقة تمهد الطريق بشكلٍ تدريجي أمام فتح كافة الأنشطة الاقتصادية، علماً بأن هذه الوثيقة لن تكون بديلة عن الالتزام بالاحتياطات الشخصية والجماعية المتمثلة في لبس الكمامة، والتباعد الاجتماعي، وتجنب البيئات الداخلية المغلقة ضعيفة التهوية والمكتظة بالناس، فكل هذه الإجراءات معاً هي التي تضمن الحصانة والمناعة الجماعية من المرض.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق