الجمعة، 9 أبريل 2021

ماذا يعني ارتفاع مستوى سطح البحر بالنسبة للبحرين؟


خطورة قضية التغير المناخي المتمثلة في سخونة الأرض وارتفاع حرارتها تكمن أساساً في التداعيات التي تنجم عنها وفي المردودات المتشابكة والمعقدة التي تتمخض عن هذا الارتفاع في حرارة كوكبنا.

 

وهناك انعكاسات وتهديدات كثيرة تنكشف كل يوم بسبب التغير المناخي الواقع على الكرة الأرضية، وآخرها الارتفاع السريع والمتزايد في مستوى سطح البحر في كل دول العالم، والذي يظهر بشكلٍ جلي وخطير على المدن الساحلية وعلى سكان هذه المدن والمرافق الموجودة على هذه السواحل.

 

فقد أكدت آخر دراسة منشورة في الثامن من مارس من العام الجاري في مجلة طبيعة التغير المناخي(Nature Climate Change) تحت عنوان: "تقييم دولي للانخفاض والتغير النسبي في مستوى البحر"، والتي ركزت بدرجة كبيرة على واقعية سرعة ارتفاع مستوى سطح البحر، بأن المعدل النسبي العالمي لارتفاع مستوى سطح البحر يُقدر بنحو 2.5 مليمتر في السنة خلال العشرين سنة الماضية، كما أفادت نتائج الدراسة بأن معدل مستوى سطح البحر يرتفع أسرع أربع مرات في المدن الساحلية مقارنة بغيرها، أي أن ارتفاع سطح البحر في السواحل أشد وأكبر وأسرع أربع مرات، حيث يبلغ المعدل 7.8 إلى 9.9 مليمتر في السنة. وهذه النتيجة تؤكد التهديد الواقعي العظيم الذي يعاني منه الملايين من سكان المناطق الساحلية والذين يشكلون قرابة 58% من سكان العالم. وجدير بالذكر فإن مستوى سطح البحر على كوكبنا ارتفع بمقدار نحو 21 سنتيمتراً منذ أن بدأ العلماء دراسة هذه الظاهرة، أي قرابة عام 1900.

 

ويمكن تقديم مثال واحد من بين أمثلة كثيرة تؤكد بأن هذا التهديد المتمثل في أزمة التغير المناخي وسخونة الأرض التي تشهدها الكرة الأرضية منذ قرن من الزمان على صورة ارتفاع مستوى سطح البحر وتمدد مياهه، واقعية ومشهودة، ولا يمكن تجاهلها، أو غض الطرف عنها. فقبل سنوات أعلنت الحكومة الإندونيسية بأنها ستنقل عاصمتها جاكرتا الواقعة على الساحل إلى موقعٍ آخر، وبالتحديد إلى مقاطعة شرق كاليمنتان(East Kalimantan) في جزيرة بورنيو(Borneo)، وبكلفة قُدرت بنحو 33 بليون دولار.

 

فما هي الأسباب التي تدعو هذه الدولة إلى نقل عاصمتها العريقة بكافة مرافقها ومؤسساتها، وتحَمُل هذه النفقات الإضافية العالية، والكلفة الباهظة لعملية التحويل هذه؟

فقد أجمعت الدراسات الميدانية بأن جاكرتا ستنخسف تدريجياً، وستغرق كلياً في البحر بحلول عام 2025، حيث إنها تنخفض وتنزل الآن عن مستوى سطح البحر بنسبٍ رهيبة غير مسبوقة في عصرنا الحديث، وتتراوح بين 10 إلى 17 سنتيمتراً في السنة.

ولكن ما هي أسباب غرق هذه المدينة الساحلية؟

فالدراسات تفيد بأن هناك مجموعة من العوامل والأسباب التي أدت إلى ظهور مثل هذه الحالة في مدينة جاكرتا، ومدن ساحلية أخرى حول العالم مثل مدينة نيو أورلينز الساحلية بولاية لويزيانا الأمريكية، ومدينة شنغهاي الصينية، وكل هذه العوامل لعبت دوراً مجموعياً تراكمياً مشتركاً مع الزمن، وأدت إلى بروز هذه الظاهرة المستجدة. فالعامل الأول هو أن ارتفاع درجة حرارة الأرض بسبب الملوثات التي نُطلقها كل ثانية إلى الهواء الجوي منذ أكثر من مائتي عام، مثل غاز ثاني أكسيد الكربون والميثان وغيرهما الكثير أدت إلى ارتفاع حرارة مياه البحر وتمددها وارتفاع مستواها وإحداث الفيضانات والأعاصير وغيرهما من الكوارث المناخية الطبيعية والتي من صنع أيدينا، فغطت السواحل، وهدَّمت المرافق الساحلية كلها، وهجَّرت الناس من منازلهم وقراهم الساحلية. وأما العامل الثاني فيتمثل في ظاهرة هبوط وانخساف التربة والأرض في المناطق الساحلية(subsidence) نتيجة للضخ المتزايد والسحب المستمر لسنواتٍ طويلة من المياه الجوفية الساحلية والآبار الضحلة الموجودة في المنطقة الساحلية، مما أدى مع الوقت إلى انخساف وهبوط الأرض عن مستوى سطح البحر. كذلك هناك عوامل أخرى ساهمت في تفاقم هذه الكارثة البيئية، مثل عمليات حفر البحر واستخراج الرمال من المناطق الساحلية، إضافة إلى عمليات التنقيب عن النفط والغاز والمعادن وذوبان الثلوج.

وعلاوة على ارتفاع مستوى سطح البحر كظاهرة ناتجة عن سخونة الأرض، فإن هناك تداعيات أخرى تُفاقم من الأزمة المناخية وتأثيراتها على الإنسان والكائنات التي تعيش معه. ومن هذه التداعيات هي أن ارتفاع حرارة المياه يؤدي إلى انخفاض نسبة الأكسجين الذائب فيها، وقد عُرض تقرير في اجتماع الأمم المتحدة السنوي الـ 25 للدول الأطراف في اتفاقية التغير المناخي في منتصف شهر ديسمبر 2019 في العاصمة الإسبانية مدريد حول هذه الظاهرة، حيث أكد التقرير عن وجود مواقع في بحار العالم تُعد ميتة بيولوجياً بسبب فقر الأكسجين الذائب، فتحولت إلى مقابر جماعية صامتة وصحراء جرداء لا حياة فيها، وهذه المقابر زادت أعدادها من نحو 45 في الستينيات من القرن المنصرم إلى أكثر من 700 موقع حالياً، ومن هذه المواقع ما يصل مساحتها إلى قرابة 20 ألف كيلومتر مربع، أي أكبر من مساحة البحرين بنحو 25 مرة. كذلك من التداعيات ارتفاع حموضة مياه المحيطات بسبب ذوبان غاز ثاني أكسيد الكربون الحمضي في المياه، حيث قدَّرت الدراسات بأنه ومنذ بدء الثورة الصناعية زادت الحموضة بنسبة 26%، والتقديرات المستقبلية تشير إلى أن نسبة الزيادة ستكون 170% بحلول عام 2100.

 

وهذه التداعيات المهددة لأمن الدول ومكتسباتها التنموية لسنا بمنأى عنها في البحرين التي تتكون من مجموعة من أكثر من 36 جزيرة صغيرة منخفضة السطح، وجزء كبير من مساحة البحرين التي بلغت الآن حسب المخطط الهيكلي الاستراتيجي لعام 2016، 934 كيلومتراً مربعاً، يُعد مساحات ساحلية مدفونة من جسم البحر ووصلت إلى قرابة 290 كيلومتراً مربعاً، فهي إذن تقع على مستوى سطح البحر وتكون عرضة مباشرة لأي تغيرات، ولو كانت طفيفة قد تحدث لبحر ولمستوى سطح البحر خاصة، مما يعني أن كل المنتجعات والفنادق الفخمة والمرافق السياحية والصناعية والسكنية التي شيدناها حديثاً، وأنفقنا عليها الملايين من الدنانير على السواحل المدفونة من البحر ستكون هي الأشد تنكيلاً وضرراً من تداعيات التغير المناخي وارتفاع مستوى سطح البحر، إضافة إلى التهديدات التي سيعاني منها الناس الذين يعيشون في هذه المناطق الساحلية المدفونة بشكلٍ مباشر. ولذلك من أجل الحفاظ على هذه المكتسبات التنموية الوطنية وحمايتها من تداعيات التغير المناخي، علينا تبني وتنفيذ سياسة "الوقاية خير من العلاج"، أو المبدأ "الاحترازي" المبني على سياسة منع وتجنب الضرر قبل وقوعه، واتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لذلك من خلال سن التشريعات والقوانين المتعلقة بتحديد مصادر تلوث الهواء وخفض انبعاث الملوثات منها، ثم من خلال الرصد والمراقبة المستمرة للتغيرات الزمانية والمكانية لحالة البحر على سواحلنا من حيث مستوى سطح البحر، ونسبة الأكسجين الذائب في الماء، ودرجة حموضة المياه، ونسبة الملوثات الموجودة فيها، إضافة إلى وضع البرامج التنفيذية لتفعيل هذه القوانين على المستوى الحكومي الرسمي وعلى مستوى الجمعيات الأهلية الطوعية والشركات والمصانع الخاصة، فنحن جميعاً شركاء في مواجهة هذا التحدي الواقعي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق