السبت، 2 مايو 2020

هل فيروس كورونا عنصري؟(2 من 2)


في المقال الأول قدَّمتُ البيانات والإحصائيات الأولية التي تُشير إلى أن مرض فيروس كورونا قد ضرب بشكلٍ أكبر وأكثر وضوحاً مجتمعات الأقليات والمهمشين والفقراء في بعض المدن، إضافة إلى مجتمعات السكان الأصليين في بعض الدول، وأَعْطيتُ أمثلة ومعلومات من عدة دول تعكس هذه الظاهرة المستجدة التي أحدثها كورونا، وتُثبت وجودها على أرض الواقع، وبالتحديد في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي بريطانيا وفرنسا، وفي البرازيل.

وهذا النمط من إصابة الناس لفيروس كورونا قد يُوحي إلى الكثيرين بأن فيروس كورونا عنصري ومتحيز ولا يساوي بين البشر عندما يتعرض لهم، فيُفرق بين الأسود والأبيض، وبين السكان الأصليين في الدول والسكان الذين استوطنوا هذه الدول بعد حينٍ من الزمن.

وفي الحقيقة فإن هناك عدة أسباب واقعية تفسر لنا هذا الظاهرة المستحدثة، وقد وردتْ بعضها في التحقيقات المنشورة في وسائل الإعلام وفي الدراسات الأولية التي بدأت تسبر غور هذه الظاهرة، منها على سبيل المثال مجلة "النيويوركر" التي نَشرتْ مقالاً في الرابع من مايو تحت عنوان: "ماذا كشف فيروس كورونا عن أزمة أمريكا الطبية؟"، وصحيفة الواشنطن بوست التي ذكرت أربعة أسباب لهذه الظاهرة في التحقيق المنشور في 11 أبريل. ومن خلال اطلاعي على دراسات ومقالات أخرى في هذا الصدد، أُقدم لكم ملخصاً لهذه الأسباب، كما يلي:
أولاً: لا توجد عدالة ومساواة في بعض الدول في البنية التحية للخدمات الصحية ونوعية وجودة هذه الخدمات والرعاية الصحية التي تكون متوافرة في الأحياء والمناطق الفقيرة ومجتمعات الأقليات مقارنة بالمناطق الغنية والثرية، وبخاصة عندما لا توجد في بعض الدول رعاية صحية مجانية لجميع المواطنين، أو أن الجميع لا يشملهم التأمين الصحي المجاني. ولذلك نجد أن مناطق السكان الأصليين والأقليات والسود وغيرهم من العناصر الفقيرة الذين يسكون في المناطق المهمشة التي لا تصل إليها أيدي الرعاية الصحية هم الأكثر وقوعاً وسقوطاً في فخ فيروس كورونا، وهم الأكثر تضرراً منه لعدم قدرتهم على الوصول بسرعة إلى خدمات العلاج لأنها قد تكون بعيدة عنهم، إضافة إلى عدم قدرتهم المالية على تحمل كلفة العلاج ودفع ثمن الأدوية المرتفعة جداً. 
ثانياً: معظم أفراد هذه الطبقات الفقيرة يسكون في شقق ومنازل صغيرة مكتظة وغير صِحيَّة، ولذلك فمن السهولة وبسرعة فائقة ينتقل الفيروس بينهم، كما أنهم في الوقت نفسه يعملون في وظائف خارج المنزل ولا يمكن القيام بها من داخل البيت، مما يحتم عليهم الاختلاط بالناس والتقارب منهم، كسواق الحافلات وسيارة الأجرة، وعمال النظافة في الشوارع والمطاعم والمحلات التجارية، وعمال توصيل الطلبات الخارجية، وغيرها من الوظائف التي تجعلهم أكثر عرضة للتعرض بفيروس كورونا من غيرهم.
ثالثاً: تزيد مخاطر هذه الطبقة من السقوط في شباك فيروس كورونا والموت السريع منه لإصابتهم بأمراض أخرى مزمنة تُفاقم من تدهور حالتهم الصحية، وتجعلهم ضعفاء وفقراء في مناعتهم أمام هذا الفيروس الخبيث، مثل ارتفاع ضغط الدم، والسكري، والبدانة، والربو.
رابعاً: الأقليات والفقراء يسكون عادة في مناطق أشد تلوثاً من ناحية جودة الهواء، مما يعني أنهم يعانون أصلاً من مشكلات مزمنة في الجهاز التنفسي، ولذلك عند التعرض لفيروس كورونا الذي يصيب الجهاز التنفسي أيضاً فإن حالتهم الصحية تتدهور سريعاً فيؤدي بهم إلى نقلهم إلى مثواهم الأخير.

أما الظاهرة الثانية المستجدة التي كشف فيروس كورونا الغطاء عنها فهي ارتفاع أعداد الموتى من الرجال مقارنة بالنساء، وهناك العديد من التحقيقات والدراسات التي تناولت هذه الظاهرة وهي في مهدها، مثل تحقيق المحطة الإخبارية سي إن إن في 26 أبريل حول أسباب ارتفاع إصابة الرجال لكورونا مقارنة بالرجال، وتحقيق صحيفة التليجراف البريطانية في 19 أبريل، والواشنطن تايمس في 23 أبريل بعنوان:"فيروس كورونا يثبت بأنه أشد تنكيلاً بالرجال من النساء". وهذه الظاهرة مدعومة بالكثير من الإحصائيات والمعلومات الأولية في بعض دول العالم، فعلى سبيل المثال، نحو 61% من الموتى في مدينة نيويورك كانوا من الرجال، وفي ولاية واشنطن الرجال شكلوا نسبة 46% من حالات الإصابة، وفي المقابل نسبة الموتى ارتفعت وبلغت 55% حسب الإحصاءات الرسمية الصادرة من الولاية في 20 أبريل، وهذا النمط، أو الظاهرة تكررت في ولايات أخرى مثل ميريلند، ومشيجن، ونيو جيرسي، وإلينوي، وفيرجينيا، كذلك أشارت الإحصائيات الأولية بأن الموتى من الرجال في إيطاليا ضعف أعداد الموتى من النساء.

وهناك العديد من الأسباب التي تفسر هذا الظاهرة، منها عوامل طبيعية حيوية خَلقَ الله الذكر والأنثى عليها، فأوجد فينا هذه الفروقات والإختلافات الخَلْقية البيولوجية، ومنها عوامل لها علاقة بسلوكيات الرجال والنساء وممارساتهم وعاداتهم اليومية. أما الإختلافات الحيوية فعند النساء، على سبيل المثال، إثنين من كروزومات إكس، وهذه الكرموزومات لها علاقة بجهاز المناعة وتعطي ردة فعل قوية ضد العدوى، في حين أن الرجال يحملون واحد من كروموزوم إكس وواحد من واي. كذلك هرمونات الأنوثة مثل الأستروجين والبروجسترون تعطي مناعة أكبر للمرأة ومقاومة أشد ضد الأمراض المعدية بشكلٍ عام، إضافة إلى أن الدراسات أشارت إلى أن لدى النساء مناعة أعلى بعد التعافي من مرض كورونا، حيث وُجدتْ في أجسامهن تراكيز أعلى من مضادات الأجسام مقارنة بالرجال.

ومن ناحية الفروقات في السلوك والعادات بين الرجل والمرأة، فإن إحصائيات منظمة الصحة العالمية تفيد بأن الرجال أكثر تدخيناً من النساء على المستوى العالمي، والتدخين في حد ذاته يزيد من مخاطر الإصابة بفيروس كورونا ويرفع من احتمال الموت نتيجة لذلك، إضافة إلى السلوكيات غير الصحية الأخرى التي تزيد عند الرجال فترفع من درجة التعرض لفيروس كورونا، مثل شرب الخمر وتعاطي المخدرات.

ولذلك فإن التفسيرات التي قدمتها لكم حول الظواهر التي خرجت إلى الضوء مع نزول هذا الوباء الفيروسي الطفيلي في كافة دول العالم، وبالتحديد ارتفاع نسبة الموتى بين السود والأقليات والسكان الأصليين والرجال، مقارنة بالبيض والنساء ليس له علاقة بالفيروس وخياراته عند إصابة الناس، فهو غير عنصري وغير متحيز ويساوي بين الجميع، إضافة إلى أن كل البشر تضرروا من هذا الكابوس المرعب، فمنهم من تأثر اقتصادياً، ومنهم من تأثر صحياً، ومنهم من تأثر اجتماعياً، ومنهم من تأثر نفسياً، ولذلك فالبشر أصبحوا سواسية أمام الأضرار التي لحقت بهم من هذا الفيروس، ولكن الاختلاف يكمن في نوع وحجم الضرر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق