الأحد، 21 يونيو 2020

كورنا يحيي قضية الأمن الغذائي


كورونا ليس شراً كله بالرغم من عظمة المعاناة المجتمعية والبشرية في كل شبرٍ مهما كان صغيراً من كل دول العالم بدون استثناء، فقد ترك هذا الفيروس المجهول والحقير بصماته العقيمة المدمرة بعمق في كافة مجالات حياتنا الصحية والاقتصادية والاجتماعية، ومع ذلك كله فإننا يجب أن نفتح لأنفسنا ولدولنا فرصاً مشرقة نستفيد من نزول هذا الوباء العصيب علينا، ويجب أن نفتح أمام هذا الشر الجامع أبواباً واسعة من الأمل والعمل نحو التغيير إلى الأفضل، والتطوير نحو الأحسن، والتقدم إلى الأمام، وتجنب أخطاء وسلبيات الممارسات السابقة قبل زمن كورونا، سواء على مستوى الأفراد والجماعات، أو على مستوى الدول.

فقد أكد لنا هذا الفيروس بأن لا نعتمد في حياتنا ومعاشنا وأمور دنيانا كلياً على الدول الأخرى، ولا نثق ولا نراهن تماماً باستيراد حاجاتنا المعيشية، وبخاصة مواردنا الغذائية والدوائية من دولة واحدة فقط مهما كانت العلاقة قوية والوشائج متينة مع هذه الدولة، ففي أي وقت، كما هو الحال عليه الآن قد ينقطع حبل الاستيراد من هذه الدول، وقد يتوقف كلياً في أية لحظة من الزمن، مما يجعلنا في وضع صعب يهدد حياة شعوبنا بخطر المجاعة، وسوء التغذية، وتدهور الأمن الصحي، وتردي أوضاع المرافق والخدمات الصحية الأساسية التي لا غنى عنها لكل إنسان، إضافة إلى تهديد الأمن السياسي الذي يجعلنا عرضة لابتزاز واستغلال الدول المصدرة لحاجاتنا اليومية.

فقد رأينا جميعاً الشلل التام الذي وقع على جميع وسائل المواصلات بين الدول، سواء البرية، أو البحرية، أو الجوية. فعلى سبيل المثال، توقفت جميع الطائرات في كل أنحاء العالم عن التحليق في أعالي السماء، وبها تجمدت كلياً حركة نقل واستيراد وتصدير البضائع والسلع بين كافة دول العالم، فتحولت مطارات العالم إلى مواقف عظيمة للطائرات.

فهذا المشهد الغريب لم يخطر على بال أحد، وهذا الوضع الكارثي لم يتوقعه أي مسؤول أو مفكر، وهذه الحالة التي مرَّرنا بها كانت كالصاعقة المفاجئة التي نزلت على البشر فهزت الأرض من تحت أقدامهم، ولا نريد أن يفُوتَ علينا هذا الوضع المأساوي وكأن شيئاً لم يكن، ولا نريد أن تفُوتَ علينا هذه الفرصة الذهبية من دون أن نتعلم منها، فلا بد إذن من المراجعة الشاملة الدقيقة لحساباتنا في إدارة شؤوننا، ولا بد من وقفة متأنية وناقدة لكل ممارساتنا وتعاملاتنا ورؤيتنا لقضايانا المحلية المختلفة.
فمن أهم القضايا التي كشفها لنا فيروس كورونا هو الأمن الغذائي للدول، وضرورة تنويع مصادر ونوعية الغذاء على المستوى الداخلي من جهة، وتنويع مصادر استيراد ونقل المواد الغذائية على المستوى الخارجي.

ومن الثروات التي أهملناها طوال العقود الماضية، ومن الموارد المتجددة الموجودة بين أيدينا، ومن النعم الوفيرة التي منَّها الله علينا فلم نشكر الله كثيراً على وجودها معنا، ولم نعطها ما تستحق من العناية والرعاية والاهتمام هي نعمة الثروة البحرية التي عاش عليها الأجداد من قبلنا.
وهذه النعمة العظيمة المنسية والمهملة، تؤكد على أهميتها للإنسان وضرورة حمايتها والاعتناء بها دراسة قامت بها جامعة ستانفورد الأمريكية المرموقة، وبالتحديد "مركز ستانفورد للحلول من المحيطات"(Stanford’s Center for Ocean Solutions)، والمبادرة الدولية "تقييم الغذاء الأزرق"(Blue Food Assessment)، حيث نشرت الجامعة تقريراً في الثالث من يونيو تمت فيه مراجعة شاملة وإجراء تقييم دولي للموارد المائية المالحة والحلوة ودورها في الأمن الغذائي الدولي.

وقد خلص التقرير إلى أن وباء كورونا عرَّى الكثير من الممارسات الخاطئة التي كانت تقوم بها الدول، كما أزال هذا الفيروس الخبيث الستار عن رؤى ناقصة وغير ناضجة تبنتها البشرية، وألزمت كافة الدول على إتباعها والالتزام بمبادئها، كسياسة العولمة وفتح الحدود والأسواق، وتسهيل حرية التنقل بين الدول دون قيود أو شروط، إضافة إلى الاعتماد على الدول الكبرى في التزود بالغذاء والدواء وكافة السلع دون التشجيع على الاستثمار في الثروات المتوافرة داخل الدولة نفسها، وتحفيز ودعم تنميتها وتطويرها، وتحقيق الاكتفاء الذاتي كلما أمكن ذلك.

كذلك أكد التقرير على الحاجة الملحة إلى تنمية دول العالم لمواردها البحرية بشكلٍ خاص، وحُسن استغلالها وإدارتها كمصدر فطري طبيعي متجدد ونظيف ومستدام لا ينقطع لتحقيق الأمن الغذائي للدول والشعوب.

وانطلاقاً من هذا التقرير، واستفادة من وباء كورونا كفرصة للتحسين والتطوير وتجنب الأخطاء الماضية، أتمنى مراجعة كافة سياساتنا الحالية والمستقبلية المتعلقة بالبيئة البحرية، وإعطاء الأولوية لهذا المصدر القومي الطبيعي المستدام، والذي يمكن الثقة به، والاعتماد عليه لتوفير الغذاء للشعب البحريني.
ولذلك فإنني أدعو إلى القيام بما يلي:
أولاً: مراجعة الخطط والبرامج الموضوعة لعمليات حفر ودفن البحر بشكلٍ عام، فهذه العمليات تمثل العدو الأكبر والتهديد الأشد للبيئة البحرية والثروة السمكية، فالمخاطر التي تقع على البحر من هذه العمليات لا يمكن تقويمها وتصحيحها وإعادتها إلى طبيعتها التي كانت عليها، فهي تمثل تدميراً شاملاً وكاملاً لا رجعة فيه لتلك المنطقة التي تدفن.
ثانياً: وضع خطة متكاملة وشاملة للصيد البحري، وتنفيذ هذا الخطة بشكلٍ حازم وشديد، بحيث تشمل عدد ونوعية الثروة السمكية التي يجوز صيدها، وتحديد مواقع الصيد والوسائل والأدوات المشروعة للصيد، وتشكيل فريق أمني لتفعيل هذه الخطة.
ثالثاً: تحديد كافة المصادر البرية والبحرية التي تؤثر على أمن وسلامة البيئة البحرين، وإلزامها على توقيف إفسادها لهذه البيئة المستباحة.
رابعاً: تطوير وتنمية وحماية المواقع البحرية المعروفة بإنتاجها للثروة السمكية، كمناطق الشعب المرجانية والأعشاب والطحالب البحرية.
خامساً: الاستثمار في مجال الاستزراع السمكي في المناطق الساحلية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق