الثلاثاء، 3 يناير 2017

مأزق الغرب المتَحضر مع مخلفات الكلاب!



أتذكر إنني في الثمانينيات من القرن المنصرم عندما زرتُ هولندا، وبالتحديد أمستردام مع أحد أصدقائي، كنَّا نواجه مشكلة غريبة ونحن نمشي على الرصيف المخصص للمشاة، ففي كل خطوةٍ نأخذها كان علينا أن نكون في غاية الحذر والحيطة، فكان علينا أن نوجه أنظارنا بدقة شديدة إلى الأرض حتى لا نضع أقدامنا على آلاف القنابل أو الألغام المزروعة على الطريق، فكان علينا الترقب من أن ندوس على مخلفات الكلاب، أو أن نَطَأ بأقدامنا هذه المواد اللينة القذرة التي تلصق بالحذاء فلا يمكنك بسهولة التخلص منها، فتجعلك تحس بشعور الاشمئزاز والتَقزز والقرف وعدم الراحة طوال اليوم.

 

ونحن اليوم مازلنا أمام المشهد نفسه في معظم المدن الغربية العريقة الأخرى، ولو أنها ليست بالحدة نفسها، ولكنها مازلت حاضرة وتشكل مأزقاً وظاهرة عامة في شوارع وحدائق ومتنزهات هذه المدن.

 

والآن دخلت هذه الظاهرة مرحلة جديدة، فلم تعد مشكلة بسيطة تهتم بها شركات النظافة، وإنما أُسستْ شركات لإدارة هذه الظاهرة البيئية الصحية العامة ومتخصصة في علم الجرائم والبحث الجنائي، وتستخدم في عملياتها كافة أنواع الأجهزة الحديثة والتقانات العلمية المتطورة، مثل الحمض النووي(دي إن آيه) والبصمة الوراثية.

 

فبعض المدن تُلزم أصحاب الكلاب والحيوانات المنزلية الأليفة عند شراء أو اقتناء هذه الحيوانات من جمع عينات من المخلفات وأخذها إلى هذه المختبرات العلمية المتخصصة ثم تحليلها للتعرف على نوعية الحمض النووي الموجود فيها، أو ما يُطلق عليه الآن بصمة الحمض النووي(بصمة الـ دي إن أيه)، ولذلك تحتفظ المدينة بسجلٍ كامل لمخلفات هذه الكلاب ووصف شامل للحمض النووي لكل كلب في حد ذاته.

 

وهذا السجل يعتبر السلاح الجديد الأخير لمعاقبة المتجاوزين والمخالفين لأنظمة التعامل مع مخلفات الكلاب، حيث يستخدم الآن لضبط مخلفات الكلاب في الطرقات والمتنزهات التي تركها أصحابها دون تنظيفها، فتؤخذ عينة منها لتحليل البصمة الوراثية والرجوع إلى "سجل مخلفات الكلاب" لتحديد هوية مالك الكلب، ثم استدعائه لاتهامه بالجريمة البيئية الصحية التي ارتكبها، وتغريمه بالمبلغ الذي يتناسب مع حجم الجريمة.

 

وإنني أتساءل: هل انتهت المشكلات البيئية والصحية في هذه المدن الغربية لكي يخلقوا لأنفسهم مشكلة جديدة؟ وربما ينطبق عليهم المثل الشعبي: "يا مَن شراله من حلاله عِله".

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق