السبت، 21 يناير 2017

حَبْل الكَذِب قَصير: فولكس واجن مثالاً


عندما غرس أحد مهندسي شركة فولكس واجن في مايو عام 2006، وبدعمٍ قوي وإشادة من رجال النفوذ والسلطة، بذرة خبيثة في جسد سيارات فولكس واجن ووضع جهازاً وبرنامجاً للحاسب الآلي يُضلل ويغش الحكومات والمستهلكين في كل أنحاء العالم، اعْتَبر الجميع في هذه الشركة العملاقة هذا الغش التجاري ذكاءً وعبقرية، واعتبروا هذا الكذب المتعمد مع سبق الإصرار والترصد إنجازاً فريداً وعملاً مميزاً سيَدُر على الشركة أرباحاً خيالية عظيمة، ومن خلالها ستتمكن الشركة من الهيمنة وتحقيق الريادة والسبق على المستوى الدولي في سوق السيارات النظيفة منخفضة الانبعاث للملوثات، وبخاصة سيارات الديزل.


 


وهذا ما حدث بالفعل، فقد نجحت الشركة مؤقتاً في تحقيق المال الوفير والربح الغزير، وتمكنت من الحصول على لقب أكبر شركة في العالم لبيع السيارات، واستطاعت إقناع الدول والأفراد بأن سيارات الديزل التي صنعتها هي بالفعل الأقل تلويثاً للبيئة، والأكثر حماية لصحة الإنسان.


 


ولكن هل اسْتَدام هذا "الرِزق الحرام" على الشركة؟


وهل استدام هذا الرقم القياسي الذي حققته في بيع السيارات؟


وهل استدام نجاحها في تضليل العالم وغش الناس؟


 


فلم تمض سنوات قليلة، لم تزد عن 8 سنوات حتى فاحت رائحة الكذب النتنة رويداً رويدا، وانكشف يوماً بعد يوم ستار الغش والتحايل، فبَدتْ سوءة الشركة تظهر، وانكشفت عورتها التي أخفتها طوال السنوات الماضية.


 


ففي سبتمبر من عام 2014، بدأت خيوط الجريمة الكبرى والفضيحة العظمى تظهر، فقد كشفت الصُدف حبل الكذب في الولايات المتحدة الأمريكية عندما أَجْرت إحدى جامعات أمريكا تجارب ميدانية على نسبة انبعاث الملوثات من السيارات التي صنعتها فولكس واجن وأكدت بأن درجة التلوث الناجمة عن عوادم هذه السيارات لا تتطابق مع ادعاءاتها وأقوالها، وأثبتت زيف وتحايل الشركة على حكومات دول العالم وعلى سكان الأرض أجمعين، حيث إنها باعت 11 مليون سيارة مغشوشة، منها 600 ألف سيارة مزيفة في الولايات المتحدة الأمريكية.


 


ثم جاء المشهد الثاني من إزالة النقاب عن هذه الجريمة، وهو مشهد كشف "سلاح الجريمة" والذي تمثل في تصميم برنامجٍ خاص يوضع في جهاز الحاسب الآلي(الكمبيوتر) الخاص بهذه السيارات، بحيث إن هذا البرنامج يُوهم الحكومات والمستهلكين بأن نسبة الملوثات المنطلقة من عادم السيارات منخفضة وتتوافق مع معايير الإنبعاث الخاصة بسيارات الديزل.    


 


ومع اكتشاف سلاح الجريمة، اضطر المجرم إلى الاعتراف بجريمته وذنبه العظيم الذي لا يغتفر، فما هي المحصلة النهائية لهذا الغش والكذب والتحايل على الناس؟


 


أولاً: تكبدت شركة فولكس واجن أكبر خسارة في تاريخها، وغرمتها الحكومة الأمريكية أعلى غرامة في تاريخ البشرية، ففي 27 يونيو من عام 2015 وافقت الشركة على دفع مبلغ وقدره 14.7 بليون دولار لتسوية الدعاوى المدنية المرفوعة ضدها من وكالة حماية البيئة الأمريكية ومن ملاك السيارات حيث سيُنفق المبلغ على شراء السيارات المتضررة والمغشوشة وتعويض أصحاب السيارات، وفي 11 يناير من العام الحالي ألزمت محكمة أمريكية اتحادية فولكس واجن على دفع مبلغ وقدره 4.3 بليون دولار كغرامات مدنية وجنائية، مما يعني أن فولكس واجن وافقت حتى يومنا هذا على دفع مبلغ 19 بليون دولار كغرامات في الولايات المتحدة الأمريكية فقط، علماً بأن هناك المئات من الدعاوى المرفوعة ضد الشركة في الكثير من دول العالم الأخرى.


ثانياً: أدانت المحكمة الأمريكية ستة مسؤولين كبار في الشركة بتهم جنائية، وبعضهم يقبع الآن في غياهب السجون.


ثالثاً: تشويه سمعة الشركة برمتها من جهة، وسمعة صناعة السيارات في ألمانيا بشكلٍ عام من جهةٍ أخرى، والخسائر المالية الناجمة عن هذه السمعة السيئة لا يمكن تقديرها بثمن على المدى القريب والبعيد. 


 


والآن وبعد هذه الخسائر المالية التي نزلت كالصاعقة المدمرة على الشركة بسبب الغش والكذب، هل ستلجأ أية شركة إلى هذا الأسلوب الأعوج وغير الأخلاقي لجني المال السريع؟


 



 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق