الثلاثاء، 24 يناير 2017

تَذكير إلى المواطن والحكومة


الأعباء المالية تزيد علينا يوماً بعد يوم، ونفقاتنا الشهرية في ارتفاع مطرد، ومصروفاتنا في تنامي مع كل شهر وكل سنة، ودخلنا الشهري لا يتحرك ويكاد يُراوح في مكانه، فقد رُفع الدعم عن اللحم وجازولين السيارات، وغيرهما قادم، وفي المقابل توقفت جميع الحوافز وزادت الرسوم والضرائب هنا وهناك تحت عناوين ومسميات مختلفة، ولذلك لا نريد أن نفتح على أنفسنا باباً جديداً يزيد من نفقاتنا، ولا نريد بنداً إضافياً يرفع من سقف مصروفاتنا ويحملنا عبئاً ثقيلاً يقصم ظهورنا ويدفعنا إلى هاوية الديون والإفلاس.

 

فهناك قضية جوهرية إذا لم نهتم بها، ونقدم لها جُل عنايتنا، ونرعاها بصفةٍ يومية، فإنها ستُشكل لنا على المدى القريب حِملاً مالياً جديداً مرهقاً، وبنداً نحن في غنى عنه في مصروفاتنا اليومية والشهرية والسنوية، وهذا العبء الثقيل لن يتحمله المواطن البحريني لوحده، وإنما سيكون عبئاً أثقل وأكبر على الحكومة نفسها، وهذه القضية الشائكة هي حماية البيئة ومكوناتها الحية وغير الحية بصفة عامة، وصيانة ورعاية الهواء الجوي ومنع تدهور نوعيته وفساد جودته بصفةٍ خاصة.

 

وسأركز حديثي معكم اليوم فقط على قضية واحدة متعلقة بالتلوث وهي تلوث الهواء الجوي بالتحديد والنفقات الإضافية المباشرة التي علينا كأفراد وعلى الحكومة تحملها ودفعها شهرياً أو سنوياً لحماية أنفسنا وفلذات أكبادنا من شروره ومن الانعكاسات الصحية القاتلة التي تنجم عنه، وليس هذا من باب التنظير أو التخويف، وإنما ما أقوله هو مَبْني على تجارب ميدانية واقعية أراها بأم عيني الآن، وأقف أمامها لتفحصها ودراستها كل يوم في الكثير من مدن العالم.

 

فإذا أهملنا جودة الهواء الجوي، وسمحنا لمصادر التلوث من إلقاء الملوثات السامة والخطرة على الهواء الجوي، وتركنا هذه القضية دون عناية مباشرة، ورقابة صارمة وشديدة، فإن الهواء الجوي سيتشبع بهذه الملوثات، وعندها بدلاً من أن نستنشق هواءً عليلاً يحمي صحتنا وصحة أطفالنا ويقينا من الأمراض والأسقام والعلل، فإن هذا الهواء الجوي الملوث نفسه سيتحول إلى سببٍ لأسقامنا ويصبح التهديد الأكبر لأمننا الصحي. وإذا وصلنا إلى هذه الدرجة، كما هو الحال في المدن الحضرية المكتظة بالسيارات والمصانع، فسنضطر جميعاً دون استثناء، مواطنين وحكومة، إلى تحمل الأعباء المالية الناجمة عن هذا التلوث، وسنُدخل بأيدينا بنداً للمصروفات المتكررة نُطلق عليه: "نفقات حماية أنفسنا من التلوث"، وستكون هذه النفقات على المستوى الفردي كما يلي:
أولاً: شراء كمامات واقية من تلوث الهواء، توضع على الفم والأنف لتمنع دخول الملوثات إلى أجسامنا، وهذا الكمامات تستخدم عادة لمرةٍ واحدة أو مرتين ثم ترمى، وهي تكلف نحو ثلاثة دنانير للعلبة للفرد الواحد، وأضف على ذلك كلفة شرائه لباقي أفراد الأسرة كل شهر.
وإذا كُنت ممن يتبعون "الموضة" في لباسك وهيئتك الخارجية وتهتم بمثل هذه المظاهر العامة، فهناك الآن كمامات أيضاً على الموضة ولكن أسعارها أعلى من الكمامات العادية.

ثانياً: شراء أجهزة تنقية وتصفية للهواء الجوي تقوم بترشيح الهواء الفاسد والخطر حتى تمنع انتقال الملوثات السامة إلى داخل المنزل، فتستنشق وأنت في عقر دارك هواءً نظيفاً سليماً، وهذه الأجهزة مكلفة تصل إلى أكثر من ألف دينار للمنزل برمته، ثم عليك شهرياً عبء تغيير المرشحات وصيانة الأجهزة، وهذا يضاف إلى مصروفاتك المتكررة أيضاً. وعلاوة على هذا فإن هذه الأجهزة كالمكيفات في المنزل عليك استبدالها بعد انتهاء عمرها. 

ثالثاً: الهواء الملوث يصيبك بالحساسية الحادة ومع الزمن ستعاني من أمراض الجهاز التنفسي والقلب، وعليك دفع فواتير العلاج لك ولأسرتك، مما قد يحملك فوق طاقتك المالية وميزانيتك الشهرية.

رابعاً: ستقوم المدارس الخاصة بوضع أجهزة لترشيح وتنقية الهواء الجوي في الصفوف وصالات الرياضة، وهذه النفقات الإضافية ستزيد من الرسوم الدراسة الشهرية للتلاميذ، وستقع في نهاية المطاف على كاهلك أنت كولي الأمر.

خامساً: قد تضطر في بعض الأوقات إلى شراء علبٍ من الهواء الصحي النقي الخالص والخالي من الشوائب، وهذه تبلغ قيمتها نحو أربعين ديناراً للعلبة، فكم علبة تحتاج لك شخصياً ولعائلتك وأفراد أسرتك؟

 

أما على مستوى الحكومة فستكون المصروفات كما يلي:

أولاً: شراء وتركيب أجهزة تنقية الهواء في المباني الحكومية والتي تكلف الملايين، ثم أضف عليه النفقات الشهرية المتمثلة في التشغيل، والصيانة، وقطع الغيار.

ثانياً: شراء أجهزة دقيقة وغالية الثمن وذي تقنية عالية لمراقبة ومتابعة جودة الهواء والتغييرات اليومية التي تطرأ على نوعيتها، وتخصيص مبالغ مالية متكررة للتشغيل والصيانة الدورية.

ثالثاً: تحمل الكلفة العالية لعلاج المرضى الذين يسقطون ضحايا لتلوث الهواء الجوي.

 

وختاماً أقدم لكم ما تتكبدها الصين من خسائر مالية فادحة بسبب إهمالها لجودة الهواء طوال السنوات الماضية وتركيزها كلياً على النمو الاقتصادي، ومنها خسارتها في عام 2012 لأكثر من 535 بليون دولار بسبب التلوث عامة، وتلوث الهواء خاصة، ومنها اقتراضها من بنك التنمية الآسيوي في 14 ديسمبر 2016 لمبلغ قدره 499.6 مليون دولار لإنفاقه على برنامج تحسين جودة الهواء، ومنها أيضاً تخصيص 2.6 بليون دولار في 14 يناير من العام الجاري لحماية الهواء في عام 2017.

 

فهذه أمثلة سريعة للكلفة العالية لتلوث الهواء على الفرد والحكومة، فهل نحن مستعدون لتحمل هذه المصروفات والنفقات التي نحن في غِنى عنها في هذه الظروف المالية الصعبة؟

   

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق