الخميس، 2 فبراير 2017

تسييس البيئة في الولايات المتحدة الأمريكية



من اليوم فصاعداً، أي قرارٍ سيتخذ في الولايات المتحدة الأمريكية حول البيئة وقضاياها وشؤونها سيكون قراراً "مُسيساً"، وبعبارةٍ أخرى سيكون قراراً غير موضوعي من الناحية البيئية والعلمية وسيكون تبعاً لهذه السياسة "التَرَمْبية" الجديدة على هوى الرئيس الأمريكي "ترمب" ورجال السياسة من حوله وبما يتناسب مع مقاس التوجه السياسي البحت، من حيث عدم تعارض هذه المعلومات العلمية البيئية مع توجهات الرئيس، ثم مع حزب الرئيس، ثم مع أَجِنْدة جماعات الضغط التي تمول وتدعم الرئيس وحزبه في الانتخابات.

ففي 25 يناير من العام الجاري قررت إدارة ترمب إلزام وكالة حماية البيئة الأمريكية على عدم نشر أية معلومة علمية بيئية، أو دراسة حول إحدى القضايا البيئية، إضافة إلى منع الوكالة من وضع أية أبحاث أو أخبار بيئية على صفحتها في الإنترنت إلا بعد مراجعتها وتفحصها بشكلٍ شامل من قبل رجال السياسة، وهذا يعني توقف إجباري للبث المباشر إلى الشعب الأمريكي لأية معلومات، أو قراءات بيئية علمية تقيسها أجهزة المراقبة، إلا بعد تحريرها "سياسيا"، وإخضاعها للمراجعة السياسية، وبعدها يُطلق سراحها للنشر لعامة الناس.  

وقد جاءت هذه السياسة غير الموضوعية وغير العلمية على لسان مدير الإعلام دَجْ إريكسون (Doug Ericksen) في وكالة حماية البيئة والمعَيَّن من قبل حكومة ترمب، حيث صرح قائلاً:"نحن نتابع وندرس كل شيء يخرج من وكالة حماية البيئة، ويتضمن صفحة الوكالة على شبكة المعلومات(الإنترنت) بما في ذلك قضية المناخ"، وأضاف قائلاً مؤكداً على هذا التوجه الديكتاتوري الجديد:"كل شيء سيخضع للمراجعة". وتنفيذاً لهذه السياسة توقف النشر الفوري والمباشر لكافة المعلومات البيئية، سواء عل حساب وكالة حماية البيئة في التويتر، أو على صفحة الوكالة في الفيس بوك، حيث إن فريق المخابرات الجديد الذي عينه ترمب لإدارة وكالة حماية البيئة يجري مراقبته الشديدة على نوعية المعلومات التي تبثها الوكالة إلى المواطن الأمريكي، فتخضع هذه المعلومات لعملية جراحية سريعة وتضمدها لكي تتوافق مع سياسة ترمب، ثم تسمح لها بالخروج إلى العامة.

ولذلك نرى بأن هذا التوجه "اللابيئي" لهذه الإدارة الأمريكية الجديدة وتسييس القضايا البيئية يتشكل في عدة أوجه، منها التعتيم الإعلامي على القضايا البيئية، وبالتحديد قضية التغير المناخي التي تُسبب لترمب حساسية مفرطة منذ سنوات، حيث اختفت صفحة التغير المناخي من على حساب البيت الأبيض في الإنترنت بُعيد تنصيبه رئيساً، كذلك أُزيلتْ صفحة خاصة تحت عنوان:"حقائق حول التغير المناخي: الإجابة على الأسئلة العامة" من حساب وكالة حماية البيئة، كما اختفت التقارير الخاصة بالتغير المناخي في صفحة وزارة الخارجية في 26 يناير من العام الجاري.كما أن تسييس البيئة يتمثل في فرض الرأي الواحد وثقافة الفكر الأحادي على الشعب الأمريكي من خلال "التحرير السياسي" والمراجعة السياسية لمضمون أي تقريرٍ بيئي، أو دراسة علمية بيئية، إضافة إلى تعيين شخصيات في مناصب قيادية بيئية وغير بيئية لها سمعة بيئية سيئة، ومعروفة لعدائها للبيئة وقضاياها وبخاصة التغير المناخي.

وهذه الرقابة الإعلامية على الشؤون البيئية وتطويع وتحوير المعلومات العلمية لتتناسب مع التوجهات السياسية ليست ظاهرة جديدة في الحكومات الأمريكية، ولكنها تختلف في شدتها ودرجتها من إدارةٍ إلى أخرى.ففي عهد الرئيس الجمهوري الأسبق رونالد ريجن، وبالتحديد في عام 1982 تم منع فيلمٍ بيئي أُنتج في كندا من الدخول إلى أمريكا، وتم حظر مشاهدته على كل مواطنٍ أمريكي، وهذا الفيلم كان عنوانه: "قصة المطر الحمضي"(Downwind: the Acid Rain Story)، وفي عهد الرئيس الجمهوري بوش الابن تم التلاعب في المصطلحات المتعلقة بالتغير المناخي وسخونة الأرض وارتفاع درجة حرارتها، حيث ألغت إدارة بوش تدريجياً منذ فبراير عام 2012 استخدام مصطلح “سخونة الأرض” الذي يعترف ضمنياً بارتفاع درجة حرارة الأرض ودور الإنسان وأنشطته التنموية في حدوث هذا الارتفاع، واستبدلته بمصطلح “التغير المناخي” الذي يعتبر أكثر عمومية ولا يشير إلى متهمٍ بعينه، أو إلى حالة محددة كارتفاع درجة حرارة الأرض، ولذلك فهو أكثر قبولاً من رجال السياسة والنفوذ واللوبي الخاص بوقود الفحم والبترول.

وهذه الظاهرة التي نشهدها الآن في الولايات المتحدة الأمريكية تجعلني لا أثق في مصداقية وموضوعية أي تقريرٍ أو دراسة علمية بيئية تصدر من جهة حكومية رسمية، وتجعلني حذراً من الوثوق والاعتماد على نتائجها واستنتاجاتها، حيث إن التلاعب فيها وتحويرها وإخضاعها للتوجهات والأهواء السياسية والحزبية أمر واقع وملموس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق