الاثنين، 6 فبراير 2017

سيجارة واحدة تُدخِلكُ القَبْر مُبكراً



كلما قررتُ التوقف عن الكتابة عن أهوال تدخين السجائر بكافة أنواعها ومسمياتها من الناحية البيئية والصحية والاقتصادية على عامة الناس وعلى المجتمع برمته صغيراً وكبيراً، أَجدُ نفسي مُلزماً ومضطراً من الناحية الإنسانية والأخلاقية إلى الولوج مرة أخرى في بحرها الغزير الأُجاج الذي لا تنضب مساوئه ولا تنتهي أضراره.

فالدراسات والأبحاث البيئية والطبية لا تتوقف كلياً عن التدخين والسجائر، والعلماء لا يصيبهم الملل أو الكَلل في سبر غور هذه الظاهرة الصحية الخبيثة والمهلكة لأفراد المجتمع، ففي كل يوم أقرأ عن بحثٍ جديد يُقدم اكتشافاً آخر يضاف إلى الاكتشافات الأخرى، ويعطينا دليلاً محسوساً جديداً عن الآثار البيئية والصحية المدمرة للسجائر بكافة أنواعها، وأشكالها، وكل هذه الدراسات التي أَطْلع عليها يومياً تثيرني وتجبرني إلى تنبيه الناس وتذكير المسئولين عن هذه الحقائق العلمية المتعلقة بهذا الوباء القاتل، لعلنا نتخذ قرارات حاسمة وشجاعة في منع التدخين كلياً في بلادنا، ونعمل سوياً على اجتثاث هذه الظاهرة غير الصحية والمميتة من على أرضنا.

فهناك دراسة قام بها المعهد الأمريكي الوطني للسرطان على 300 ألف مدخن ونُشرت نتائجها في الخامس من ديسمبر عام 2016 في مجلة الجمعية الأمريكية الطبية للطب الباطني، حيث أكدت على أن الذين كانوا يدخنون معدل سيجارة واحدة في اليوم طوال حياتهم أصبحوا معرضين للموت المبكر بنسبة 64% مقارنة بغير المدخنين، والذين كانوا يدخنون نصف علبة يومياً ارتفعت هذه النسبة إلى 87%، أي أن هذا البحث يؤكد بأنه لا توجد نسبة آمنة أو غير ضارة للتدخين، فكل سيجارة تعجل من دخولك إلى مثواك الأخير. 

كذلك توصلت عدة دراسات إلى نتائج مخيفة جداً عن التدخين، منها الدراسة المنشورة في مجلة "العِلم" في الرابع من نوفمبر 2016، والتي أكدت على أن التدخين يُتلف خلايا الجسم، ويحدث فيها تغييرات متعددة في موادها الوراثية، سواء الخلايا التي تتعرض مباشرة للدخان كالحنجرة والرئة، أو التي لا تتعرض بشكلٍ مباشر، كما أفاد البحث المنشور في مجلة جمعية القلب الأمريكية(Circulation: Cardiovascular Genetics) أن التدخين يفقد الجينات وظيفتها وفاعليتها ونشاطها، حيث إنه يؤثر على 7000 من جينات الإنسان، فيقضي نهائياً على هذه الجينات الوراثية وبدون رجعة، أو يحدث فيها تحورات وطفرات وراثية، والدراسات والحقائق السابقة أكدت بأن المدخن قد يصاب نتيجة لذلك بـ 17 نوعاً من السرطان.

ولذلك فإن هناك إجماعاً دولياً لا خلاف عليه كلياً بأن التدخين يهلك الإنسان عاجلاً، ويقضي عليه مبكراً، فلماذا إذن لا تمنع الدول هذه الآفة؟ ولماذا تتمسك الدول بالسماح للتدخين وبيع السجائر بكافة أنواعها؟

والجواب هو البعد الاقتصادي والجانب المالي، حيث تعتقد الدول بأنها تجني ثروة طائلة من الضرائب الكبيرة التي تفرضها على السجائر، وهذه الضرائب تُعد جزءاً من الدخل القومي وتثري ميزانية البلاد. ولكن الحقائق المنشورة من المنظمات الدولية وعلى رأسها منظمة الصحة العالمية تؤكد عكس هذا الاعتقاد، فتفيد التقارير بأن حجم الضرر المادي الناجم عن التدخين والمتمثل في علاج مرضى التدخين وصرف الأدوية المكلفة لملايين المرضى والموت المبكر يفوق كثيراً ويزيد بمعدلات كبيرة المبالغ التي تحصل عليها الدول من ضرائب التبغ.

فعلى سبيل المثال، تؤكد منظمة الصحة العالمية والمعهد الأمريكي القومي للسرطان في التقرير الشامل الذي حصر وحلَّل أكثر من 70 بحثاً علمياً حول التدخين، والمنشور في العاشر من يناير من العام الجاري، بأن التدخين يكلف الاقتصاد الدولي أكثر من تريليون دولار سنوياً، فيقتل 6 ملايين إنسان، وسيرتفع هذا العدد إلى 8 ملايين بحلول عام 2030، في حين أن الدخل الضريبي الذي تحصل عليه الدول من السجائر يُقدر بنحو 269 بليون دولار سنوياً، أي أن الخسائر الاقتصادية والمردودات المالية لبيع السجائر تتعدى كثيراً وتفوق بدرجة ملحوظة الأرباح المالية التي تجنيها الدول عن طريق ضرائب التبغ.  

والآن وبعد هذا التقرير الأممي الجامع والحاسم، هل هناك أي مُبرر اقتصادي، أو غير اقتصادي يدعو الدول إلى استيراد السجائر والسماح لبيعها؟  

والأمر الإيجابي في قضية التدخين وبيع السجائر هو أن هذه الآفة القاتلة نستطيع منعها واستئصالها كلياً من مجتمعنا بجرة قلم فقط، وهو اتخاذ قرار بمنع استيراد السجائر، فلماذا لا نقوم بهذا الأمر البسيط والسهل في بلادنا؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق