الخميس، 16 فبراير 2017

نأكل البلاستيك دون أن نعلم!



هل تعلم بأن هذه السمكة التي تصطادها بنفسك، وتخرجها من البحر بيديك، وقد تسهر وتتعب ساعات طوال تحت حر الشمس وفي عمق البحر وأنت تنتظر بفارغ الصبر لصيدها، قد تكون هذه السمكة ملوثة بآلاف الحبيبات البلاستيكية المتناهية في الصغر والتي قد لا تُرى بالعين المجردة؟

وهل تعلم بأن هذه السمكة الطازجة الطرية التي تتلهف إلى أكلها والتمتع بمذاقها الطيب وتتلذذ بلحمها الصافي، قد تكون مصدراً لأسقامك وأمراضك المزمنة؟

فالمخلفات البلاستيكية أصبحت الآن مصدراً للإزعاج والقلق الشديدين، فعامة الناس والعلماء سابقاً كانوا لا يعرفون شيئاً عن مصير هذه المخلفات التي نلقيها بأيدينا في البر والبحر والجو، فكانوا لا يفقهون عن أين ستذهب؟ وكيف ستتحرك بعد ولوجها في مكونات البيئة؟ وما هي التغييرات المختلفة التي تطرأ عليها مع الزمن على المستويين القريب والبعيد؟

فالكثير من الناس لا يذهبون بعيداً عن نظرتهم إلى المخلفات البلاستيكية، فهم يرونها بعض الأوقات عالقة على أغصان الأشجار فتزين أوراقها بشتى أنواع المخلفات، وتارة يشاهدونها في الصحراء تنتقل من منطقة إلى أخرى ومن عشبة برية إلى عشبة ثانية، وفي حالات كثيرة أخرى نراها وهي طافية تسبح بحرية فوق سطح الماء فتحركها التيارات المائية والرياح إلى مناطق لا يعلمها إلا الله وإلى مصيرٍ مجهول وغامض.

ولكن لم يتصور الناس والعلماء ولم يخطر على بالهم بأن هذه المخلفات التي نراها أمامنا بأم أعيننا تتجول طليقة في بيئتنا، قد تختفي بعضها عنَّا وعن أبصارنا، وتغيب فترة من الزمن عن حواسنا، ولكنها ترجع إلينا بعد حِينْ طال الزمن أو قصر، ولكن تكون عندها في هيئةٍ جديدة، وثوبٍ فريد، وفي صورة لم نتخيلها قط ولم نسمع عنها أبداً، فتضر عندئذٍ بأمننا الصحي وتسبب لنا العِللْ المزمنة والخبيثة.

فقد اكتشف علماء جامعة جنت(Ghent) في بلجيكا في 24 يناير من العام الجاري، وأزالوا النقاب عن ظاهرة جديدة مخيفة ومرعبة للبشر عامة والعلماء خاصة، حيث استنتجوا بأن المدمنين على تناول المأكولات البحرية من قواقع وأسماك وغيرهما، تدخل في أجسامهم كل سنة عشرات الآلاف من الجسيمات البلاستيكية الدقيقة جداً والصغيرة الحجم التي لا يمكن لأي بشرٍ أن يتحسس وجودها أثناء أكله لهذه الكائنات البحرية، أي أنهم أكدوا على حقيقة بيئية حول "الدورة الحياتية للبلاستيك"، والتي تبدأ بنا وبأيدينا عندما نلقي المخلفات البلاستيكية بدون هوادة وبدون أي ذنب نحس به في مكونات البيئة، وبخاصة البيئة البحرية، فتتحرك هذه المخلفات في البحر وتسير في رحابها الواسع، وبفعل عوامل الطبيعة كالرياح السطحية وضوء وحرارة أشعة الشمس وملوحة مياه البحر وتياراته القوية، تتفتت هذه المخلفات الكبيرة وتتكسر إلى قطعٍ وحبيبات أصغر فأصغر يطلق عليها "الميكروبلاستيك"، حتى تصل في نهاية الأمر إلى قطعٍ قُطرها أقل من خمسة مليمترات، وعندئذٍ تلتهما الكائنات البحرية فتدخل في أجسامها وأعضائها، وتبدأ رويداً رويداً بالتراكم والتضخم في هذه الكائنات.

وتكمن الخطورة في هذه الظاهرة السرية والخفية أننا نكون في آخر الهرم الغذائي، فنتغذى على هذا الكائنات البحرية التي امتلأت بطونها وتشعبت بهذه المخلفات البلاستيكية التي تخلصنا منها بأنفسنا فرجعت إلينا مرة ثانية. والأشد بأساً وتنكيلاً علينا هو أن هذه الحبيبات البلاستيكية الصغيرة تكون قد امْتصت الملوثات أثناء وجودها في البحر وأثناء رحلتها الطويلة، وبقت ثابتة على سطحها فحملتها معها حتى بلغت جسم الإنسان، وعندها تترشح هذه السموم من على سطح البلاستيك فتدخل في أجسامنا دون أن نعلم، أو حتى أن نحس بدخولها في أجسامنا إلا بعد حين عندما تنكشف علينا أعراض الأمراض المستعصية عن العلاج.

والآن وبعد أن علمنا وتيَّقنا من هذه الحقيقة العلمية البيئة الصحية، وتعمقنا في خطورتها على صحة الفرد والمجتمع، أتمنى من الجهات المختصة وضع تشريعٍ خاص بالتعامل مع المخلفات البلاستيكية بشكلٍ عام، وبالتحديد من ناحية منع التخلص منها في البيئات البرية أو البحرية، وتجريم كل من يخالف هذا التشريع، لأن كل من لا يلقي المخلفات البلاستيكية في مكانها المخصص لها فإنه يرتكب جريمة الإضرار بصحة الحياة الفطرية وأمن وسلامة وصحة المواطنين، ويعرضهم للأمراض التي نحن في غنى عنها، وجدير بالذكر بأن المجتمع الدولي اتخذ عدة خطوات تنفيذية لمواجهة هذا التهديد لصحة البيئة والبشر، منها "المبادرة الدولية للميكروبلاستيك".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق