الاثنين، 20 فبراير 2017

أخطر تهديدٍ لبيئتنا البحرية


هناك عدة تحديات ومخاطر تواجه بيئتنا البحرية، وهناك الكثير من التهديدات التي نعاني منها منذ سنوات وتؤثر بشكلٍ سلبي مزمن على سلامة وأمن بيئتنا البحرية والكائنات الفطرية الحية النباتية والحيوانية التي تعيش في حضنها وترعى تحت ظلها.

 

وجميع هذه التحديات والتهديدات، باستثناء واحدة منها، يمكن معالجتها والتخلص من آثارها وتداعياتها السلبية على أمننا البحري ولو بعد سنوات، فعادةً ما تكون الأضرار التي ألحقتها وسببتها بالبحر وكائناتها الحية قابلة للحَلْ، ويمكن إرجاع الوضع وصحة البيئة بعد فترةٍ من الزمن،سواء بالتدخل الجراحي السريع أو العلاج الدوائي التدريجي البطيء،إلى طبيعتها وفطرتها التي كانت عليها من قبل.

 

فعلى سبيل المثال، هناك المشكلة البيئية البحرية التي تنجم عن إلقاء مياه المصانع أو مياه المجاري غير المعالجة أو المعالجة جزئياً. فهذه المياه الآسنة القذرة ذو الروائح الكريهة النتنة التي تحتوي على خليطٍ معقدٍ من السموم والملوثات الخطرة، ومن بينها الملوثات الكيميائية الغذائية كالفوسفات والنيترات والمركبات العضوية والأدوية، إضافة إلى الكائنات والجراثيم الحية المسببة للأمراض، تكون مع الوقت ظاهرة الإثراء الغذائي، وهي تحول البحر من اللون الأزرق الجميل البراق إلى لون الدم الفاقع الذي يلقي الفزع والرعب في قلوب الناس، أو ينقلب البحر إلى اللون الأخضر أو البني، فتموت عندها الكائنات الحية وتتحول من غذاءٍ للإنسان إلى سمٍ ناقع قاتل.

 

فهذه الحالة المأساوية التي تنزل على البيئة البحرية الساحلية، ونراها في الكثير من الأحيان، وبخاصة أثناء أشهر الصيف الحارة في خليج توبلي وفي المناطق الساحلية الضحلة وشبه المغلقة، يمكن علاجها بعدو طرق ناجعة، منها تكوير عملية معالجة مياه المجاري وتحسين نوعية هذه المياه قبل السماح لها بالدخول في البيئة البحرية الساحلية، ومنها العلاج الجراحي السريع والعاجل والمتمثل في تنظيف المنطقة الساحلية، وبالتحديد في قاع البحر من المخلفات الصلبة وشبه الصلبة التي ترسبت مع الزمن من مياه المجاري. وعند القيام بهذه العمليات فإن البيئة البحرية سترجع إلى ما كانت عليها في السابق وستزدهر فيها الحياة البحرية، بشقيها النباتي والحيواني.

 

كذلك هناك مشكلة الصيد الجائر واستخدام وسائل الصيد غير المشروعة التي تمارس عندنا في البحرين، ورأينا وشاهدنا تأثيراتها على البيئات البحرية القاعية من جهة وعلى كمية ونوعية الأسماك التي نصطادها في مياهنا من جهة أخرى. فهذه الممارسات الخاطئة منذ سنوات يمكن إيقافها بجرة قلم حاسم وتنفيذ التشريعات والأنظمة المقننة للصيد السمكي، وعندها سترجع الأمور إلى مجاريها بعد سنواتٍ قليلة، وستتعافى البيئة البحرية من الأسقام والعلل التي أصابتها في جسدها وفي أعضائها الداخلية.

 

وفي المقابل هناك الطامة الأزلية الكبرى التي نشهدها يومياً في بيئتنا البحرية، وهناك الأعمال "التنموية" التي ترتكبها أيدينا منذ أكثر من ستين عاماً، فتهدم في كل يومٍ شبراً من بحرنا وقوت يومنا ومصدر غذائنا، وتقضي في كل ساعة على شريانٍ حيوي يُغذي قلب البحر بالدم فيعينه على الحياة والعطاء....إنها عمليات الحفر البحري ودفن مئات الكيلومترات المربعة من أكثر البيئات البحرية عطاءً، وأشدها إنتاجاً وحيوية وإلى الأبد ومن غير رجعة.

 

ولكي تُقدر معي حجم الضرر الذي أحدثناه للبحر والثروة السمكية، تصور أنك تعيش في حي سكني متكامل ينبض بالحياة، وفيه كل وسائل العيش وكل مقومات الحياة، ثم تأتي وتفجر هذه المنطقة على رؤوس سكانها وكل من يقنط عليها، ثم تلقى عليها التراب وتدفنها إلى الأبد، فهل سيبقى أحد حياً؟ وهل ستبقى أية آثار للسكان أو الحي؟ وهل تستطيع، مهما أوتيت من مال أو عدة وعتاد أن ترجع الموتى وتعيدهم إلى الحياة مرة ثانية؟

 

فعمليات الدفان التي أكلت حتى الآن قرابة 300 كيلومترٍ مربعٍ من جسد بحرنا، ومازال التدمير مستمراً، قد قضى كلياً على كل كائنٍ حي نباتي وحيواني كان يعيش في تلك المنطقة، وقضى إلى الأبد وبدون رجعة على جميع هذه الكائنات التي بعضها لا ترى بالعين المجردة، كما قطع الشريان الحي الذي يربط هذه البيئة البحرية التي هُدمت ودفنت بالبيئات البحرية الأخرى.

 

فكم من كائنٍ حي نباتي مِجْهري أو غير مجهري قد فقدنا إلى الأبد؟ وكم من كائنٍ حي حيواني قد خسرنا وبدون رجعة؟ وكم هو حجم الأضرار الاقتصادية والبيئية والاجتماعية والغذائية التي تكبدناها خلال أكثر من ستة عقود من الزمن؟

 

فهذا هو التحدي الأعظم الذي يواجه بيئتنا البحرية، فكل ما دفناه ذهب مع الريح ولا يمكن إرجاعه مهما فعلنا وبذلنا من جهود، وهذا ما نحتاج التفكير فيه بعمق لحماية ما تبقى من تراثنا البحري المعطاء.

 

Bottom of Form

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق