الأربعاء، 1 مارس 2017

شهادة الوفاة بسبب التلوث!


هل سيأتي علينا زمان نُصْدر فيه شهادة الوفاة لأي إنسان توفى، فنكتب فيها بأن سبب الموت هو "التلوث"، وأن هذا الإنسان قد قضى نحبه وانتقل إلى رحمة بارئه نتيجة لتعرضه للملوثات؟

 

ففي تقديري واستناداً إلى المعلومات العلمية والطبية الموثوقة والتجارب البيئية الميدانية التي أراها أمامي في مختلف دول العالم، فإن هذا الزمان سيكون قريباً جداً، بل وسنشهده جميعاً أمام أعيننا وسيكون على مدى سمعنا.

 

فالحقائق التي تنكشف يومياً عن التلوث وتأثير الملوثات على صحة الإنسان، وبخاصة تلوث الهواء الجوي، تُشير إلى أننا في المستقبل القريب المنظور سنضطر إلى إضافة عاملٍ جديد، وسبب لم نعهده من قبل ولم نتعود على سماعه إلى أسباب وفاة الإنسان، فنُضيف العامل البيئي، وبالتحديد التلوث إلى القائمة المعتمدة حالياً على المستوى الدولي لأسباب الوفاة.

 

وهذه الاكتشافات الحديثة والمتسارعة عن التلوث، وبالتحديد تلوث الهواء يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

أولاً: صنَّفتْ المنظمة الدولية لأبحاث السرطان التابعة لمنظمة الصحة العالمية في 17 أكتوبر من عام 2013 الهواء الجوي العادي الذي نستنشقه يومياً بأنه يقع ضمن "المواد المسرطنة للإنسان"، وهذا يدل على أن الهواء الجوي يحتوي على ملوثات مسرطنة تنبعث من السيارات، كالبنزين ومركب البِنْزوبيرين والجسيمات الدقيقة الصغيرة الحجم، إضافة إلى المصادر الأخرى التي تُطلق خليطاً من الملوثات السامة والخطرة كالمصانع ومحطات توليد الكهرباء. 

 

ثانياً: تلوث الهواء يُطلق عليه بالقاتل الصامت، وعُمدة لندن، صادق خان أَطلق على تلوث الهواء في لندن في عدة مناسبات في فبراير من العام الجاري بـ "القاتل"، حيث يُعد من أهم أسباب الموت على المستوى الدولي والقطري في بعض دول العالم. فمنظمة الصحة العالمية تُقدر بشكلٍ دوري عدد الذين يقضون نحبهم مبكراً، ففي عام 1990 كان العدد 3.5 مليون، وارتفع في عام 2015 إلى 4.2 مليون، ووصل الآن إلى مستويات مرعبة تقشعر لها الأبدان، حيث قُدر العدد الآن إلى زهاء 6.5 مليون إنسان. ففي لندن، على سبيل المثال يموت قرابة 9000 لندني موتاً مبكراً نتيجة لاستنشاق الهواء الملوث عبر السنوات، وفي بريطانيا عامة يموت قرابة أربعين ألف، مما اضطر عمدة لندن إلى فرض ضريبة أَطلق عليها "ضريبة السمية"( T-charge) على السيارات الملوثة للبيئة ويبدأ تطبيقها من 23 أكتوبر من العام الجاري وذلك حماية لصحة الناس ومنعهم من الموت المبكر. وفي الصين ارتفع عدد الموتى بسبب الهواء الملوث من 945 ألف في عام 1990 إلى 1.1 مليون في عام 2005، ثم زاد بشكلٍ مضاعف إلى قرابة أربعة ملايين خلال عام 2016. وفي الهند يموت قرابة 1.1 مليون قبل موعدهم سنوياً، حسب الدراسة التي قام بها معهد التأثيرات الصحية في بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية حول تلوث الهواء على المستوى الدولي والمنشور في 14 فبراير من العام الجاري.

 

ثالثاً: تلوث الهواء له علاقة بخفض وزن الجنين، أو الإصابة بتشوهات خَلْقية وعقلية، أو الولادة المبكرة قبيل الموعد الطبيعي مما يؤدي إلى موت الجنين أو مشكلات صحية مزمنة، حيث أفاد تقرير منظمة الصحة العالمية في 16 فبراير من العام الجاري أن 3.4 مليون ولادة مبكرة حول العالم مرتبطة بتلوث الهواء، وهذه تمثل 18% من الولادات المبكرة. ودعماً لنتائج هذا التقرير المخيف، فقد نَشرتْ منظمة الأمم المتحدة للطفولة(اليونيسف) تقريراً في 30 أكتوبر 2016 أفادت فيه أن نحو 300 مليون طفل يعيشون في بيئاتٍ هواؤها ملوث ومسموم بالمواد القاتلة، وهذا الهواء الملوث يُسهم بشكلٍ رئيس في القضاء على أكثر من 600 ألف طفل سنوياً تقل أعمارهم عن خمس سنوات.

 

رابعاً: هناك إجماع لدى العلماء المختصين بأن تلوث الهواء يسبب الكثير من الأمراض، منها السرطان بأنواعه المتعددة، والسكتة القلبية والدماغية، وأمراض القلب والجهاز التنفسي، وداء السكري، والزهايمر، وكل هذه الأمراض تعتبر رسمياً من العوامل التي تؤدي إلى موت الإنسان.

 

والآن وبعد كل هذه الأدلة الحازمة، والبراهين الحاسمة، هل يشك أي إنسان بأن شهادات الوفاة القادمة قريباً سيكون مكتوب فيها بأن سبب الوفاة هو "التلوث"؟

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق