الأربعاء، 8 مارس 2017

معاهدة سَلام مع البيئة


حان الوقت لكي يستعجل الإنسان في اتخاذ الخطوات العملية التنفيذية لوضع البنود الرئيسة لعقد معاهدة سلام عادلة وشاملة مع البيئة، وجاء الآن دور المجتمع الدولي لكي يتحرك سريعاً وبدون أي تردد أو تباطىء لعمل اتفاقية دولية ملزمة ترفع الراية البيضاء أمام البيئة ومكوناتها الحية وغير الحية، فتُوقف كل الانتهاكات الصارخة والجائرة المستمرة منذ أكثر من مائة عام والتي تتعرض لها كافة عناصر البيئة من ماءٍ وهواءٍ وتربة في كل ثانية وفي كل منطقة قريبة كانت أو بعيدة في بيئتنا، وتنتهك حرماتها شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، حتى أنك لن تجد الآن شبراً من البيئة إلا وقد أصابه عدوى التلوث، ولن تجد عضواً من أعضاء أجسامنا إلا وقد تغلغلت الملوثات في أعماقه وأنزلت عليه المرض العضال والسهر والحمى.

 

فالظلم الشديد والدمار العميق الذي وقع على البيئة منذ أكثر من قرن، والتجاوزات التي قامت بها أيدي الإنسان الجائرة على حرمات البيئة لا يمكن السكوت عليها بعد اليوم، فأجهزة المناعة الطبيعية التي خلقها الله سبحانه وتعالى في أعضاء البيئة لن تتحمل أية تعديات جديدة عليها، ولن تقدر على استيعابها وتخفيفها ودرء الضرر عنها، فقد أنهك التلوث المزمن قواها الكامنة، وأتعب مضاداتها الدفاعية، وأرهق كاهلها، حتى سقطت صريعة وأُدخلت فوراً إلى غرفة الإنعاش ووضعت عليها كافة أنواع الأجهزة التي تبقيها أياماً معدودات على الحياة، وهي الآن جثة هامدة مُلقية على سرير الموت تنتظر نحبها.

 

فالكثير من المعاهدات "الجزئية" السابقة التي عقدها الإنسان مع بيئته باءت بالفشل وسقطت حتى قبل التوقيع عليها وتصديقها، فلم يلتزم الإنسان بتعهداته التي قطعها على نفسه، ولم يف بوعده تجاه حماية عناصرها ومكوناتها الحية وغير الحية. كما أن المعاهدات السابقة كانت في أغلب الأحيان "قِطَاعية"، أي أنها متخصصة وتهتم بجانبٍ واحد فقط من جوانب البيئة المختلفة، وتركز على قضية بيئية واحدة دون أن يكون هناك تكامل وترابط بين القضايا البيئية الكثيرة والمتشعبة والمتداخلة.

 

وعلاوة على ذلك، فإن هذه المعاهدات كانت تأتي عادة كردة فعل سريعة وغير متبصرة للإنسان تجاه تدميره لمكونٍ أو عنصرٍ بيئي محدد، كطبقة الأوزون، أو انقراض الأحياء، أو تلوث الهواء والبحار عبر الحدود الجغرافية، فيقوم بشكلٍ عاجل ومتسرع بتجميع كافة القوى الدولية المعنية والعمل على صياغة معاهدة لا تتخذ منهج الوقاية والمنع والتكامل مع القضايا البيئية الأخرى كمدخل وأساس لمواجهة هذه القضية والقضاء عليها جذرياً واجتثاثها من أعماقها وأصولها.

 

ولذلك فمعاهدة السلام الشاملة والجامعة مع البيئة تنظر إلى البيئة وهمومها ومشكلاتها كقضية واحدة مترابطة ومتداخلة ومتشابكة، لا يمكن الفصل بينهما، أو اتخاذ إجراءات منقوصة أحادية الجانب وغير شاملة، فالبيئة أَعْتبرها كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

 

فعلى سبيل المثال، هناك اتفاقية التنوع الحيوي التي تقع تحت مظلة الأمم المتحدة، والتي تهدف إلى حماية وتنمية الحياة الفطرية النباتية والحيوانية بمستوياتها المتعددة وصيانة موائلها الطبيعية، فهذه الاتفاقية لكي تكون فاعلة ومؤثرة على المستوى الدولي وتؤتي أُكُلها للجميع في كل دول العالم، عليها أن ترتبط عضوياً باتفاقيات أخرى لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بحماية الأحياء نوعياً وكمياً، وتعمل على منع جميع العوامل التي تؤدي إلى تدهورها وإفسادها مع الوقت.

 

ومن العوامل الرئيسة التي تضُر كلياً بالبيئات الطبيعية والأحياء التي تعيش عليها هي ظاهرة التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الأرض والتداعيات التي تنزل علينا بسبب هذه الظاهرة، كارتفاع مستوى سطح البحر، والفيضانات، وتدمير الغابات، وغيرها من الانعكاسات الخطيرة التي تهدد الحياة الفطرية وموائلها وتؤدي إلى انقراضها بشكلٍ جماعي غير مسبوق. وبالتالي إذا أردنا دولياً أن نُفعِّل من اتفاقية التنوع الحيوي ونحمي الأحياء على كوكبنا ونضمن استدامة عطائها وإنتاجيتها، فعلينا في المقام الأول أن نجد آلية حازمة نُلزم فيها دول العالم جمعاء على التعهد بخفض مستوى التهديدات التي تأتي من التغير المناخي، والمتمثلة في ارتفاع مستوى الملوثات التي يُطْلقها البشر من مصانعهم، ومحطات توليد الكهرباء، ومن وسائل النقل كالسيارات والطائرات والبواخر والقطارات.

 

وبعبارةٍ أخرى علينا أن نربط عضوياً بين اتفاقية التنوع الحيوي وأية اتفاقية ملزمة متعلقة بالتغير المناخي، وننسق جهود الحماية بين هاتين الاتفاقيتين، إضافة إلى التنسيق مع المعاهدات الدولية الأخرى ذات العلاقة. وهكذا، وبمعاهدة "سلام مع البيئة" سننجح بطريقة متكاملة وشاملة أن نحمي كل مكونات بيئتنا الحية وغير الحية ونعيش بأمنٍ وسلام مع بيئتنا، ونضمن استدامة عطائها لنا وللأجيال اللاحقة. 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق