الثلاثاء، 10 يناير 2017

إجلاء 50 ألف من منازلهم يوم الكِرِيسمِس!


أيام الأعياد المسيحية، عيد الكريسمس، أيام الفرح والسرور والبهجة والسعادة، تحولت هذا العام بين عشيةٍ وضحاها إلى خوفٍ ورعبٍ وفزع، وترقبٍ وانتظار من مصيرٍ مجهول، فبدلاً من أن يكون الناس في منازلهم آمنين مستقرين وسالمين على أرواحهم وصحتهم يتناولون مع بعض وجبة العيد في جوٍ من الراحة والاسترخاء ولـمِّ شمل الأسرة والأهل والأقارب، اضطر الناس إلى النزوح من بيوتهم وإخلائها بالسرعة الممكنة وكأنهم حُمرٌ مستنْفرة فرَّتْ من قَسْورة، وذلك تجنباً لوقوع كارثةٍ محتملة وأزمة حادة عقيمة.

 

فقد أَمرتْ السلطات الألمانية في مدينة أيجزبيرج(Augsburg) في يوم عيد الميلاد الماضي، وبالتحديد في 25 ديسمبر عام 2016أكثر من 54 ألف مواطن ألماني من الخروج من منازلهم وإخلاء أحيائهم وطرقاتهم فوراً، وتَرْك كل مستلزماتهم وحاجياتهم وراءهم في المنزل، والذهاب مباشرة إلى مراكز الإيواء والاستقبال التي خُصصت لهم في المدارس والملاعب الرياضية، وفي الوقت نفسه أُعلنت حالة الطوارئ وأُمرت سيارات الشرطة والإسعاف لكي تكون على أهبة الاستعداد الأمني.

 

فما هو الأمر الجلل والمصيبة العظمى التي ستنزل على هذه المدينة الآمنة المستقرة حتى تأخذ السلطات هذه الإجراءات الجذرية الحاسمة والسريعة؟

 

لقد اكتشف ما لا يخطر على بال أحد، ولا يفكر في وجوده بين ظهرانيه أي إنسان، فأثناء الحفر في هذه المدينة لبناء مواقف تحت الأرض للسيارات تم العثور على جسمٍ حديدي ضخم لم يشهده الناس من قبل ولم يتمكنوا من التعرف عليه، حيث تم مباشرة استدعاء الجهات المختصة للتعرف على هذا الجسم الغريب.

 

فقد تأكد بعد الفحص والتدقيق أن هذا الهيكل الكبير هو من مخلفات الحرب العالمية الثانية التي انقضى عليها الزمن أكثر من سبعين عاماً، فهي قنبلة بريطانية تزن قرابة ألفين كيلوجرام أُلقيت على هذه المدينة الألمانية أثناء الحرب ولم تنفجر منذ ذلك الوقت ومكثت في مكانها تنتظر نحبها، وكادت لو انفجرت أن تحدث كارثة عظيمة ومأساة بشرية يذهب ضحيتها الآلاف من الناس.

 

ووجود مخلفات الحرب من قنابل وصواريخ ودبابات وطائرات وسفن حربية وذخائر حية في البر والبحر أصبح ظاهرة يتم اكتشافها بالصدفة بين الحين والآخر، فهذه الحادثة ليست الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة، فهناك في مكانٍ ما على وجه الأرض، في البر أو البحر عشرات الآلاف من الأسلحة والمعدات الفتاكة الجاثمة والتي لا يعلم مصيرها إلا الله.

 

فعلى سبيل المثال لا الحصر، في أغسطس من عام 2015 تم العثور على قنبلة تزن 250 كيلوجراماً في موقع للبناء شرقي العاصمة البريطانية وأدى أيضاً إلى إخلاء جميع السكان من تلك المنطقة، وفي يناير 2014 اصطدمت آلية بقنبلة في مدينة إيسكيرشن الألمانية فانفجرت في وجه السائق وسقط صريعاً في الحال وجرحت الآخرين، وفي الثاني من أكتوبر عام 2015 تم اكتشاف مخلفات طائرة عسكرية أمريكية من طراز بي 17 على عمق 75 متراً في قاع البحر بالقرب من ميناء بالميرو(Palermo) جنوب إيطاليا عندما تم إسقاطها من قبل الجيش الألماني في 18 أبريل عام 1943، وفي 17 أبريل 2013 تم العثور على دبابةٍ من طراز فانتوم،تزن 30 طناً، وطولها ستة أمتار، وعرضها3 أمتار، وهي جاثمة في قاع مقبرةٍ لمخلفات الحرب العالمية الثانية في بحيرة هامانا(Hamana) في مقاطعة شيزوكا(Shizuoka Prefecture) اليابانية.

 

فلا يمر إذن شهر إلا ونسمع ونقرأ عن اكتشاف أحد مخلفات الحروب السابقة منذ الحرب العالمية الأولى حتى يومنا هذا، وخليجنا العربي له حصة كبيرة من هذه المخلفات الجاثمة في بيئتنا بسبب الحروب المؤسفة التي تعرضنا لها خلال العقود الماضية، ولذلك هناك حاجة ماسة لإجراء دراساتٍ معمقة وشاملة تُقدر لنا نوعية هذه المخلفات الحربية وأحجامها ومواقع وجودها، سواء أكانت في المناطق الصحراوية البرية أو في أعماق مياه الخليج.

 

وخلاصة القول فإن الحروب تنتهي يوماً ما مهما طالت واستفحلت وانتشرت، ولكن تداعياتها ستبقى قروناً طويلة من الزمن، والبعض من هذه التداعيات كالمخلفات الصلبة الخطرة التي تنجم عنها تمكث في الأرض خالدة مخلدة فيها تُذكر الإنسان بين الحين والآخر بأهوال الحروب وفتكها للإنسان وبيئته، لعَلَّنا نتعظ ونتعلم منها، فنعمل دائماً جاهدين على تجنبها ومنع الوقوع في مهالكها.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق