الأربعاء، 4 يناير 2017

إخفاقات شركة جونسون و جونسون


ذكرتُ في مقالات سابقة بأن الشركات العملاقة العريقة المتعددة الجنسيات لا ترقُب في أحدٍ إلاًّ ولا ذِمة عند القيام بأعمالها وتجارتها وتسويق منتجاتها، فلا يهمها مصلحة الإنسان وأمنه الصحي وسلامة أفراد المجتمع بقدر ما يعنيها تحقيق الربح السريع، وجني المال الوفير على حساب كل شيء، وبكل الطرق الممكنة والوسائل المتاحة، شرعية كانت أم غير شرعية.

 

وهذه الممارسات مُتجذرة في ثقافة هذه الشركات ورؤيتها وسياساتها ولذلك تجدها جميعاً تسير على النهج نفسه وتمشى على هداه، وفي كل يوم نشاهد أمامنا ونقرأ في وسائل الإعلام ما يؤكد واقعية هذه الظاهرة ويثبت حقيقة وجودها.

 

فشركة جونسون و جونسون التي تجاوز عمرها المائة عام والمشهورة دولياً في صناعة وإنتاج الأدوية، والمواد التجميلية، ومساحيق الزينة، وأدوات ومعدات زراعة أعضاء البشر، تعاني منذ سنوات من شرخٍ واسعٍ في سمعتها، ومن نقطٍ سوداء في تاريخها الطويل، وإخفاقات صحية وبيئية في جودة منتجاتها بحيث أصبحت تُسيء إلى ماضيها المشرق الجميل، وتُعكر سجلها المضيء.

 

ففي الأول من ديسمبر من عام 2016 أَمَرتْ محكمة اتحادية في الولايات المتحدة الأمريكية هذه الشركة لدفع مبلغٍ مالي ضخم قدره أكثر من بليون دولار أمريكي بسبب الشكوى التي رفعتها مجموعة متضررة صحياً من المرضى الذين قاموا بزراعة مفصل الوَرك، وهو العظمة بين الفخذ والحوض. فقد تمثل الضرر الجسدي والنفسي في المضاعفات المعقدة والمشكلات الصحية التي نجمت بعد زرع الورك، مما اضطر هؤلاء المرضى إلى الخضوع لعملية جراحية ثانية لترقيع وإصلاح الأخطاء الطبية التي وقعت أثناء العملية الأولى الفاشلة، ومعالجة التلف الذي وقع على الأنسجة، إضافة إلى تكبد عناء الويلات والمعاناة العضوية التي تصاحب مثل هذه العملية، حيث تأكد بعد سنوات من بيع وتسويق واستخدام هذا المفصل الصناعي المعدني المكون من عنصري الكوبلت والكروميوم أن هناك عيوباً في تصميم هذا المفصل، وخللاً في إنتاجه وتصنيعه.

 

والأدهى من ذلك والأمر هي الممارسة اللاأخلاقية وغير المسئولة التي قامت بها شركة جونسون و جونسون في أنها كانت على علمٍ تام بهذه العيوب والمساوئ، ولكنها تسترت عليها، وتعمدت على تجاهلها كلياً وغض الطرف عنها، واستمرت في الدعاية لها وبيعها وزرعها في أجساد البشر للحصول على المزيد من الربح على حساب الأمن الصحي للإنسان والمعاناة البشرية، ولم تتوقف عن بيعها إلا في عام 2013 بعد تدخل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية.

 

وقبل هذه القضية، وبالتحديد في مارس من عام 2016، أَمَرتْ محكمة أخرى في مدينة دالاس بولاية تكساس الأمريكية شركة جونسون و جونسون إلى دفع غرامة قدرها 500 مليون دولار لمجموعة من المتضررين الذين وقعوا أيضاً تحت معاناة مماثلة من جراء أخطاءٍ في زرع مفصل الورك، كما أن هناك قضية أخرى مشابهة سيتم الحكم فيها في سبتمبر من عام 2017، إضافة إلى وجود قائمةٍ طويلةٍ من الشكاوى والقضايا التي تنتظر دورها، وتقدر بنحو 9000 قضية!

 

وهذه القضايا السوداء الجديدة تنضم إلى الفضائح السابقة التي ضربت سمعة هذه الشركة وهزَّت شباكها من الداخل، منها فضيحة "بَوْدرة تَالْكَمْ"( talcum powder)، أو مسحوق الأطفال المشهور الأبيض اللون الذي لم يستطع الأطفال والصغار والشباب والشيوخ من الاستغناء عن استخدامه لعقودٍ طويلةٍ من الزمن، والذي قامت الوكالة الدولية لأبحاث السرطان التابعة لمنظمة الصحة العالمية بتصنيفه عام 2006 بأنه من "المحتمل أن يسبب السرطان" للإنسان.   

 

فعلى سبيل المثال لا الحصر، حكَمتْ محكمة في مدينة سينت لويس الأمريكية في الرابع من مايو عام 2016 على الشركة بدفع مبلغٍ وقدره 55 مليون دولار لامرأةٍ تعاني من سرطان المبيض نتيجة لتعرضها لسنوات لهذا المسحوق المسرطن، علماً بأن هناك محكمة أخرى أيضاً وبالتحديد في شهر فبراير أخذت الحكم نفسه وغرمت الشركة 72 مليون دولار تعويضاً لامرأةٍأصيبت بسرطان المبيض، وهناك الآلاف من القضايا المرفوعة ضد الشركة وجميعها متعلقة بهذا المسحوق القاتل.

 

كما أن الشركة اضطرت في عام 2015 مجبرة وصاغرة وبضغوطٍ شديدة من المستهلكين على إزالة مواد كيميائية مسرطنة مثل الديوكسين والفورفالدهيد من كافة منتجاتها.

 

ولذلك ما قدمته لكم ما هو إلا غيض من فيض، يُثبت التاريخ المظلم والأسود لشركة جونسون و جونسون ودورها المتعمد في تعريض البشرية في كل أنحاء العالم للسقوط في شباك الأمراض المستعصية والقاتلة وعلى رأسها السرطان.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق