الثلاثاء، 17 يناير 2017

منازل الرصاص السامة مازالت موجودة في أمريكا!


في عام 1984 كُنتُ أُجري دراسة ميدانية في البحرين بتمويلٍ كريم من مركز البحرين للدراسات والبحوث حول تركيز الرصاص في المنازل، فحَملتُ أجهزتي وأدواتي الخاصة بالتحليل وذهبت إلى بعض البيوت في البحرين وجَمَعتُ عينات من دهان الجدران والأسطح لتحليها مخبرياً والتعرف على نسبة الرصاص السام في الدهانات المستعملة في منازلنا.

 

وكان الهدف الرئيس هو معرفة ما إذا كان المواطن يتعرض لهذا السم القاتل وهو في منزله، وبخاصة بالنسبة للأطفال الذين يضعون في أفواههم كل ما تصل إليه أيديهم فيتسممون نتيجة لذلك، ودهانات المنازل عندما تجف مع الزمن تنسلخ من الجدران والأسطح وتسقط على الأرض فيضعها الأطفال في فمهم.

 

وكانت النتيجة النهائية لهذه الدراسة هي انخفاض تركيز الرصاص في هذه المنازل، ويُعزى السبب في ذلك هو أن الدهان الذي كان يُصنَّع قبل أكثر من قرن، وبخاصة اللون الأبيض المستخدم في المنازل، كان يحتوي على أملاح الرصاص، ولكن بعد اكتشاف حقيقة سُمية الرصاص على الإنسان، وتعرض الأطفال له في المنزل، تم منع إنتاجه نهائياً للاستخدام المنزلي.

 

ولكن في الولايات المتحدة الأمريكية، البلد الأكثر تطوراً من الناحية العلمية، والأكبر من ناحية التقدم التقني وغزو الفضاء، فإن مشكلة الرصاص في المنازل مازالت منتشرة حتى يومنا هذا، فهناك الكثير من منازل وشقق أمريكا، وبخاصة عند طبقة الفقراء والمستضعفين وذوي الدخل المحدود والمعدوم، التي مازال الرصاص يعيش بينهم، ومازال الطفل الأمريكي يتجرع من هذا السم وهو في عقر داره!

 

وقد تنبهت وسائل الإعلام إلى هذا التخلف الأمريكي، والرجعية الصحية والبيئية التي تعاني منها فئة ليست بقليلة من المواطنين، حيث نشرت صحيفة النيويورك تايمس الأمريكية تحقيقاً مطولاً في صدر صفحتها الأولى في 26 ديسمبر عام 2016حول هذه الظاهرة المتفشية في بعض المدن، وأكدت على وجود عمارات بُنيتْ في مطلع القرن العشرين، أي منذ قرابة المائة عام، كالمباني في مدينة بالتيمور(Baltimore) بولاية ميريلاند وقد تم دهنها بأصباغ تحتوي على الرصاص، وهذا الرصاص مازال يعبث في هذه المنازل فيتعرض له الملايين من سكان أمريكا، وبخاصة الأطفال الذين هم الأكثر تضرراً من هذه الظاهرة الخطرة، حيث أكدت الإحصاءات بأن عدد الأطفال الذين يتم اكتشاف الرصاص في دمائهم يصل إلى 535 ألف حالة سنوياً.

 

وفضيحة التسمم بالرصاص في أمريكا ليست محصورة في دهان المنازل القديمة، وإنما موجودة أيضاً في مياه الشرب التي يستخدمها الملايين من سكان أغنى وأكثر دول في العالم ثراءً وتقدماً، وآخر فضيحة مدوية خرجت فوق السطح وتحرك للتستر عليها البيت الأبيض نفسه، كانت قبل عام في مدينة فلينت بولاية ميشيجن، حيث كانت المياه التي تصل إلى منازل وشقق المواطنين ملوثة بالرصاص وأثرت بشكلٍ مشهود على دماء أطفال المدينة.

 

فظاهرة وجود الرصاص في البيئات المنزلية كانت من مشاكل القرن المنصرم التي انتهت الآن في معظم دول العالم المتطورة منها والنامية على حدٍ سواء، ولكن أمريكا حتى يومنا لم تنجح في التخلص من هذه المشكلة القديمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق