الثلاثاء، 6 ديسمبر 2016

حافلة مُتحركة تنقل السرطان لمنازلنا



قبل أيام وأنا أسوق سيارتي في الشارع، وإذا بي أَرى حافلة صغيرة تقف أمامي عند الإشارة الحمراء، ومَكتوبٌ عليها بالخط العريض والواضح الذي يلفت نظر أي إنسان "سيارة متنقلة للتانينج"، أي بعبارةٍ أخرى سيارة تقدم خدمة منزلية للمواطن لتغيير لون جلدهم ليكون متماشياً مع آخر صيحات الموضة، ومواكباً للمستجدات العصرية في مجال التبرج والزينة والجمال.

 

وفي الحقيقة عجبتُ كثيراً واندهشت من هذا الإعلان المنافي لصحة المواطن والذي يتعارض كلياً مع الاستراتيجية الصحية التي وضعتها وزارة الصحة، كما حزنتُ في الوقت نفسه على وجود حافلة خاصة تنقل السرطان إلى عقر دار المواطنين.

 

فعملية التانينج، أو عملية تغيير لون البشرة إلى اللون الذهبي، تَحول في السنوات الماضية إلى هَوسٍ مُفرط عند النساء، وبخاصة صغار السن من المراهقات فأصبح مظهراً عصرياً للجمال عند المرأة، حتى أن الصالونات التي تُقدم هذه الخدمة القاتلة انتشرت اليوم في الدول الغربية كانتشار النار في الهشيم، فعلى سبيل المثال، نشرت جامعة ميامي دراسة ميدانية طريفة مؤخراً، أكدت فيها أن أعداد صالونات التانينج في ولاية فلوريدا الأمريكية تفوق أعداد فروع مطاعم المكدونالد المشهورة عالمياً!، وهذه الصالونات لم تبق في الدول الغربية فحسب، وإنما انتقلت عدواها المرَضِية إلى دولنا، فنحن تحولنا إلى شعوبٍ لا هوية لها، فنقلد الغرب شبرٍ بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضبٍ لدخلناه معهم.

 

فالغرب بعد أن رَوَّج عدة سنوات لهذه العادة السيئة الخطرة، وجنَّد لها خبراء الإعلان والتسويق والدعاية لتشجيع المرأة وتحفيزها على ممارستها بشكلٍ دوري مستدام في الصالونات وفي المنازل، وعرَّض بيديه فلذات أكباده سنواتٍ طويلة لهذه العملية، تأكد له حجم المعاناة والضرر الأليم الذي سببه للمرأة بشكلٍ خاص وللرجل، وأنه قد دمَّر فعلياً حياة عشرات الآلاف من الشابات والشباب، وأنزل عليهم المرض العُضال الفتاك الذي لا علاج له، ونقلهم إلى مثواهم الأخير وهم في سنٍ مبكرة.

 

فهذه العملية الانتحارية تتم بتعريض جميع أعضاء جسم المرأة للمصابيح التي تنبعث منها الأشعة البنفسجية الضارة بجرعاتٍ عاليةٍ ومركزة ولفترة قصيرة من الزمن، وهذه الأشعة، كما أجمع عليها العلماء والأطباء، تؤدي في نهاية المطاف وبشكلٍ سريع إلى مخاطر الإصابة بسرطان الجلد، وبالتحديد النوع القاتل منه وهو سرطان المِلَنُوما(melanoma ).

 

فالكثير من الإحصاءات والتقارير نشرت في الدول الغربية للتأكيد على هذه الحقيقة، منها التقارير الكثيرة التي أعدتها الأكاديمية الأمريكية لأمراض الجلد، حيث أفادت هذه الجمعية الطبية المتخصصة بأنه منذ عام 1973 ارتفع عدد المصابين بسرطان الجلد بنسبة 200%، وأن هذا المرض يقضي على أكثر من ألف أمريكي سنوياً فينقلون إلى مثواهم الأخير. كما أشارت تقارير أخرى بأن نحو 400 ألف حالة سنوياً يضافون إلى قائمة المصابين بسرطان الجلد، ومن هؤلاء 6000 حالة من نوع الملنوما القاتل.

 

واستناداً إلى هذه التقارير الموثوقة سَنَّت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية تشريعاً تمنع فيه عملية التانينج لصغار السن، أو الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً، كما يفرض هذا القانون على كل مستخدم لهذه المصابيح في الصالونات أن يُوقع على استمارة خاصة تفيد بِعِلْمه بمخاطر هذه العملية، والتي تشتمل على الإصابة بسرطان الجلد والحروق في الجلد والعينين. كما قامت، حتى كتابة هذه السطور، 14 ولاية أمريكية بتطبيق هذا التشريع الاتحادي ومنع صغار السن من الدخول في صالات الانتحار الطوعي.

 

أما على المستوى الدولي، ممثلاً في المنظمة الأممية المعنية بالصحة، وهي منظمة الصحة العالمية فقد صَنَّفت مصابيح التانينج التي تنطلق منها الأشعة البنفسجية بأنها "مسرطنة للإنسان".

 

والآن وبعد كل هذه الأدلة العلمية والطبية والإجماع الدولي على أضرار هذه العملية، أتمنى من الجهات المعنية، وعلى رأسها وزارة الصحة اتخاذ الإجراءات اللازمة، وعلى وجه السرعة لمنع شبابنا من الانتحار.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق