الأربعاء، 30 نوفمبر 2016

بدأ ترمب سريعاً بتغيير لونِ جِلْده



خلق الله سبحانه وتعالى الكائنات الحية الفطرية بشقيها النباتي والحيواني وأبدع في جسمها آليات وإمكانات فريدة تدافع فيها عن نفسها وتخيف أعداءها فتبعدهم عنها، أو تجذب الآخرين إليها، وهذه الآليات تختلف وتتغير من كائنٍ إلى آخر.

 

ومن هذه الكائنات المعروفة والمشهورة تاريخياً حيوان الحرباء الذي يغير لون جلده حسب المتغيرات التي تَستجِد في بيئته من الضوء والحرارة وحركة الكائنات من حوله، وحسب وضعه الفيزيائي والفسيولوجي.

 

وقد استفاد بعض رجال السياسة من هذه الخاصية الفريدة للحرباء والكائنات الحية الأخرى، فهم يغيرون لون جلدهم حسب الحالة التي يمرون عليها، وحسب المرحلة التي يعيشونها، فجلدهم أثناء مرحلة الدعاية الانتخابية للوصول إلى منصبٍ سياسي، أو تشريعي، أو تنفيذي له لون براقٌ وجميل، وجذاب وأنيق، يُلفت أنظار الناس إليه، ويزيد من ميلهم نحو التصويت له، فلون جلده يكون حسب ما يحبه الناس وينجذبون إليه ويرغبون في مشاهدته، وإذا ما انتهت هذه الحالة واستطاع هذا السياسي أن يتخطاها بنجاحٍ وتفوق وينتقل إلى مرحلة الجلوس على الكرسي والحصول على السلطة، فعندها سيكون لون الجلد كريهاً أنانياً يتقلب حسب هواه ومصالحه الذاتية، وطموحاته الشخصية الآنية، ثم إذا ما انتهت هذه المرحلة، رجع جلده إلى وضعه الطبيعي.

 

وهذه المتغيرات والمراحل التي يمر عليها رجال السياسة، أراها أمامي الآن وبأم عيني في الولايات المتحدة الأمريكية، بدءاً بالرئيس أوباما الذي سيغادر كرسي الزعامة في العشرين من يناير عام 2017، حيث إنه أثناء حملته الانتخابية عام 2008 والذي أطلق عليها حملة "الأمل"، انتقد بشدة سجن خليج جوانتينامو في كوبا ووصف السجن السيئ الصيت بأنه" وصمة العار في سمعة وروح أمريكا الديمقراطية"، وقطع على نفسه عهداً بأنه إذا انتخب رئيساً فسيُغلق فوراً سجن التعذيب والمهانة، وعندما انتقل إلى مرحلة الرئاسة الفعلية غير لون جلده وأطلق المبررات الواهية لعجزه على الوفاء بالتزامه، وها هو الآن وبعد مرور أكثر من ثمان سنوات على تربعه عرش البيت الأبيض لم يتمكن من إثبات مصداقيته، فلم يغلق إلا قسماً صغيراً جداً من هذا المعتقل الكبير وفي آخر أيامه في الحكم، وبالتحديد في سبتمبر من العام الجاري.

 

ومن أوباما ننتقل إلى الحرباء "ترمب" الذي غير لون جلده سريعاً عندما تحول من حالة "المرشح للرآسة" إلى حالة "الرئيس المنتخب"، ولا أعلم سيتلون جلده إلى أي لون عندما يبلغ حالة "رئيس أمريكا"؟

 

ودعوني أضرب لكم مثالاً واحداً على تغيير مواقفه بسرعةٍ شديدة، وهذا المثال في الشأن الذي أُتابعه وأهتم به منذ أكثر 35 عاماً وهو الهَم البيئي، وبالتحديد في هذه الحالة قضية التغير المناخي. فترمب يُعد داعية متطرف ومتشدد لنكران دور الإنسان وأنشطته التنموية في رفع درجة حرارة الأرض، حيث صرح في عدة مناسبات، منها التغريدة التي نشرها عام 2012 قائلاً: “إن الصينيين اخترعوا فكرة التغير المناخي من أجل إضعاف تنافسية الصناعات الأمريكية"، وقال في مراتٍ عديدة بأن التغير المناخي "خُدعة وهراء"، أما بالنسبة لاتفاقية باريس للتغير المناخي فقد شدد كثيراً على أن المعاهدة سيئة بالنسبة لأمريكا وتضر بمصالحها التجارية، وأعلن في كلمة له في مايو من العام الجاري قائلاً: “سنقوم في أول مائة يوم من حُكمي بإلغاء اتفاقية باريس للمناخ والتوقف عن جميع مدفوعات أمريكا لبرامج الأمم المتحدة للتغير المناخي".

 

وما أن انتقل إلى حالة "الرئيس المنتخب" وبعد أسبوعين فقط، فقد غيَّر لون جلده، ولين من شدة مواقفه تجاه التغير المناخي، وخفف من عنف لهجته السابقة، ففي مقابلة حصرية أجرتها معه صحيفة النيويورك تايمس في 22 نوفمبر من العام الجاري حول عدة قضايا ساخنة محلية ودولية ومن بين القضايا تلك المتعلقة بالشأن البيئي، وبالتحديد القضية المعقدة والمتشابكة، قضية العصر، وهي التغير المناخي، فعندما سأله توماس فريدمان، أحد كتاب الأعمدة حول مرئيات عن التغير المناخي وبالتحديد اتفاقية باريس، فأكد على تغيير مرئياته السابقة قائلاً بأني: “مستعد للنظر في القضية بعنايةٍ شديدة، وهي قضية مثيرة للاهتمام"، كما أضاف في رده بأن: "هناك بعض العلاقة بين أنشطة الإنسان والمناخ"، مما يعني أن  لم يغلق باب التغير المناخي كلياً، وجعله مفتوحاً بعض الشيء، وكأنه يقدم للمجتمع الدولي بصيصاً من الأمل، ونقطة ضوء في نفق التغير المناخي المظلم.

 

وبالرغم من هذه المواقف الإيجابية المستجدة، إلا أن أفعاله على أرض الواقع لا تُبشر كثيراً بخير، فقد أكد بوب واكر، أحد كبار مستشاري ترمب في 23 نوفمبر من العام الجاري على خفض ميزانية وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا"، وبالتحديد قسم علوم الأرض المعني بمراقبة التغيرات المناخية وسخونة الأرض، بل وصرح بأن ترمب سيعمل على وقف الأبحاث في مجال التغير المناخي، وفي المقابل فإن تعييناته الإدارية الجديدة لأشخاص معروفين بنكرانهم للتغير المناخي لا تَدَعْ كثيراً مجالاً للتفاؤل.

ولا أدري كيف سيكون لون جلد ترمب عندما ينتقل إلى حالته الأخيرة والمرحلة الجديدة من حياته وهي "رئيس الولايات المتحدة الأمريكية"؟

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق