الثلاثاء، 1 نوفمبر 2016

العنصرية البيئية في لندن




نَشرتْ الحكومة البريطانية ممثلة في وزارة الداخلية تقريراً في 13 أكتوبر من العام الجاري تحت عنوان: "جرائم الكراهية في إنجلترا وويلز لعامي 2015/2016"، حيث أكدت فيه على ارتفاع الجرائم العنصرية في بريطانيا وازدياد أعدادها بشكلٍ مطرد مع الزمن. فعلى سبيل المثال، أظهر التقرير بأن جرائم العنصرية، وبخاصة بين الأقليات الدينية والعِرْقية، تضخمت في شهر يوليو الماضي بنسبة 40% مقارنة بالشهر نفسه العام الماضي.

 

واليوم تجد بريطانيا، ولندن بالتحديد نفسها أمام نوعٍ جديد من التمييز العنصري والتفرقة العِرقية بين أفراد المجتمع الواحد، وهذا النوع انكشف مؤخراً في تقريرٍ حول تلوث الهواء تم إعداده لعُمدة لندن صادق خان، وظهر أمام الملأ وبشكلٍ لا يمكن تجاهله أو غض الطرف عنه.

 

فقد كانت مفاجأة غير سارة لصادق خَانْ، عُمدة لندن، عندما قرأ تقرير الشركة الاستشارية التي تم تكليفها بإعداد دراسة مفصلة ومعمقة حول حالة الهواء الجوي في لندن وتركيز الملوثات في أحياء ومناطق العاصمة المختلفة، والتي نقلتها صحيفة الجارديان في العاشر من أكتوبر 2016.

 

فالمفاجأة غير المتوقعة كانت في أن عمدة لندن كان يريد معرفة نسبة الملوثات في هواء لندن ومدى خَرْقها أو تطابقها مع مواصفات ومعايير جودة الهواء الجوي الأوروبية، إضافة إلى التعرف على الآليات والبرامج التي يمكنه وضعها لخفض أزمة تلوث الهواء الخانقة في سماء لندن، أي أن نظرته كانت متوجهة نحو دراسةٍ بيئيةٍ بحتة تُركز على نوعية الهواء الجوي وجودته، فلم يخطر على باله بأن التقرير دخل في بحر لُجي جديد غير بحر البيئة، وتطرق إلى بعدٍ آخر بعيدٍ جداً عن تلوث الهواء، وهذا البعد هو الجانب الاجتماعي المتعلق بتوزيع نسب الملوثات في هواء أحياء ومناطق لندن المتشعبة، أي أن هذا الجانب يتناول الإجابة عن السؤالين التاليين وهما: هل درجة التلوث تختلف من حيٍ لندني إلى حيٍ آخر؟ وهل نسبة التلوث في أحياء السود والأقليات ومناطق الفقراء أعلى من مناطق الأغنياء والأثرياء والأحياء الراقية؟

 

ولدهشة خان والمهتمين بهذه القضية، فقد أشار البحث إلى وجود فروقٍ في نسبة الملوثات بين أحياء لندن المختلفة، وأفاد بأن شدة التلوث تكون في مناطق السود والأقليات الأخرى ومناطق الفقراء والمستضعفين، وهذا يعني أن الفقير في لندن إضافة إلى تحمله أعباء الحياة القاسية، وضَنَكْ العيش وقلة الزاد، وضيق الرزق، فإنه في الوقت نفسه يتعرض لما هو أشد وطأة عليه على المدى القريب والبعيد، وهو الملوثات التي تنهك صحته، وتفتك ببدنه، وتصيبه بالأمراض المزمنة التي تحتاج إلى مالٍ وفير وعلاجٍ عسير. 

 

وجدير بالذكر إن علماء الولايات المتحدة الأمريكية هم الذين اكتشفوا هذه الظاهرة العنصرية البيئية في مطلع السبعينيات من القرن المنصرم، وتحققوا من واقعيتها على الأرض عندما أجروا دراسات ميدانية شاملة غطت كل الولايات، وأثبتوا فيها بأن مواقع دفن المخلفات الخطرة وغير الخطرة والمصانع الثقيلة ومحطات معالجة مياه المصانع والمجاري تكون عادة في مناطق الأقليات المستضعفة والذين يعانون من فقرٍ مدقع، وجهلٍ شديد بحقوقهم المدنية، وليس لهم أي نفوذٍ سياسي أو مالي، وبالتالي ليس لديهم من يدافع عن آلامهم ويحقق آمالهم وتطلعاتهم، ولذلك فمن السهولة على الشركات العملاقة وضع قاذوراتهم ومخلفاتهم ومصانعهم الملوثة للبيئة في مناطق سكنهم أو بالقرب منهم.

 

وقد استفحلت هذه الجريمة والتمييز العنصري البيئي البشع في ولايات أمريكا، ودخلت إلى الرأي العام الأمريكي وتناقلتها وسائل الأعلام بشدة وحماسة، مما اضطر الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون في عام 1994 إلى توقيع أمرٍ تنفيذي رقم 12898 حول هذا النمط الجديد من العنصرية البيئية، واستخدم فيه مصطلحاً أعم وأشمل وأَطلق عليه "العدالة البيئية"، كما أمر بإنشاء جهازٍ خاص ضمن وكالة حماية البيئة تحت مسمى "إدارة العدالة البيئية".

 

وهذه الظاهرة تدعونا نحن في بلادنا إلى دراستها بموضوعية ومصداقية عالية وشفافية تامة، والتحقق من عدم وجودها في مجتمعاتنا، فالمواطنون كما ينص الدستور متساوون في الحقوق والواجبات فلا تمييز أو تفريق بينهم على أي أساس، ولو كان في هذا الحالة تمييزاً على أساسٍ "بيئي".

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق