الأربعاء، 16 نوفمبر 2016

قريباً سيَدفِن ترمب اتفاقية باريس للتغير المناخي




قبل سنوات دَفَنتْ الولايات المتحدة الأمريكية رغماً عن أنف دول العالم برمتها بروتوكول كيوتو لعام 1996، والذي التزمت بتنفيذه دول العالم الصناعي والمتقدم من خلال خفض انبعاثاتها من الغازات المتهمة برفع درجة حرارة الأرض وإحداث التغير المناخي.

 

واليوم، وبعد فوز دونلد ترمب لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية وهيمنة الجمهوريين على الكونجرس بمجلسيه النواب والشيوخ(السينِتْ)، فإنني أتوقع قيام الولايات المتحدة الأمريكية بضرب الاجماع الدولي عرض الحائط، والسعي مرة ثانية لدفن اتفاقية باريس الجديدة لعام 2015 حول التغير المناخي تحت الثَّري بأسرع وقت ممكن.

 

فهل يُعيد التاريخ نفسه؟

 

ولكي أجيب عن هذا السؤال سأروي لكم قصة دفن بروتوكول كيوتو للتغير المناخي والملابسات والظروف التي كانت تحيط به في تلك الحقبة الزمنية، وأُبين لكم أنَّ الظروف نفسها موجودة اليوم في الولايات المتحدة الأمريكية.

 

فقصة المجتمع الدولي مع التغير المناخي تبدأ مع قمة الأرض، أو المؤتمر التاريخي الذي عقد في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية حول البيئة والتنمية في عام 1992 والذي تمخض عنه الاتفاقية الإطارية للتغير المناخي ووقع عليها كل دول العالم، ثم بعد هذه القمة توالت اجتماعات الدول حتى وصلت ذروتها في كيوتو باليابان عام 1996، حيث وافقت دول العالم على بروتوكول كيوتو والذي يلزم الدول الصناعية والمتقدمة فقط على خفض انبعاثاتهم من الغازات المسؤولة عن رفع درجة حرارة الأرض ووقوع الخلل المناخي للكرة الأرضية. وقد وقَّعَ معظم دول العالم على هذه الاتفاقية، ومن بينهم الولايات المتحدة الأمريكية، حيث وافق بيل كلينتون من الحزب الديمقراطي على هذا البروتوكول عندما كان رئيساً لأمريكا في ديسمبر 1997، ولكنه لم يأخذ موافقة الكونجرس في الوقت نفسه. وعندما دخل جورج بوش الإبن من الحزب الجمهوري البيت الأبيض في عام 2001، أعلن رسمياً بأنه لن يوافق على البروتوكول لسببين رئيسين. الأول أنه بروتوكول غير عادل لأنه لا يُلزم جميع دول العالم على حدٍ سواء إلى خفض انبعاثاتها من الملوثات، والثاني أن تطبيق هذا البرتوكول يُشكل عبئاً اقتصادياً كبيراً على محطات توليد الكهرباء والمصانع الأخرى، مما يؤدي إلى ارتفاع نسبة البطالة والكساد الاقتصادي في جميع الولايات في أمريكا. وعلاوة على قرار بوش، فقد أصدر الكونجرس في يوليو 1997 قراراً بالإجماع يؤكد فيه أن الكونجرس لن يصادق على أية اتفاقية دولية تؤثر على الاقتصاد الأمريكي. وفي 28 مارس 2001 أعلن الرئيس الأمريكي بوش مَوتْ بروتوكول كيوتو رسمياً والبدء في إجراءات مراسم الدفن، ومع هذا الإعلان انتهى بروتوكول كيوتو على المستوى الدولي وتوقف تنفيذه كلياً.

 

والآن هذا الوضع الذي مَرَّت به الولايات المتحدة الأمريكية يتكرر مرة ثانية، فقد وَقَّعَ أوباما من الحزب الديمقراطي على اتفاقية باريس للتغير المناخي لعام 2015، دون الحصول على مباركة الكونجرس، واليوم يجلس على عرش الولايات المتحدة الأمريكية رئيس جديد من الحزب الجمهوري هو دونلد ترمب ومعه أغلبية أعضاء مجلسي النواب والشيوخ، فهل سينسحب من الاتفاقية الدولية كما فعل سلفه بوش، ويحطم آمال الشعوب التي انتظرت طويلاً لترى النور في هذا النفق الطويل؟

 

فالمؤشرات الأولية تتجه نحو رفض ترمب للاتفاقية والانسحاب كلياً من التزاماتها، ويمكن تلخيص هذه المؤشرات في النقاط التالية. أولاً: من المعروف أن ترمب منذ سنوات يُعارض فكرة التغير المناخي، ومواقفه وآراؤه تُشكك في وقوع هذه الظاهرة، وتقلل من دور الإنسان في حدوث التغيرات المناخية المشهودة، حيث وصف في عدة مناسبات التغير المناخي بأنه "خدعة" و "هُراء"، كما اتهم الصين بأنها هي التي تقف وراء "خدعة" التغير المناخي، وأنه بدعة اختلقها الصينيون.

ثانياً: عَيَّن ترمب في العاشر من نوفمبر أحد أكبر المعارضين شراسة لواقعية ظاهرة التغير المناخي، وهو مايرن إبل(Myron Ebell) لقيادة الفريق الخاص بعملية انتقال السلطة في وكالة حماية البيئة، كما يُعرف عن هذا الرجل التصدي لكل القوانين الخاصة بخفض نسبة الانبعاثات إلى الهواء الجوي والمتعلقة برفع درجة حرارة الأرض، إضافة إلى محاربته العلنية لكل جهود أوباما التي تصب في استخدام أنواع الوقود النظيفة وتخفف من حدة التغير المناخي.

ثالثاً: نَشرتْ وكالة رويتر في 13 نوفمبر خبراً يتلخص في أن ترمب يحاول التملص من الاتفاقية والخروج منها، متحدياً بذلك الإجماع الأممي، وقاتلاً لجهود دول العالم التي استمرت قرابة عشرين سنة من أجل الوصول إلى هذه المعاهدة والتوافق حولها.

 

وبعد أن بَينتُ هذه الحقائق والمؤشرات، هل يشك أحد في سعي ترمب لدفن اتفاقية باريس، كما فعل بوش في دفن اتفاقية كيوتو؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق