الثلاثاء، 22 نوفمبر 2016

الكارثة قادمة، فكيف نواجهها؟



كوارث بيئية صحية وقعت في الكثير من دول العالم في الشرق والغرب في التاريخ المعاصر، ولم تنزل فقط على الدول الصناعية المتقدمة والمتطورة، ولكنها على حدٍ سواء أُصيبت بها الدول النامية والفقيرة، وهذه المصائب الكبرى مازالت تقع اليوم أمامنا ولا يمكن أن يغفل عنها أحد، فنراها بأم أعيننا وضوح الشمس في رابعة النهار، ونسمع عن مردوداتها الخطيرة على البشر وتهديداتها المستدامة على التنمية، ونحن في البحرين لسنا بمنأى عنها، فستنزل علينا هذه الطامة حتماً عاجلاً أم آجلاً، وسنعض حينها أصابع الندم لعدم العمل بجدية وحزم على الوقاية منها، وهي في مهدها، قبل أن تنمو وتكبر فتتحول إلى غولٍ عظيم لا يمكن السيطرة عليه.

 

 

فمن أكثر المِحن البيئية الصحية بشاعة وأشدها وطأة على المجتمع البشري تلك التي وقعت في العاصمة البريطانية لندن في الأسبوع الأول من ديسمبر عام 1952 عندما بلغت مستويات تلوث الهواء ذروتها ووصلت إلى درجاتٍ مرتفعة لا يمكن لأي جسمٍ بشري أن يقاومها ويتكيف معها ويتحمل العيش في ظلها، فبدأت الضحايا البشرية تتساقط أمام أعين الناس ساعة بعد ساعة، ويوماً بعد يوم، حتى أكل التلوث جسد أكثر من 4000 لندني في أسبوع واحد، ونقلهم فوراً إلى مثواهم الأخير.

 

فهل استطاعت بريطانيا بتقدمها العلمي والتقني أن تقضي على مشكلة عمرها أكثر من سبعين عاماً، وتعاني من ويلاتها طوال هذه العقود الطويلة؟ والجواب أن هذه المشكلة شديدة التعقيد وتهديداتها إذا وقعت لا يمكن القضاء عليها بسهولةٍ ويسر، ولذلك بريطانيا حتى يومنا هذا تقاسي من أضرارها بيئياً، وصحياً، واقتصادياً حيث إن التقارير الرسمية الحكومية المنشور العام الحالي تؤكد بأن تلوث الهواء يُسقط الشباب والشيوخ معاً فيموت أكثر من 40 ألف بريطاني سنوياً موتاً مبكراً، ويكلف الدولة نحو 27 بليون جنيه إسترليني! 

 

ومن أوروبا الغنية والمتطورة، ننتقل إلى قارة أفريقيا النامية والفقيرة، وبالتحديد نيروبي عاصمة كينيا، حيث إن عدوى تلوث الهواء بدأ يضرب هذه الدول غير المتطورة، فمصادر تلوث الهواء كثيرة ومتعددة، ومن أشدها ضراوة السيارات القديمة التي زادت بدرجةٍ مرعبةٍ تشبعت بها الشوارع، فتوقفت الحركة المرورية وتعطل العمل والإنتاج، وفي الوقت نفسه أصبحت هذه السيارات تُنفث من بطنها السموم المسرطنة والقاتلة التي بدأت تفسد الهواء الجوي فتحصد ضحاياها بين مريضٍ وسقيم، وبين من يعاني من سكرات الموت.

 

أما في الصين حيث يُضرب بها المثل في النمو السريع والكبير خلال العقود الماضية، فهي تقف اليوم مكتوفة اليدين ومتحسرة أمام ما فعلت هي ببيئتها وصحة شعبها، فقد وصل تلوث الهواء إلى درجةٍ كبيرةٍ جداً شلَّت تنميتها، وكادت تهدم كل ما بنتها وسهرت عليها طوال السنوات الماضية من نموٍ وازدهار، ولذلك لم يستطع أي مسئول حكومي على كافة مستوياتهم من تجاهل هذه الأزمة المهددة لحياة الصينيين، أو حتى السكوت عنها، بل واضطرت الصين وعلى لسان أعلى سلطة فيها وهي رئيس الدولة من "إعلان الحرب" على تلوث الهواء، وتشديد الإجراءات على كل المصادر التي تفسد نوعية الهواء الجوي.

 

وفي الهند، وفي العاصمة نيودلهي فالحالة المأساوية نفسها تتكرر، وربما رأى الجميع وقرأ هذه الأيام عن إعلان حالة الطوارئ الصحية في المدينة، وإغلاق المدارس لعدة أيام ومنع بعض المصانع من العمل وتقييد الحركة المرورية.

 

وننتقل معاً الآن إلى أمريكا الجنوبية، حيث مدينة المكسيك التي تختنق كلياً من الكثافة المرورية العالية من جهة، ومن تدهور نوعية الهواء من جهةٍ أخرى. فإعلان حالات الطوارئ البيئية والصحية في العاصمة المكسيكية أصبح أمراً روتينياً يتعرض لها المواطنون مراتٍ عديدة في كل شهر.

 

والآن وبعد هذه الأمثلة القليلة التي قدمتها لكم من مختلف دول العالم، هل نحن في البحرين بعيدين عن وقوع مثل هذه الكوارث التي تنزل يومياً على هذه المدن؟

 

والجواب هو أن أسباب نزول كارثة تلوث الهواء وموت الناس نتيجة لذلك موجودة بين أيدينا، ونعاني منها يومياً ولا يمكن لأي مواطن أن لا يدرك وجودها عندنا، بل وأرى أنها تتحول يوماً بعد يوم إلى همٍ وغمٍ شعبي ينعكس على وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. فالسيارات وهي رأس المشكلة، تتزايد بدرجةٍ غير معقولة بحيث إن مساحة البحرين الضيقة باتت لا تستوعب هذه الأعداد المهولة، حتى أصبح الازدحام في كل شارع، وفي كل وقت من اليوم والليلة، ومع هذه الأحجام المرتفعة من السيارات، تزيد معها نسبة الملوثات في الهواء الجوي، فتفسد نوعيتها وتضر بأمننا الصحي، وتُوقِع مع الوقت الضحايا البشرية. وفي المقابل هناك المصانع، ومحطات توليد الكهرباء، والمطارات، وجميعها تصب في خلق بذور وقوع كارثة قادمة لا محالة.

 

فهل نحن مستعدون لمواجهتها والتصدي لها؟

 اللهُم إني قد بَلغَت اللهم فاشهد.

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق