الأحد، 6 نوفمبر 2016

الأوبئة تجذرتْ في مجتمعنا واستفحلت




الأوبئة والأمراض المستعصية استفحلت في مجتمعنا في السنوات القليلة الماضية، وتجذرت في أعماقها، وبدأت تنخر في جسد مجتمعنا فتأكل شبابنا قبل شيوخنا، فالسرطان يفتك بنا من كل حدبٍ وصوب وبدون سابق إنذار، وأمراض القلب تُسقط الضحايا من فلذات أكبادنا من صغار السن قبل الكبار ممن وهن عظمهم واشتعل رأسهم شيباً بحيث إن الإحصاءات التي نُشرت العام الجاري حول الأمراض في البحرين أكدت أن أمراض القلب والأوعية الدموية تتصدر قائمة الوفيات في البحرين والناتجة عن الأمراض المزمنة بنسبة 34%، والآن نسمع عن تقارير صدرت من جهات رسمية تؤكد أن داء مرض السكري أخذ في الانتشار في البحرين كانتشار النار في الهشيم.

 

فقد كشف التقرير السابع للاتحاد الدولي لداء السكري لعام 2015 والصادر في 28 أكتوبر من العام الجاري عن أن اجمالي عدد مرضى السكري المسجلين في البحرين بلغ نحو 200 ألف شخص، تتراوح أعمارهم بين 20 و 79، كما أفاد التقرير بأن كُلفة علاج مرضى السكري تجاوزت 225 مليون دولار أمريكي، أي نحو 86 مليون دينار لعام 2015، وأن متوسط النفقات على كل مريض يقدر بنحو 560 ديناراً، وقد خلص التقرير إن هذه النسبة المرتفعة من المصابين بداء السكري من النوعين الأول والثاني في ازدياد مطرد ونمو متزايد.

 

والآن لو بحثنا بعمق وموضوعية وبأسلوبٍ علمي عن أسباب انتشار هذه الأمراض في البحرين، سواء أمراض القلب، أو داء السكري، أو السرطان لوجدنا أن هناك عاملاً مشتركاً بين كل هذه العِللْ، وسبباً واحداً يُعزى إليه الوقوع ضحية لهذه الأسقام المزمنة ويُسهم في رفع نسبتها في البحرين، بل وفي كل دول العالم بدون استثناء.

 

هذا العامل المشترك الجديد هو التلوث، وبالتحديد تلوث الهواء، والذي عادةً ما يتجاهله المعنيون بحماية صحة الناس ووقايتهم من الأمراض، ويغفلون عن إسهامه الفاعل والمؤثر في تدمير صحتنا وفساد عافيتنا، ويستصغرون دوره في القضاء على الصحة العامة.

 

ولكي أُثبتْ لكم واقعية هذه الحقيقة، وأؤكد لكم العلاقة الحميمية التي تربط بين تلوث الهواء والصحة العامة، فإنني أُقدم لكم آخر التقارير والدراسات التي تسبر غور هذه الظاهرة المعاصرة. فقد نَشرتْ منظمة الأمم المتحدة للطفولة(اليونيسف) تقريراً في 30 أكتوبر من العام الجاري أفادت فيه أن  نحو 300 مليون طفل يعيشون في بيئاتٍ هواؤها ملوث ومسموم بالمواد القاتلة، وهذا الهواء الملوث يُسهم بشكلٍ رئيس في القضاء على أكثر من 600 ألف طفل سنوياً تقل أعمارهم عن خمس سنوات، كما أكد التقرير أن هذه السموم التي تشبع بها الهواء الجوي لا تؤثر على الجهاز التنفسي فحسب، وإنما يتعدى تأثيرها إلى أعضاء الجسم الأخرى فيصل إلى المخ ويتلف خلاياه ويضعف وظائفه الحيوية والعقلية والذهنية، إضافة إلى التأثير المباشر على أداء القلب.

 

كذلك كشفت دراسة عن العلاقة المباشرة والقوية بين تلوث الهواء وتلف الأوعية الدموية القلبية بين صفوف الشباب الأصحاء، وليس الشيوخ أو المرضى، فيؤدي التلوث إلى ظهور التهابات وتلف في الأوعية الدموية مما يزيد من مخاطر التعرض لأمراض القلب المزمنة والقاتلة، مثل ارتفاع ضغط الدم، والسكتة القلبية. فهذا البحث الصادر عن جمعية القلب الأمريكية والمنشور في مجلة "أبحاث الدورة الدموية" في 25 أكتوبر من العام الجاري، يستنتج ويحذر الجهات الصحية المعنية بالصحة العامة إلى أخذ قضية تلوث الهواء بحماسة أشد، ووضع البرامج التنفيذية اللازمة للحد من الانبعاثات التي تنطلق من مصادر تلوث الهواء المختلفة كالسيارات والمصانع ومحطات توليد الطاقة.

 

واليوم اكتشف العلماء حقيقة جديدة، وهي أن بعض الملوثات التي نستنشقها كل ساعة ويتعرض لها كل إنسان كالجسيمات الدقيقة الصغيرة الحجم وثاني أكسيد النيتروجين وغيرهما المنبعثة من السيارات والمصانع، يزيد من احتمال إصابة الإنسان بمرض السكري من النوع الثاني، أي أن "التلوث" الآن يُضاف إلى العوامل التقليدية المعروفة للإصابة بالسكري.

 

وأضرب لكم عدة أمثلة من بين أمثلة كثيرة تؤكد وجود علاقة قوية وثابتة بين التعرض لفترة طويلة للملوثات وارتفاع احتمال الإصابة بالسكري. فهناك دراسة نُشرت في مجلة شؤون صحة البيئة الأمريكية(Environmental Health Perspective) في يناير 2014، وتبين أن التلوث، وبالتحديد الدخان أو الجسيمات الدقيقة يصيب الإنسان بحالة تُعرف بمقاومة الإنسلين، وهي فشل خلايا الجسم في التجاوب مع وظيفة وعمل هرمون الإنسلين الموجود في الجسم. كذلك أشارت دراسة أخرى في المجلة نفسها في سبتمبر من العام الجاري أن التعرض للملوثات العضوية الثابتة والمستقرة يزيد من احتمال الإصابة بالسكري.

 

وهذه التقارير والأبحاث التي قَدمتُها لكم ما هي إلا غيضٌ من فَيضْ، ففي كل يوم تنهال علينا الدراسات لتؤكد لنا مما لا يجعل أدنى مجالٍ للشك بأن تلوث الهواء يُسهم إسهاماً كبيراً في إصابتنا بالأمراض المزمنة والخطيرة التي نعاني منها في البحرين، مما يؤكد على ضرورة اهتمام المعنيين بالصحة العامة إلى أخذ عامل "تلوث الهواء" بجدية أكثر، وعدم التهاون في تأثيراته على صحتنا، ووضعه ضمن حسابات الوقاية من الأمراض.

 

كما أن هذه الحقائق العلمية اضطرت منظمة الصحة العالمية إلى تصنيف الهواء "كمادة مسرطنة"، وتؤكد في تقاريرها الدورية بشكلٍ مستمر على أن تلوث الهواء يُعد "أهم سببٍ لتدهور صحة بني البشر وإصابته بأمراض مختلفة".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق