الاثنين، 28 نوفمبر 2016

أُمنياتي لحوار المنامة الثاني عشر



منذ أحد عشر عاماً وأنا أُتابع عن كثب اجتماعات منتدى حوار المنامة والمتعلقة بدراسة ومناقشة أمن واستقرار المنطقة، وآليات وطرق العمل الجماعي المشترك لمواجهة الصراعات الإقليمية، وسبل مكافحة تهديد التطرف والإرهاب، وفي كل مرة يخيب ظني، وتتبد آمالي، وأُصاب بالإحباط، فأنتظر بفارغ الصبر الاجتماع القادم لعله يُشفي غليلي، فيتطرق إلى قضايا أمنية حديثة حساسة جداً وخطيرة غير العوامل التقليدية المعروفة منذ وجود البشرية، والتي تهدد الأمن الوطني والإقليمي بل والدولي على حدٍ سواء وتسبب حالات عدم الاستقرار، وتؤدي إلى الصراعات المسلحة وارتكاب أعمال العنف والشغب.

 

ففي كل عام يُعقد فيه الحوار أَنْظر بعمق إلى جدول الأعمال وعناوين جلسات النقاش والمحاضرات، وأطلع إلى قائمة المشاركين والحضور الذين غالباً ما يكونون من رجال السياسة والأمن، وفي كل عام يدور محور الحوار حول قضايا أمنية تقليدية، وعوامل معروفة منذ الأزل تسبب زعزعة الأمن على كافة المستويات وتؤدي إلى نشؤ الحروب والصراعات المسلحة، ومازلت أنتظر أي يضم إلى مواضيع الحوار والنقاش والمحاضرات البعد الجديد الذي دوغ العلماء، وحيَّر رجال السياسة، وجعل القادة الأمنيين في كل دول العالم يقفون مكتوفي الأيدي أمامه لا يعرفون كيف يواجهونه، وليست لديهم الآليات الدولية الفاعلة للتصدي له ومكافحته.

 

هذا البعد الجديد هو قضية التغير المناخي وسخونة الأرض وارتفاع درجة حرارتها وما ينجم عنها من ارتفاعٍ لمستوى سطح البحر، والفيضانات والأعاصير، وذوبان للثلوج في القطبين، إضافة إلى الظواهر والجوانب الأخرى التي تنكشف في كل يوم.

 

فقد بدأت مشكلة التغير المناخي كظاهرة بيئية بحتة في الثمانينيات من القرن المنصرم، يهتم بها ويراعي شؤونها وهمومها علماء البيئة والمناخ، ومع مرور الوقت وانكشاف حقائق ومظاهر جديدة تحولت إلى مشكلة اقتصادية، واجتماعية، وصحية، ثم تأكد العلماء ورجال الأمن والسياسة وكبار القادة العسكريين أن هذه المشكلة تتخطى هذه الأبعاد، وأن لها في الواقع جوانب أمنية تهدد راحة الدول واستقرارها، وتؤدي إلى إثارة الثورات والصراعات المسلحة في الدول الواحدة وبين الدول على المستويين الإقليمي والدولي.

 

فبدايةً أُجريت الأبحاث العلمية حول العلاقة بين التغير المناخي والبعد الأمني، وأشارت فيها أن هناك علاقة قوية وراسخة بين ارتفاع درجة حرارة الأرض والتغيرات المناخي التي تشهدها الكرة الأرضية وتأثيراتها المباشرة على أمن الدول. ونتائج هذه الدراسات انعكست على تقارير الأمم المتحدة، ومنها التقرير الصادر من الهيئة شبه الحكومية حول التغير المناخي لعام 2014 والذي أكد فيه على أن: "مع التغيرات المناخية المتعاظمة، فإن التهديد لأمن الإنسان سيرتفع تدريجياً"، كما قامت هذه الهيئة الأممية بتخصيص فصلٍ مستقل ودائم حول التغير المناخي والأمن.

 

ثم جاءت تصريحات قوية وواضحة من المسؤولين في الولايات المتحدة الأمريكية سواء على مستوى الرئيس أوباما، أو على مستوى وزيري الخارجية والدفاع لتؤكد على الجانب الأمني للتغير المناخي. فقد طرح أوباما هذه العلاقة الحميمية بين التغير المناخي والأمن القومي في عدة مناسبات، آخرها في العشرين من مايو 2015 في الخطاب الذي ألقاه في أكاديمية خفر السواحل في مدينة نيو لندن، فقد أكد في خطابه قائلاً: “لا توجد مناعة لأية دولة من تداعيات التغير المناخي"، وأضاف قائلاً: " أَنا هُنا لِكي أقول إن التغير المناخي يشكل تهديداً خطيراً للأمن الدولي، ويمثل خطراً فورياً لأمننا القومي، كذلك فإن له تأثيرات على كيفية قيام الجيش للدفاع عن وطننا.... ولذلك علينا أن نعمل، وأن نحتاج أن نعمل الآن"، وفي الوقت نفسه أكد أوباما على أن التغير المناخي يُعد من أسباب نهوض الحركات الإرهابية مثل بوكو حرام في نيجيريا، كما ساهم في نشوب واستمرار الحرب الأهلية في سوريا.

 

وفي السياق نفسه ألقى كيري وزير الخارجية خطاباً في 16 فبراير من العام الجاري في العاصمة الإندونيسية جاكرتا أمام حشدٍ من الطلاب، حذَّر فيه إلى أن التغير المناخي بسبب أنشطة الإنسان من المصانع والسيارات ومحطات توليد الطاقة يُهدد أسلوب ونمط حياته، ويُعد خطراً شديداً لا بد من مواجهته بشكلٍ جماعي مشترك وبصورةٍ عاجلة، لأنه يعتبر، حسب وصف كيري "التحدي الأعظم لجيلنا هذا". كما أضاف قالاً بأن التغير المناخي يُعد: "سلاحاً آخر من أسلحة الدمار الشامل، وربما السلاح الأخطر والأكثر فزعاً من بين أسلحة الدمار الشامل". وعلاوة على ذلك فقد صنَّف وزير الخارجية الأمريكي قضية التغير المناخي مع القضايا المصيرية والرئيسة الأخرى التي تتصدي لها أمريكا منذ سنواتٍ طوال، كقضية الإرهاب، والفقر، وأسلحة الدمار الشامل. 

 

وهذه التصريحات ما هي إلا مجرد أمثلة لمواقف حازمة وجادة تجاه التغير المناخي ودوره المشهود في زعزعة الأمن القومي والإقليمي والدولي، فمتى ستتحقق أُمنيتي في وضع التغير المناخي كقضية محورية مصيرية في جدول أعمال حوار المنامة؟

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق