الأحد، 11 ديسمبر 2016

توجيهات رئيس الوزراء حول خليج توبلي




منذ أكثر من ثلاثين عاماً وأنا أَحْمل فوق ظهري حملاً ثقيلاً حتى كاد هذا الحِمْل أن يقْصِم ظهري من شدة وزنه وقوته ومعاناته، ويتمثل هذا الحمل الثقيل في هموم وشؤون البيئة التي لا تنتهي أبداً، فكلما انقشع هم واحد ظهر هم وغم آخر فوق السطح، أشد قوة منه، وأكثر تأثيراً علينا وعلى مجتمعنا.

 

ومن هذه الهموم التي أُتباعها منذ عقود، وأراقب آخر التطورات والمستجدات التي تطرأ عليها هي قضية خليج توبلي الخالدة، حيث إنني بذلت مجهوداً كبيراً لحماية هذا الخليج من الانقراض، وعملت بكل ما أُوتيت من قوةٍ وعلم على أن أُجنب هذا الخليج على أن يكون جزءاً من التاريخ الحديث، فلا يراه الجيل القادم أمامه على أرض الواقع، ولا يستطيع مشاهدته والاستمتاع بجماله وحيويته، وإنما يقرأ عنه في كتب التاريخ، كما يقرأ الآن أطفالنا عن العيون العذبة التي انتشرت في البحرين يوماً ما في البر والبحر، وعلى رأسها ومن أهمها تراثياً وجمالياً وسياحياً وتنوعاً حيوياً عين عذاري رحمة الله عليه.

 

فقد نظمتُ عدة مؤتمرات وطنية حول خليج توبلي ومستقبله الغامض، وكتبتُ عشرات المقالات لأبين المخاطر الجسيمة التي تحيط بجسم الخليج، وبخاصة من عمليات الدفان التي لا تتوقف ولا تنتهي والتي تأكل من بَدِن هذا الخليج المريض كل يوم شبراً شبرا، وألقيت الكثير من المحاضرات في المدارس والأندية والجمعيات لأحذر من المصير المشؤوم الذي ينتظر قلب هذا الجسم الضعيف العليل، وأخيراً أعددت كتابين شاملين ومتكاملين حول خليج توبلي، الأول عنوانه: “خليج توبلي" ويتكون من أربعة فصول تناولت فيها جميع الجوانب المتعلقة بالخليج من حيث خصائصه ومميزاته وأهميته السياحية والترفيهية والغذائية والبيئية والرياضية، كما تطرقت إلى العوائق والصعوبات والتحديات التي تواجه استدامة عطاء هذا الخليج وتهدد أمنه واستقراره، ثم ختمت الكتاب بفصلٍ كامل حول رؤيتي للمستقبل المبْهم لهذا الخليج المعطاء. أما الكتاب الثاني فقد جاء تحت عنوان: “السياحة البيئية"، حيث أفردتُ فصلاً كاملاً حول مواقع السياحة العائلية والبيئية في البحرين، ومن بينها أشجار القرم أو المانجروف في خليج توبلي.

 

واليوم ترجع قضية خليج توبلي إلى الصدارة مرة ثانية وإلى الواجهة الحكومية والإعلامية، حيث وجه رئيس الوزراء في الاجتماع الذي عقد يوم الأحد الموافق 2 ديسمبر إلى الإسراع في إعادة تأهيل خليج توبلي بالشكل الذي يحسن حركة المياه وتجددها فيه، ويحول دون انتشار الملوثات في الخليج، كما كلف رئيس الوزراء اللجنة الوزارية للإعمار والبنية التحتية بدراسة التوصيات التي عرضها وزير شؤون مجلس الوزراء في الاجتماع.

 

وأريد هنا أولاً أن أوجه شكري العميق إلى مجلس الوزراء الموقر وأسجل تقديري وامتناني على اهتمامه بهذه القضية من جديد، وإحياء روح الأمل والتفاؤل في احتمال علاج الأمراض المزمنة التي يعاني منها خليج توبلي وتفتك بجسمه كل يوم، قبل فوات الأوان، حيث عندئذٍ لا يفيد أي علاج ولا يجدي أي دواء.

 

ومن خلال خبرتي في التعامل مع مثل هذه القضايا، ومتابعاتي الدقيقة لشؤون خليج توبلي، فإنني أطرح على المعنيين في اللجنة الوزارية للإعمار والبنية التحتية "خارطة طريق" لعلها تفيد في علاج معاناة وآلام الخليج جذرياً وبدون رجعة، كما يلي:

أولاً: إيقاف عمليات الدفان في الخليج كلياً وبدون استثناءات، فلم يبق من جسم الخليج إلا القليل ولا يتحمل المزيد من الدفن.

ثانياً: حصر الأراضي المملوكة حالياً للمواطنين في البحر، والقيام إما بتعويضهم مالياً، أو بتخصيص أراض بديلة في مناطق أخرى، وهذه النقطة هي الأصعب والأكثر تعقيداً في الحل، وإذا لم يتم علاجها كلياً، فسيتحول جسم الخليج عاجلاً أم آجلاً إلى قناةٍ ضيقة وصغيرة ولا جدوى من الحفاظ عليها.

ثالثاً: إصدار "شهاد مسح" تُبين حدود خليج توبلي، لكي تتمكن الجهات المعنية من إقامة المشاريع السياحية والتنموية عليها.

رابعاً: معالجة التهديدات الأخرى للخليج والمتمثلة في مياه الصرف من محطة مياه المجاري ومصانع غسيل الرمل وغيرهما.

خامساً: تنظيف الخليج من المخلفات الصلبة وشبه الصلبة، إضافة إلى حمأة مياه المجاري المتكدسة في السواحل أمام محطة معالجة مياه المجاري. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق