الأربعاء، 21 ديسمبر 2016

دخان السيارات يَنْفذُ إلى مُخك



كُلما سألني أحد عن أهم مصادر تلوث الهواء في البحرين، فإنني أُجيب دائماً وبكل ثقة مُؤكداً على أن السيارات هي المصدر الرئيس لفساد جودة الهواء حالياً ومستقبلاً.

ويستغرب بعض الناس من هذه الإجابة، فأنظارهم تتجه دائماً نحو المصانع، فيتهمونها بأنها تدمر الهواء، وتعكر صفاءها، وتفسد نقاوتها، وهذه النظرة سليمة تاريخياً، فقَبْل أكثر من مائة عام كانت المصانع هي التي تقف وراء تلويث الهواء وتدهور صحة وسلامة الإنسان، حيث إن تقنيات التصنيع والإنتاج كانت قديمة، وأجهزة التحكم والمعالجة في الملوثات كانت معدومة، ولكن مع اختراع السياراتوإنتاجها بسرعة شديدة وعلى نطاقٍ واسعٍ وكبير، وانتشارها في كل مدن العالم وارتفاع أعدادها بوتيرة متسارعة وطفرية، أصبحت هذه السيارات كالمصانع المتحركة واحتلتوبدون منازع المرتبة الأولى في شدة تدميرها لنوعية الهواء الجوي وتأثيرها المباشر على سلامة وأمن البشر.

وفي كل يوم تأتي الأبحاث البيئية والطبية لتؤكد هذه الحقيقة وتثبت بأن عوادم السيارات، سواء التي تعمل بالديزل أو الجازولين، تنبعث منها الآلاف من المواد الكيماوية المسرطنة والسامة والخطرة والتيتُنزل على الإنسان العديد من الأمراض المستعصية كالسرطان، وأمراض القلب والجهاز التنفسي، وتدخله إلى مثواه الأخير مبكراً وهو في شبابه.

ومن أشد الملوثات وطأة على الهواء الجوي وتدميراً لصحة الإنسان هو الدخان المنطلق من السيارات، أو ما نُطلق عليه بالجسيمات الدقيقة، فهذه كلما صغر حجمها، زادت تأثيراتها على الإنسان، وتعاظمت أضرارها على الجهاز التنفسي والقلب.

ومن آخر الاكتشافات المتعلقة بالتداعيات الخطرة للتعرض لهذه الجسيمات الدقيقة المنبعثة من السيارات هو تحركها بكل حرية في أعضاء الجسم المختلفة، وبالتحديد وصولها إلى مخ الإنسان وتراكمها في هذا العضو الهام والحيوي.

فقد أكد علماء من جامعة أكسفورد البريطانية ولأول مرة في الدراسة المنشورة في مجلة"وقائع الأكاديمية الأمريكية القومية للعلوم" في العدد الصادر في الرابع من سبتمبر من العام الجاري، علىوجود الدخان أو الجسيمات الدقيقة المتناهية في الصغر بنسبٍ مرتفعة في الأفراد الذين تم تحليل أنسجتهم الموجودة في المخ، والذين يعيشون في مدن ملوثة مثل مدينة المكسيك ومانشستر في بريطانيا، كما أفادوا بأن هذه الجسيمات الدقيقة التي تنفذإلى المخ من العصب الشَمِّي في الأنف(olfactory nerve) والذي يربط بين الأنف والمخ،مصدرها حرق الوقود، وبخاصة في السيارات.

وهذا الاكتشاف الجديد يدق ناقوس الخطر مرة ثانية ليؤكد التهديدات المهلكة التي تسببها عوادم السيارات لكل إنسان يعيش على سطح الأرض، من طفلٍ وشابٍ وشيخٍ كبيرٍ في السن.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق