الاثنين، 1 يناير 2024

"معاداة السامية والصهيونية" سلاح لاضطهاد حرية التعبير

 

خطة شيطانية ابتدعتها الصهيونية العالمية، ثم عمَّمتها بقوةِ نفوذها وسيطرتها على الساحة العالمية على معظم دول العالم، ومنظمات الأمم المتحدة. وتهدف هذه الخطة إلى تأصيل وتعميق فكرة أن الشعب اليهودي هو شعب الله المختار، فلا يجوز انتقادهم أو المساس بهم، ولا يُسمح بإبداء الرأي والتعبير عن كل ما قد يسوء إليهم ويعري أخطاءهم وجرائمهم. وهذه الفكرة تصب في نهاية المطاف إلى حماية الكيان الصهيوني والورم الخبيث الذي زرعه الغرب في قلب بلادنا وفي وسط عالمنا العربي، والذي أصبح ورماً سماً قاتلاً ينتشر يوماً بعد يوم في عروق دولنا العربية. فهذا الكيان هو الوكيل الحصري الشرعي للدول الغربية المستعمرة، وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية لتفتيت الأمة العربية، وجعلها تأكل بعضها بعضاً، فيسهل السيطرة عليها وافتراسها واحدة تلو الأخرى.

 

فالخطة إذن هي منع "معاداة السامية"، وحظر التعبير عن أي رأي، أو موقف ضد السامية اليهودية، وكتم الأفواه عن كل فكرة أو سياسة، أو قول وفعل قد يلمس اليهودية عن قريبٍ أو بعيد، بل وتمادت هذه الخطة في بعض الدول إلى تجريم معاداة السامية، ومحاربة كل من يقف ضدها في رزقه، وعمله، وعياله، وفي نهاية المطاف اتهامه رسمياً وإدانته ومعاقبته وإلقائه في غياهب السجون.

 

واليوم توسعت دائرة "معادة السامية"، وتضيَّقت حدود حرية الرأي والتعبير حول اليهود، ففي السابق كما أشرنا معاداة السامية وانتقادها تحولت إلى جريمة يعاقب عليها القانون، والآن يأتي الكونجرس الأمريكي ممثلاً في مجلس النواب بالمصادقة في 6 ديسمبر 2023 على قرار ينص بأن "معاداة الصهيونية هي معاداة للسامية". وفي تقديري فإن الخطوة الأخيرة للخطة الصهيونية ستكون "معاداة الكيان الصهيوني جريمة كمعاداة السامية والصهيونية"، فهو إذن كيان يهودي مقدس من شعب الله المختار ولا يجوز انتقاده، ولا إبداء الرأي حول سياساته، وممارساته وجرائمه التي امتدت أكثر من 75 عاماً، وبذلك يكون الكيان قد نال الغطاء الدولي الشرعي الذي يمنع أي أحد، سواء أكان فرداً، أو منظمة أممية حقوقية وإنسانية، أو دولة من ملاحقة تعدياته، أو محاسبته ومعاقبته على أي خطأ، أو جريمة مهما كان نوعها. وأخيراً من ضمن هذه الخطة هي تعميم مثل هذه القوانين على كل دول العالم التي لا توجد بها مثل هذه التشريعات بدون استثناء، بدءاً بفرضها على الدول العربية المطبعة مع الكيان الصهيوني، ثم باقي دول العالم.

 

وهناك ثلاثة تعريفات مُقدمة من عدة جهات حول "معاداة السامية"( anti-Semitism)، منها أولاً التعريف الأكثر شيوعاً واستخداماً والمُقدم من "التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة"(International Holocaust Remembrance Alliance) الصادر في 27 يونيو 2016 تحت عنوان: "التعريف العملي لمعاداة السامية"، علماً بأن هذا التحالف يتكون من 31 دولة عضو في الاتحاد، منها 24 دولة في الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى سبع منظمات دولية. وقد اعتمد التحالف التعريف التالي لمعاداة السامية: "تَصَوُّرْ مُحدد عن اليهود، والذي يمكن التعبير عنه على أنه كراهية لليهود سواء بالأقوال أو الأفعال"، وهذا التعريف الغامض سيء النية والسمعة تم اعتماده من بعض الحكومات، والمعاهد العلمية والجامعات، والمنظمات الأممية، ولكن الآن يستخدم هذا التعريف ويستغل ليس للحوار والنقاش وإنما لتكتيم الأفواه، واسكات الناس، وضرب حرية الرأي والتعبير بيدٍ من حديد بحجة ومبرر معاداة السامية، بل ويتعدى إلى عدم تَحَمُّل وقبول أي انتقاد للكيان الصهيوني أو "دولة إسرائيل". ولذلك فالتعريف يُقدم 11 مثالاً ونموذجاً على معاداة السامية منها 7 أمثلة تُركز على "دولة إسرائيل"، مما يعني في الواقع استغلال هذا التعريف ومنع وحظر أي انتقاد للممارسات الصهيونية من قَبْلْ أو اليوم والمتمثلة في الهجمات البربرية التي نشهدها اليوم على غزة، وتشريد الملايين من أهل غزة، وقتل أكثر من 22 ألف وجرح قرابة 50 ألف، وهدم المواقع الأثرية التاريخية التراثية للإنسانية جمعاء. فكل هذه الإبادة الجماعية للبشر والحجر والشجر لو تم انتقادها يعني في نظر هذا التعريف معاداة للسامية، وكراهية لليهود ودولة إسرائيل وعدم الاعتراف بحقها في الدفاع عن نفسها والعيش بسلام وحقها في تقرير المصير. ولذلك طوال العقود الماضية بسبب مثل هذا التعريف وتجريم معاداة السامية، نجح الكيان في الإفلات عن العقاب، وعدم محاسبته وملاحقته على جرائمه ضد الإنسانية.

 

وهناك التعريف الثاني الذي صدر في القدس في 26 مارس 2021 من مجموعة من العلماء اليهود تحت مسمى: "إعلان القدس حول معاداة السامية"(Jerusalem Declaration on Antisemitism). وهذا الإعلان يُعرِّف معاداة السامية بأنها: "التمييز، أو التحيز، أو العداء، أو العنف ضد اليهود كيهود". وهذا الإعلان يحتوي على 15 بنداً استرشادياً حول تفاصيل تعريف معاداة السامية، ويُقدم توجهاً بديلاً نوعاً ما وجديداً، وهو بذلك يُعد أكثر عدلاً وتوازناً من التعريف الأول، حيث يهدف إلى التوازن والتوفيق بين محاربة معاداة السامية من جهة، وحماية حرية التعبير وحماية الحوارات الدائرة المفتوحة حول مستقبل إسرائيل وفلسطين من جهة أخرى.

 

وأما التعريف الثالث فهو متضمن في "وثيقة نكسيس"(Nexus Document)، والمُقدم من فريق عمل من كلية بارنارد(Barnard College) وجامعة جنوب كاليفورنيا(Nexus Task Force). وهذا التعريف يفيد بأن معاداة السامية تحتوي على: "المعتقدات والمشاعر السلبية تجاه اليهود، والسلوك العدائي الموجه ضد اليهود (لأنهم يهود)، والظروف التي تميز ضد اليهود، وتعيق بشكلٍ كبير قدرتهم على المشاركة على قدم المساواة في الحياة السياسية، أو الدينية، أو الثقافية، أو الاقتصادية، أو الاجتماعية". كذلك تتضمن الوثيقة بياناً بأن:" حتى الانتقادات المثيرة للجدل، أو الحادة، أو القاسية لإسرائيل بسبب سياساتها وأفعالها، بما في ذلك تلك التي أدت إلى إنشاء إسرائيل، ليست في حد ذاتها غير شرعية، أو معادية للسامية". وهذا التعريف يهدف إلى تقديم خطوط استرشادية وتوجيهية لمتخذي القرار ولرجال السياسة ورجال خدمة المجتمع.

 

وفي المقابل هناك جهود خجولة ومحاولات ضعيفة للوقوف ضد هذه المخططات الشيطانية الصهيونية المتعلقة بتجريم معاداة السامية، والصهيونية، ودولة الكيان الصهيوني. وهذه المحاولات لا ترقى إلى قوة ونفوذ واتساع سلطة الجانب الصهيوني الآخر، ومن هذه الجهود الخطاب الموجه إلى الأمين العام للأمم المتحدة في 4 أبريل 2023 من 100 منظمة لرفض التعريفات السابقة لمعاداة السامية، لأنها تُستغل من قبل الصهاينة ومن والاهم واتبع خطاهم لإلقاء التهمة البغيضة لكل من ينتقد الكيان الصهيوني بأنه يعادي اليهود والسامية. ونُشر الخطاب تحت عنوان: "حقوق الإنسان ومجموعات المجتمع المدني الأخرى تحث الأمم المتحدة على احترام حقوق الإنسان في الحرب ضد معاداة السامية". وجاء فيه بأننا نُمثل 104 منظمات مجتمع مدني، لنؤكد لك دعمنا القوي لالتزامات الأمم المتحدة لمحاربة معاداة السامية، وفي الوقت نفسه يؤكد الخطاب بأن تعريف معاداة السامية قد: "تم استغلاله عمداً لتصنيف انتقاد إسرائيل بأنه عمل معاد للسامية، ولذلك أدى إلى قمع الاحتجاجات السلمية والأنشطة والخطابات المنتقدة لإسرائيل والصهيونية، حتى أن المقرر الخاص السابق "أشيومي" المعني بالعنصرية قد تعرض لسوء استخدام هذا التعريف".

 

ومثل هذه الجهود الخيَّرة لمقاومة تيار الصهاينة الجارف الشديد القوة، والواسع النفوذ يجب أن يدعم من قبل الحكومات والمنظمات العربية والإسلامية، إضافة إلى القوى الإنسانية والمعتدلة حول العالم والمجموعات اليهودية التي تقف ضد الصهيونية، ويجب إنشاء تيار يساوي، بل ويزيد في شدته على تيار الشر الصهيوني في القوة والهيمنة حتى ينجح في إضعافه وكسره وتحوير مساره.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق