الأربعاء، 22 أكتوبر 2025

هل نجحتْ أمريكا في تجربة السماح للحشيش؟

 

هناك وهمٌ يشيعه وينشره البعض بأن الدول إذا منعت مُنتجاً محرماً كالخمر، وتدخين التبغ والحشيش، أو سلوكاً منحرفاً كالشواذ والانحراف الجنسي، فإن هذا الحظر يؤدي إلى خلق سوق سوداء داخل الدولة لتداول هذا المنتج، ونشوء تجارةْ بيع وشراء خارج أنظار ورعاية ونظام الدولة. كما يروجون أصحاب الضمائر الميتة بأن هذا المنع من الدولة يحفز الناس على حب الاستطلاع والخوض في تجربة ممارسة هذا السلوك غير السوي والشاذ. ولذلك يدَّعي أصحاب هذا الوهم الخبيث والمروجون له، ومن أجل تجنب السوق السوداء، بأن على الدول تحليل هذه المنتجات والمواد المحرمة والمحظورة، وإطلاق سراحها داخل البلاد.

 

وهذا بالفعل ما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية بالنسبة للمخدرات، وبالتحديد الحشيش، أو الماريجونا أو ما يُطلق عليه بنبات القنب. فهناك عدة مبررات وأوهام قدَّمها شياطين الإنسان للسماح باستخدام الحشيش، منها أولاً القضاء على السوق السوداء وإخضاع تداول الحشيش تحت سلطة الولاية، وإنشاء سوق رسمية آمنة ومقننة ومنظمة، ثم ثانياً ومن الناحية الواقعية عدم قُدرة الولايات الأمريكية على التحكم والسيطرة على انتشار تعاطي الحشيش بسبب كثرة أعداد الأمريكيين المدمنين والمتاجرين الذين أُدخلوا السجون لبيع وتعاطي الحشيش حتى اكتظت وازدحمت بهم، وثالثاً تحقيق النمو والازدهار الاقتصادي للولايات من خلال فرض الضرائب والرسوم وخلق الكثير من الوظائف لحل أزمة البطالة.

 

فهذه المبررات والحُجج الواهية التي يُراد بها الباطل وتحقيق ثروة طائلة لبعض المنتفعين من الناس ومن تجار المخدرات والأخلاقيات المنحرفة، بدأت تغزو رويداً رويداً العقل الأمريكي، وبدأت تُقنع المشرع بأنه لا بأس من السماح لاستخدام الحشيش لأغراض شخصية وللترفيه والترويح عن النفس. وهذا السماح مرَّ بعدة مراحل، فكانت الخطوة الأولى بفك الحزام قليلاً عن الحشيش من ناحية العقوبات، حيث تجرأتْ أول ولاية أمريكية هي ولاية أوريجن في عام 1973 بعدم تجريم كل من يُمسَك وبحيازته كميات بسيطة من الحشيش لأغراضه الشخصية، فلا يدخل السجن، ولا يدفع أية غرامة مالية لحيازته لهذه الكمية الفردية للحشيش. ثم المرحلة الثانية كانت بالاستعمالات الطبية في عام 1996 في ولاية كاليفورنيا، وأخيراً فتح الباب على مصراعيه للسماح لحيازة الحشيش واستخدامه بصفة شخصية للترفيه عن النفس، حيث صوَّت سكان ولايتي كولورادوا وواشنطن في نوفمبر من عام 2012 للسماح للحشيش للاستخدام الشخصي. وأما المحصلة الإجمالية الحالية للقائمة السوداء التي دخلت في نفق استخدامات الحشيش المظلم فهي 33 ولاية للاستعمال الطبي، و 23 ولاية إضافة إلى العاصمة واشنطن ومقاطعة جوام للاستعمال الشخصي.

أما على المستوى الاتحادي فإن تحليل الحشيش يمشي الآن في المراحل نفسها التي مرَّ بها على مستوى الولايات. فمن المعلوم حالياً بأن الحشيش يقع على المستوى الاتحادي ضمن الجدول رقم (1) للمواد المحظورة والمقيد استخدامها والتي ليست لها فوائد طبية وعلاجية، مثل الهيروين والـ(LSD)، استناداً إلى قانون عام 1970 حول "المواد المقيد استخدامها" (Controlled Substances Act). ولكن الرئيس بايدن بدأ بالخطوة الأولى من التعامل مع الحشيش، حيث أصدر إعلاناً في السادس من أكتوبر 2022 تحت عنوان: "الإعلان عن العفو عن الجرائم البسيطة المتعلقة بحيازة الحشيش". وهذا الإعلان يتكون من نقطتين هامتين، الأولى هي العفو على المستوى الاتحادي عن المجرمين الذين أُدينوا بتهم حيازة المخدرات بكميات قليلة، كما دعا بايدن حكام الولايات إلى اتخاذ القرار نفسه للإفراج عن مسجوني حيازة الحشيش على مستوى كل ولاية، وأما النقطة الثانية فهي إعلانه بأنه سيتخذ الإجراءات اللازمة لإجراء مراجعة شاملة، وبالتحديد حول وضع الحشيش في الجدول الأول وتصنيفه ضمن المواد المحظورة والتي لا فائدة منها.

ومما شجع الرئيس بايدن على اتخاذ مثل هذه الإجراءات هو أولاً التشريع الذي أصدره مجلس النوب في الأول من أبريل 2022 بعدم تجريم حيازة الحشيش على المستوى الاتحادي، وثانياً الارتفاع المطرد مع الزمن في نسبة المواطنين الأمريكيين الذين يرغبون في السماح لاستخدام الحشيش. فاستطلاعات الرأي التي قامت بها عدة جهات مختصة مثل(Pew Research Center) و (Gallup poll) أفادت بأن 68% من الأمريكيين يريدون السماح لاستخدام الحشيش، مقارنة بنسبة 12% عام 1969، ونسبة 31% عام 2000، ثم 50% عام 2013. كما أفادت الإحصاءات بأن 16% من الشعب الأمريكي يدخن الحشيش ومعظمهم من الشباب من 18 إلى 34، مقارنة بنسبة 7% في عام 2013. كذلك أشارت الاستطلاعات في 30 أغسطس 2022 بأن 48% من الشعب أفادوا بأنهم جربوا تدخين الحشيش، في حين أن النسبة كانت لمن جرب تدخين الحشيش 4% فقط في 1969، ثم 24% في 1977، و 33 في 1985، وارتفعت إلى 40% في 2015. 

ولكن ما هو واقع الحال بالنسبة للسماح للحشيش الآن في أمريكا، هل هي تجربة ناجحة، أم فاشلة؟

 

للإجابة عن هذا السؤال أنقلُ لكم تصريح حاكمة ولاية نيويورك "كاثي هوكل"(Cathy Hochul)، كمثال واحد فقط، حيث قالت بعد تجربة مريرة خاضتها مع السماح للحشيش في الولاية منذ عام 2021، فوصفت التجربة بأنها "كارثة"، كما قالت بأننا نعجز كلياً في السيطرة على متاجر بيع الحشيش غير الرسمية وغير المرخص بها. فهناك 140 محلاً في الولاية لبيع الحشيش المرخص نظاماً، في حين أن هناك ما يتراوح بين 2000 إلى 8000 محل غير مرخص في مدينة نيويورك فقط. فقد تكونت أسواق سوداء مزدهرة ومنتشرة في جميع أنحاء الولاية، ومن المستحيل الآن السيطرة عليها، والتحكم في بيعها للحشيش على الأطفال وطلاب المدارس، وعلى أصحاب الجرائم المنظمة.

 

فهناك اليوم الكثير من الدراسات العلمية والتحقيقات الإعلامية التي تؤكد أن ما حدث في ولاية نيويورك يحدث أيضاً في الولايات الأخرى، وتشير جميعها إلى أن السماح للحشيش كان مكراً وحيلة شيطانية، وعبارة عن وهم وخدعة عظيمة وقع فيها الشعب الأمريكي برمته، ويعاني الآن من ويلاتها وتداعياتها العقيمة على الفرد، والأسرة، والمجتمع. فعلى سبيل المثال، نشرتْ مجلة "النيوزويك" في 12 مارس 2025 تحقيقاً تحت عنوان:" تجربة تحليل الماريجونا تتلاشى"، إضافة إلى المقالين في مجلة "نيو يوركر"(New Yorker)، الأول تحت عنوان:" المشكلة الحقيقية للحشيش المسموح به رسمياً"، والمنشور في 3 يوليو 2024، والثاني المنشور في 19 فبراير 2024 تحت عنوان: "الحشيش المسموح في نيويورك كان بمثابة انقلاب. ماذا حصل؟

 

وكل هذه التقارير حول كارثية السماح للحشيش لأغراض شخصية، تمخضتْ عنها عدة استنتاجات عامة، منها ما يلي:

أولاً: السماح للحشيش لم يمنع نشوء السوق السوداء في جميع الولايات، فقد نمت تجارة الحشيش السوداء في ظل وجود محلات بيع الحشيش الرسمية، مما كان له مردوداً عكسياً على نطاق واسع، وهذا يعني خطأ وفشل نظرية "اسمح للمنتج في الأسواق حتى لا تنشأ سوق سوداء".

ثانياً: حالات الاعتقال لجرائم مرتبطة بالحشيش زادت في بعض الولايات على عكس الادعاءات الجميلة التي كانت تقول بأن جرائم الحشيش والمخدرات ستنخفض أو ستتوقف عند السماح لها رسمياً. كذلك زادت الحوادث المرورية المميتة التي لها علاقة بتعاطي الحشيش.

ثالثاً: ارتفعت شكاوى الناس من تلوث الهواء في البيئات الداخلية والخارجية في المنازل والأحياء السكنية، ومحلات ومقاهي تدخين سجائر الحشيش، ومحطات القطارات والحافلات بسبب رائحة دخان الحشيش النفاثة والقوية، إضافة إلى تدهور جودة الهواء وصحة الناس من مدخنين وغيرهم من الذين يستنشقون الدخان، كما هو الحال بالنسبة لتدخين سجائر التبغ.

 

فاليوم تأكد للكثيرين في الولايات المتحدة أنهم استعجلوا كثيراً دون إجراء دراسات شاملة ومعمقة عن تداعيات السماح لبيع الحشيش، كما عرفوا الآن أن إيجابيات السماح لبيع الحشيش التي تم تسويقها للناس ما كانت إلا كسرابٍ بقيعة يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً. ولذلك فإجراءات تحليل الحشيش والسماح له لأغراض شخصية وترفيهية ستخضع الآن لمراجعة شاملة من جميع النواحي، متمنياً من جميع دول العالم الاتعاظ بتجربة أمريكا الفاشلة، والتعلم من دروسها وعبرها وهفواتها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق