الخميس، 11 مايو 2023

رفع مستوى المعيشة البيئية للمواطن


يركز بعض النواب دائماً في مناقشاتهم مع السلطة التنفيذية وفي المقترحات التي يقدمونها في مجلس النواب على كيفية رفع مستوى المعيشة للمواطن من الناحية الاقتصادية المالية البحتة، من حيث رفع الرواتب، أو زيادة العلاوات، أو خفض الضرائب وغيرها من الأدوات والوسائل التي تزيد دنانير معدودة على دخل المواطن وراتبه الشهري.

 

ولكن في الوقت نفسه رفع مستوى معيشة المواطن، أو تحسين نوعية حياته لا تعني في تقديري فقط الناحية الاقتصادية، فهناك مناحي وجوانب أخرى ربما تكون أفضل من الجانب المالي، وأكثر استدامة وتطوير وتحسين لحياته ومعيشته على المدى البعيد، وبالأخص هنا الجانب الصحي البيئي، وتحسين نوعية عناصر البيئة التي يعيش فيها الإنسان ويتعرض لها كل ثانية من حياته.

 

فعندما يعيش الإنسان في بيئة صحية ونظيفة فإن ذلك ينعكس مباشرة على نوعية حياته ومستوى المعيشة التي يعيش فيها، فاستنشاق الهواء الصحي النقي الخالي من الشوائب والملوثات المسببة للأمراض والأسقام الحادة والمزمنة تُنمي من حياة الإنسان، وتحسن وتطور من جودة ومستوى معيشته، فيطول عمره، ويكون دائماً صحيح الجسد والنفس، فلا يحتاج إلى صرف ماله وانفاقه على علاج أمراضه في الحالات والظروف التي يكون فيها الهواء مشبعاً بالملوثات، كذلك الحال بالنسبة لشرب المياه الصافية والعذب الزلال التي تنزل برداً وسلاماً على جسده بدلاً من المياه مرتفعة الملوحة، أو التي تدخل فيها الملوثات التي تُعكر معيشته وصفاء حياته، وتُنزل من مستوى راحته ونوعية معيشته وتعرضه للأمراض المكلفة مالياً.

 

لذلك فالتركيز فقط على الجانب المادي الاقتصادي لا يكون مجدياً في رفع مستوى معيشة المواطن "الكلية"، وتحسين نوعية حياته الإجمالية في جميع جوانبها، فالمال الزهيد الذي سيحصل عليه من الحكومة سيضطر المواطن إلى إنفاقه لعلاج علله وأسقامه إذا لم نركز في الوقت نفسه، وبالقدر نفسه من الاهتمام والتشديد على أن يكون الهواء الذي نستنشقه كل ثانية من حياتنا مُعيناً على رفع مستوى معيشتنا الجسدية والنفسية والعقلية، وداعماً لتحسين كافة جوانب أمننا الصحي.

 

وهناك الكثير من الدراسات والتقارير التي نَشرتْها منظمات الأمم المتحدة المختلفة، إضافة إلى أبحاث الجامعات والمعاهد العلمية التي تقدم الدليل الدامغ والشافي حول الجوانب الاقتصادية لتلوث الهواء في كل دول العالم، ودوره السلبي الفاعل والكبير في خفض وتدهور مستوى ونوعية معيشتنا، أو بعبارة أخرى الكلفة المالية النقدية الباهظة للهواء الملوث، وكم سينفق ويدفع الإنسان على المستوى الفردي والحكومي إذا تعرض سنوات طويلة من حياته للهواء الملوث، وعاش في بيئة تعاني من فساد الهواء، وتلوث المياه، وتلف التربة.

 

 فعلى سبيل المثال، هناك تقرير البنك الدولي المنشور في 31 يناير 2022 تحت عنوان: "الكلفة الصحية الدولية لتلوث الهواء من الجسيمات الدقيقة: حالة لاتخاذ الإجراء بعد 2021"، حيث قدَّر التقرير الخسائر الاقتصادية الناجمة عن تدهور نوعية الهواء في العالم بنحو 8.1 تريليون دولار، أو ما يعادل 6.1% من "الناتج المحلي الإجمالي"(جي دي بي) العالمي. وهذا التقرير استند على عدة دراسات علمية حول الجوانب الصحية لتلوث الهواء، ففي عام 2000 كان عدد البشر الذين قضوا نحبهم بسبب التلوث قرابة 3.8 مليون، ثم تضاعف العدد إلى 6.4 مليون في عام 2019، وفي عام 2022 ارتفع عدد الوفيات إلى 9 ملايين، أي واحد من كل 6 إنسان من سكان الأرض يموت بسبب التعرض لتلوث الهواء، حسب التقرير المنشور في 17 مايو 2022 في مجلة "اللانست"(The Lancet Planetary Health).

 

كذلك نُشرت دراسة على المستوى الدولي في مجلة "البيئة العالمية"(Environment International) في 16 يونيو 2021، حيث قدَّمت تحليلاً وتقيماً بيئياً وصحياً واقتصادياً للتعرض لتلوث الهواء أثناء قيادة السيارة في عشر مدن حول العالم، وبالتحديد بالنسبة للدخان. ومن هذه المدن دكا في بنجلادش، والسليمانية في العراق، ودار السلام في تنزانيا، وأديس أبابا في أثيوبيا، والقاهرة، وسان باولو في البرازيل، حيث أكدت الكلفة العالية الناجمة عن التعرض للملوثات، ففي القاهرة بلغت الخسائر الاقتصادية زهاء 8.9 مليون دولار، وفي دار السلام 10.2 مليون.

 

كما نَشرتْ مجلة "الغلاف الجوي"( Atmosphere)في 18 نوفمبر 2020 بحثاً تحت عنوان: "صحة الإنسان والكلفة الاقتصادية لتلوث الهواء في ولاية يوتاه الأمريكية"، حيث أفادت الدراسة بأن تلوث الهواء يسبب ما يتراوح بين 2480 إلى 8000 وفاة مبكرة سنوياً، ويخفض من مستوى حياة الإنسان من 1.1 سنة إلى 3.6 سنة، كما قدَّرت الدراسة الكلفة الاقتصادية الإجمالية لتلوث الهواء بما تتراوح بين 0.75 إلى 3.3 بليون دولار، أي نحو 1.7% من "الناتج المحلي الإجمالي" للولاية.

 

وعلاوة على ذلك، فقد نشرتْ "المجلة العالمية للأبحاث البيئة والصحة العامة"(International Journal on Environmental Research and Public Health)" دراسة في السابع من فبراير 2023 تحت عنوان: "تأثيرات تلوث الهواء على الصحة وكلفة الأمراض في جاكرتا، أندونيسيا". وقد توصلت الدراسة إلى نتيجة عامة بأن الكلفة الإجمالية للتداعيات الصحية الناجمة عن فساد الهواء الجوي في جاكرتا قر ابة 2943 مليون دولار أمريكي، في حين أن تقرير البنك الدولي المنشور عام 2019 أشار إلى أن تلوث الهواء يكلف أندونيسيا سنوياً 220 بليون دولار، أي 6.6% من جي دي بي للدولة برمتها.

 

وفي الهند نُشرتْ دراسة في أبريل 2020 في المجلة الدولية لعلم الأوبئة " تحت عنوان:" مخاطر العدوى التنفسية الحادة الناجمة عن حرق المحاصيل في الهند: تقدير عبء المرض والرفاه الاقتصادي من بيانات الدراسات الاستقصائية الصحية والأقمار الصناعية والوطنية لـ 250 ألف شخص"، حيث توصلت الدراسة إلى أن الخسائر الاقتصادية لتلوث الهواء على مدى خمس سنوات تُقدر بنحو 1.5 بليون دولار". 

 

وختاماً فإننا عند اهتمامنا بجودة الهواء والماء والتربة سنضرب عدة عصافير بحجرٍ واحد، وهذا الاهتمام له تداعيات إيجابية طويلة المدى على جيب الفرد والمجتمع وميزانية الدولة، كما أنه يصب في سياسية التنمية البشرية المستدامة المعلنة للحكومة، وهي أن يعيش الإنسان حياة مستدامة كريمة وطيبة من خلال رفع المستوى المعيشي "الإجمالي"، بيئياً واقتصادياً واجتماعياً، فهذه السياسية سترفع من المستوى المعيشي ونوعية الحياة التي يعيشها المواطن من الناحية الاقتصادية، جنباً إلى جنب مع الناحيتين البيئية والاجتماعية.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق