الثلاثاء، 29 يوليو 2025

متى نرْفَع تلوث الهواء في سلم الأولويات؟


إذا ذهبتَ إلى الطبيب وأنت تشتكي من مشكلات في الجهاز التنفسي، كضيق وصعوبة في التنفس، فإن الطبيب سيسألك فوراً السؤال التقليدي الأول: هل أنت تدخن؟ ولذلك سيكون العلاج الأولي لمرضك الذي تعاني منه هو أن تتوقف فوراً عن التدخين بجميع أشكاله وأنواعه، من السجائر التقليدية المعروفة، ثم إلى الشيشة والسجائر الإلكترونية الحديثة.

 

ثم تأتي المرحلة الثانية من تقييم وتحليل المرض ومعرفة أسباب المعاناة، وهي التشخيص باستخدام الأشعة المناسبة للتعرف على مصدر ونوع الخلل الذي تشكو منه، وموقع وجوده في أجزاء الجهاز التنفسي العلوية والسفلية إلى أعماق الرئتين من الحويصلات الهوائية. فإذا كشفت الأشعة، لا سمح الله ولا قدَّر، عن وجود أورام في الرئة، فإن المرحلة الأولى والفورية والسريعة للعلاج هو تجنب كل ما يُكَون الأورام في الرئة خاصة، وباقي أعضاء الجسد عامة، وهو التوقف فوراً عن التدخين.

 

ولكن الجواب الجديد والمحير الذي ستَرُد به على الطبيب المعالج هو عندما تقول له بأنك لم تدخن قط في عمرك، ولم تجلس في حياتك مع المدخنين!!

 

فهنا يكون اللغز الذي حيَّر الأطباء والباحثون سنوات طويلة من الزمن، وهنا جاءت الحالة الغريبة التي لم يتمكن العلماء طوال العقود الماضية من التعرف على أسرارها، وخفاياها، وأسباب وقوعها على البشر الذين لم يقتربوا من تدخين أي نوع من السجائر كلياً!

 

فمنذ الخمسينيات من القرن المنصرم ارتبط التعرض لسرطان الرئة والوقوع في شباكه العصيبة بالتدخين والمدخنين، سواء أكان الشخص مدخناً، أو من الذين يخالطون ويجلسون ويسهرون ساعات طويلة مع المدخنين. ومنذ ذلك الزمن البعيد وهناك إجماع تام عند العلماء بأن التدخين، سواء الشيشة، أو السجائر الإلكترونية أو غيرهما يوقعون المدخن ومن حوله في نحو 14 نوعاً من السرطان، ومن أكثرها شيوعاً وانتشاراً سرطان الرئة والحنجرة، إضافة إلى العلل الكثيرة التي تصيب الجهاز التنفسي. 

 

واليوم نقف أمام سبب جديد لم يخطر على بال أحد، ولم يفكر فيه العلماء بأن يكون سبباً من أسباب التعرض لمرض عضال وقاتل هو سرطان الرئة، وهو تلوث الهواء، والتعرض لملوثات الهواء الجوي لسنوات طويلة من الزمن، حتى ولو كانت بمستويات منخفضة تقل عن مواصفات جودة الهواء، سواء في البيئة الداخلية كالمنزل والمكتب، حيث توجد مصادر لتلوث الهواء مثل حرق البخور والعود والفرن المنزلي وغيرهما، أو البيئة الخارجية.

 

والدراسات التي تثبت وجود علاقة سببية بين تلوث الهواء وسرطان الرئة وأمراض كثيرة أخرى بدأت تنكشف وتزيد كل سنة، لتؤكد جميعها وبدون أي شك بأن تلوث الهواء يسبب سرطان الرئة، وأمراض القلب، والسكري من النوع الثاني وغيرها.

 

وآخر هذه الدراسات نُشرت في مجلة "الطبيعة"(Nature)، وقامت بها "المعاهد القومية للسرطان" في الولايات المتحدة الأمريكية في 2 يوليو 2025، تحت عنوان: " رئة شيرلوك: تَتَبُع العمليات الطفرية لسرطان الرئة لدى غير المدخنين كلياً".

 

فهذه الدراسة تمثل جزءاً من بحثٍ شامل يغطي كل دول العالم، ويهدف إلى التعرف بعمق على حالات الإصابة بسرطان الرئة من غير المدخنين، والذين يمثلون قرابة 25% من إجمالي حالات الإصابة بسرطان الرئة حول العالم التي تبلغ  2 مليون سنوياً. فقد قامت الدراسة الحالية بإجراء تسلسل الجينوم الكامل لعينة من مرضى سرطان الرئة الذين يبلغ عددهم 871 من غير المدخنين من 28 دولة في العالم، حيث قامت بتحليل جيني للأورام وأنسجة الرئة. وقد توصلت الدراسة إلى استنتاج عام هو أن تلوث الهواء، وبالتحديد من الدخان، أو الجسيمات الدقيقة المنبعثة من السيارات ومحطات توليد الكهرباء وغيرهما، يسبب تغييرات سرطانية أكثر وأشد من التدخين القسري، أو التدخين السلبي بالنسبة للمصابين بأورام سرطان الرئة. وبعبارة أخرى فإن هناك علاقة مباشرة بين التعرض للهواء الملوث بالدخان والإصابة بسرطان الرئة.

 

والبعد الصحي الثاني لتلوث الهواء فهو متعلق بأهم عضو في جسم الإنسان، والذي قال عنه الرسول عليه الصلاة والسلام: "ألا وإن في الجسم مُضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب".

 

وآخر دراسة حول تداعيات تلوث الهواء على أنسجة وخلايا القلب نُشرت في مجلة "علم الأشعة"(Radiology) في الأول من يوليو 2025 تحت عنوان: " العلاقة بين التعرض طويل الأمد لتلوث الهواء المحيط والتليف القلبي الذي تم تقييمه باستخدام جهاز الرنين المغناطيسي القلبي". وقد تكونت عينة الدراسة من 694 مصاباً بسرطان الرئة من الذين لم يدخنوا قط في حياتهم، حيث قام الباحثون باستخدام جهاز الرنين المغنطيسي القلبي(MRI) لإجراء دراسة كمية لحجم التليف في القلب( Diffuse myocardial fibrosis) في هؤلاء المرضى.

 

وقد توصلت الدراسة إلى استنتاج مهم جداً وهو أن هناك علاقة بين التعرض للهواء الملوث لسنوات طويلة من الزمن وتليف أنسجة القلب، وبخاصة تلوث الهواء من الدخان، أو الذي نُطلق عليه بالجسيمات الدقيقة، وبالتحديد التي قطرها أقل من 2.5 مايكرومتر، والتي لها القدرة على دخول الدورة الدموية عن طريق الرئتين، ثم الوصول إلى خلايا وأنسجة القلب وإحداث تلف وتليف لها. كما خلصت الدراسة إلى أن هذا التليف يتفاقم ويزيد مع ارتفاع تركيز الجسيمات الدقيقة في الهواء.

 

واليوم تجمع الدراسات العلمية، والمنظمات الأممية الصحية، وفي مقدمتها منظمة الصحة العالمية بأن تلوث الهواء بشكلٍ عام يعتبر مادة مسرطنة للإنسان، وتوقع البشر في أمراض كثيرة مزمنة ومستعصية، كالسرطان، ومن أهمها سرطان الرئة، وأمراض القلب المختلفة، وغيرهما من الأسقام والعلل الكثيرة. وقد قدَّرت منظمة الصحة العالمية الكلفة المالية للتأثيرات الصحية العقيمة لتلوث الهواء بنحو 8.1 تريليون دولار سنوياً على المستوى الدولي.

 

فالأدلة دامغة وقوية وتؤكد بأن لتلوث الهواء تداعيات متعددة تنعكس على جوانب كثيرة، منها الجانب البيئي وفساد جودة الهواء، وتدهور صحة الناس، وتحميل ميزانية الدولة عبئاً ثقيلاً إضافياً، كما أنه يعتبر أحد عوامل إخفاق الدول وفشلها في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

 

ألا تكفي هذه الأدلة والتداعيات المتعلقة بتلوث الهواء لحث الحكومات على تصعيد قضية تلوث الهواء في سلم أولويات برامج الحكومات، حماية للمواطنين، ووقاية لصحتهم من الأمراض التي يسببها تلوث الهواء؟

الجمعة، 25 يوليو 2025

قانون "إسرائيل أولاً" في الولايات الأمريكية

 

نجح ترمب في اقناع الشعب الأمريكي أثناء حملته الانتخابية الرئاسية لعام 2016 بأن جهوده وسياساته ستتوجه كلياً نحو المواطن وبعيداً عن الاهتمامات والدعم للدول والمنظمات الأممية والأجنبية، وسيكون المواطن الأمريكي هو الأساس الذي يبني عليه كل قراراته ومواقفه. ولذلك رفع شعار "أمريكا أولاً"، وأسس حركة شعبوية أَطلق عليها " لنجعل أمريكا عظيمة مرة ثانية"(MAGA). وهذه العقيدة والسياسة التي تبناها ترمب تكررت مرة ثانية عندما رشح نفسه للدخول في البيت الأبيض مرة ثانية بعد أن فشل في هزيمة بايدن في الانتخابات الرئاسية لعام 2020.

ولكن هذه الفكرة ليست وليدة هذه الحقبة الزمنية من التاريخ الأمريكي، وليست من الإبداعات السياسية الجديدة والفريدة للرئيس ترمب، ولم تكن ايحاءً من عقل ترمب وثقافته، وإنما هي فكرة وحركة قديمة ضاربة في أعماق التاريخ الأمريكي. فقد رفع الرئيس الأمريكي الأسبق "وودرو ويلسون"(Woodrow Wilson) شعار أمريكا أولاً أثناء حملته الانتخابية الرئاسية عام 1916 من أجل تجنيب أمريكا الدخول في الحروب الخارجية، ثم تَرَدد هذا الشعار مرة ثانية، وتشكلت لجنة أمريكية اتحادية خاصة في الرابع من سبتمبر 1940 لمنع أمريكا من الدخول في الحرب العالمية الثانية تحت مسمى: "حركة أمريكا أولاً".

ومن أجل أن يفي ترمب بوعوده أثناء حملاته الانتخابية أمام الشعب الأمريكي، ومن أجل أن يحول الأقوال والشعارات إلى أفعال وأعمال، فقد انسحب من بعض المعاهدات الدولية التابعة للأمم المتحدة، مثل انسحابه مرتين من تفاهمات باريس لعام 2015 المتعلقة بالتغير المناخي، والخروج من بعض المنظمات الأممية، كمنظمة الصحة العالمية، إضافة إلى وقف الدعم المالي لبعض المنظمات الخارجية والمساعدات التي تقدمها أمريكا تحت مسمى: "الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية"(USAID).

ولكن تبين مع الوقت بأن الكثير من هذه القرارات التي اتخذها، والأعمال التي قام بها "مسيسة"، وتدخل في أجندة خاصة به، وبقناعاته الشخصية، ولا تتوافق كلها مع شعار "أمريكا أولاً"، بحيث تشمل التعامل مع كافة الدول والمنظمات بالمساواة وجعل الهم الأمريكي فوق كل شيء مع الجميع بدون استثناء. فقد أكد المحللون السياسيون، وبعض التابعين والموالين لحركة "لنجعل أمريكا عظيمة مرة ثانية"، أن هناك انحرافاً قد وقع على سياسة ترمب، وأن تركيزه لم ينصب كلياً على "أمريكا أولاً" وعلى المبادئ والعقيدة التي قامت عليها، فقد دخلت فيها شوائب سياسية أعطت أولوية واهتماماً شديداً وكبيراً ولافت للنظر للصهاينة، وبالتحديد الدولة اليهودية الصهيونية، حتى أن الاهتمام بهذه الدولة طغى على الاهتمام بالشعب الأمريكي، أي في تقديري فإن شعار "أمريكا أولاً" قد استُبدل بشعار جديد هو "إسرائيل أولاً".

وهذه السياسة في الاهتمام والعناية بإسرائيل ليست جديدة على الحكومات الأمريكية المتعاقبة، ولكنها بين مد وجزر، وزيادة ونقصان، وتتغير في شدتها ودعمها من رئيس أمريكي إلى آخر. فكلهم يتفقون على رعاية هذا الورم الصهيوني الخبيث الذي زرعوه في قلب الأمة العربية، وكلهم يُجمعون على ري هذا الورم وسقايته بالدعم المالي والعسكري والدبلوماسي حتى يستمر في انتشاره في الجسد العربي فيقضي عليه كلياً.

ولذلك فالتشريعات الاتحادية الأمريكية لم تتوقف يوماً ما في مساندة هذا الورم ومواجهة أية ضغوط عليه وعلى مصيره ووجوده. ولذلك عندما قاطع العرب الكيان الصهيوني سياسياً وتجارياً واقتصادياً قامت أمريكا فوراً بسن تشريعات تواجه المقاطعة العربية وتخفف من تأثيراتها، مثل قانون: "إدارة الصادرات"(Export Administration Act) لعام 1979، وقانون: "بنك الاستيراد والتصدير"(Export- Import Bank Act )، ثم في عام 2017 بدأت سياسة "إسرائيل أولاً" تتضح أكثر عندما أقرت أمريكا قانون: (مكافحة المقاطعة لإسرائيل) أو (مناهضة مقاطعة إسرائيل)(Israel Anti-Boycott Act). وفي هذا القانون الغريب يُفضل إسرائيل والشركات الصهيونية الإسرائيلية على الشعب الأمريكي وشركاته، كما يقيد حرية الاختيار والرأي والتعبير للمواطن الأمريكي والمكفولة في التعديل الأول للدستور الأمريكي. فهذا القانون يجرم ويعاقب ويغرم كل من يقاطع إسرائيل، أو يدعو إلى مقاطعتها، وكل من يقاطع الشركات الإسرائيلية، حتى الموجودة في المستوطنات المخالفة للقوانين الدولية. فبعبارة أخرى يحق للأمريكي مقاطعة فرد أمريكي آخر، أو شركة أمريكية، أو جامعة، أو بضاعة أمريكية، أو حتى أية ولاية أمريكية، ولكن حسب هذا القانون لا يحق له في الوقت نفسه، بل ويعاقب، إذا قاطع إسرائيل، أو أي شيء من إسرائيل.

واليوم جاء ترمب ليعزز هذه الثقافة العقيمة ويقويها، ويحمي هذه الفكرة ويدعمها بكل ما أوتي من قوة تنفيذية، وقوة تشريعية، وقوة مالية. فهو يقوم الآن بتنفيذ عدة سياسات صهيونية في آن واحد، فالأولى تبَني سياسة تجريم "معاداة السامية"، ومحاربة كل من يعادي اليهود بأي شكل من الأشكال، بالقول والرأي أو بالفعل، والثانية "معاداة الصهيونية"، حيث جعل معاداة الصهيونية في مرتبة معاداة السامية، ولم يفرق بينهما كفكر وأيدلوجية مختلفة، ثم المرحلة الثالثة والخطيرة جداً هي تجريم "معاداة إسرائيل" بأي صورة كانت، فانتقاد أو الدعوة لانتقاد إسرائيل فيه عقاب أليم، وإبداء أي رأي يشوه سمعة إسرائيل ويتهمها بالإبادة الجماعية الشاملة، أو جرائم ضد الإنسانية، وبخاصة بعد السابع من أكتوبر 2023، أيضاً قد يدخل صاحبه في متاهات العقوبات والسجن. وكل هذا يعني ويؤشر بما لا يدعو للشك بأن أفعال ترمب وسياساته التنفيذية تقول بأن "إسرائيل أولاً"، و "أمريكا ثانياً". والأدهى من ذلك كله والأمر فإن ترمب لا يسعى إلى تنفيذ هذه السياسة على المستوى الاتحادي فحسب وإنما يفرض تعميمها على المستوى الدولي على حدٍ سواء. فترمب يعمل على مقاطعة ومعاقبة كل دولة ذات سيادة، وكل منظمة أممية تعمل تحت إشراف الأمم المتحدة، وكل اتحاد وتكتل سياسي أو اقتصادي في حالة أنها أبدت رأيها، أو اتخذت أي إجراء يمس شعرة من إسرائيل. فعلى سبيل المثال لا الحصر أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية في 6 يوليو 2025 قراراً بفرض عقوبات ومقاطعة المسؤولة الأممية والمقررة الخاصة لمجلس حقوق الإنسان حول الضفة الغربية وغزة "فرانشيسكا ألبانيز"، فقط لأنها كتبت تقريراً ضد ممارسات الإبادة الشاملة للكيان الصهيوني في غزة والضفة الغربية. فهذا القرار الأمريكي المتحيز والجائر يؤكد عدم اعتراف ترمب بالشرعية الدولية، والقوانين الدولية ومنظماتها، كما يضع الكيان الصهيوني فوق القانون الدولي، فلا رقابة، ولا محاسبة، ولا عقاب، بل ويعاقب كل من يجرؤ على الكتابة ضد ممارسات الصهاينة، من أفراد، أو حكومات دول، أو منظمات أممية. كما هدَّدت أمريكا، ممثلة في المستشار القانوني لوزارة الخارجية في 8 يوليو 2025، وبأسلوب وكلمات وعبارات واضحة وصريحة جداً في اجتماع دولي لأعضاء محكمة الجنايات الدولية، بأن على المحكمة سحب وإلغاء جميع التحقيقات ومذكرات الاعتقال الصادرة بحق نتنياهو ووزير الدفاع في 21 نوفمبر 2024، وحذَّر المسؤول الأمريكي المجتمع الدولي قائلاً أمام العالم أجمع: " إذا لم تُلغ هذه التحقيقات جميعها، فكل الخيارات ستبقى على الطاولة".

فسياسة إسرائيل أولاً وأمريكا ثانياً تتضح يوماً بعد على مستوى الولايات كل واحدة على حدة، وعلى المستوى الاتحادي، فهناك حتى اليوم 38 ولاية أمريكية قامت بتمرير تشريعات وقرارات تنفيذية تهدف إلى "منع مقاطعة إسرائيل"، آخرها كان في 7 يوليو 2025 عندما أعلنت حاكمة ولاية "إيوا" عن توقيع أمر تنفيذي حول معادة السامية ودعم إسرائيل في "قمة معاداة السامية ودعم إسرائيل" التي عُقدت في 6 يوليو بمدينة كنساس سيتي بولاية ميسوري، والبقية من الولايات سيأتي عليها الدور.

وهذه الجهود الخبيثة التي يقف وراءها اللوبي اليهودي الصهيوني في أمريكا، وبالتحديد "لجنة العلاقات العامة الأمريكية الإسرائيلية"(إيبك)، وينفذها ترمب تتصاعد سنة بعد سنة، وتتسع دائرة تنفيذها، وربما يوماً ما إذا صمت العالم ولم يقف ضدها فستتخطى هذه القوانين دائرة أمريكا، وستبلغ كل دول العالم وكل منظماتها ووكالاتها، وعندها سنشهد "صهينة العالم"، وستكون كلمة الفصل للصهاينة ومن يواليهم على المستوى القومي، والإقليمي، والدولي، أي أن الهدف النهائي في تقديري بأن دول العالم، ومنظمات الأمم المتحدة يسمح لها بانتقاد ممارسات أي فرد، أو جماعة، أو دولة، ولكن يُحرم عليهم جميعاً وبصفة قطعية انتقاد الكيان الصهيوني مهما فعل.

 

 

الثلاثاء، 8 يوليو 2025

البحر السري للقوة النووية

 

تتجلى مصداقية وواقعية قول الله سبحانه وتعالى: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم" في هذه الأيام العصيبة التي مرَّت علينا في شهر يونيو، وبالتحديد خلال 12 يوماً من العدوان الصهيوني اليهودي والأمريكي على ثلاثة مواقع نووية في إيران من 13 يونيو إلى 25 يونيو 2025. فحسب تصريحات الصهاينة من اليهود والأمريكيين منذ سنوات هو عدم السماح لإيران بامتلاك القنبلة الذرية، وفي حالة أن يشم الصهاينة رائحة البرنامج والقنبلة النووية من بعيد، فهي ستُضرب فوراً، ويتم القضاء عليها كلياً ومحوها من الخارطة.

 

فالقوة في نظر الصهاينة هي القوة النووية، ويُطلق عليها الآن "قوة الردع النووية"، وتتمثل في القنابل الذرية، والصواريخ الحاملة للرؤوس النووية، ولذلك تم تنفيذ سياسة "العدوان الاستباقي" لمنع إيران وأية دولة في الشرق الأوسط غير الكيان الصهيوني من امتلاك هذه القوة لفرض سيطرته، وهيمنته على أي قرار سيادي للدول العربية وغير العربية في منطقتنا. وهذا العدوان الغاشم تم من قَبْل على دول أخرى كانت ربما تنوي فقط بناء مفاعلات نووية مثل ليبيا، وسوريا، والعراق، واليوم إيران. فالقوة النووية بالنسبة للكيان الصهيوني والدول الغربية من المحرمات ومن الكبائر العظمى التي تُمنع أية دولة من دولنا على الاقتراب منها، ناهيك عن امتلاكها.

 

فالسلاح النووي بحر لجي متلاطم الأمواج، وغامض وسري جداً، ولا يمتلك أي إنسان، أو منظمة أممية وغير أممية، أو أجهزة استخباراتية المعلومات الدقيقة والموثوقة، سواء عن نوعية هذه القنابل، أو أعدادها ومواقع وجودها.

 

ولذلك أُحاول هنا من خلال البيانات المتاحة من الجهات الحكومية وغير الحكومية من الدخول في خضم أسرار هذا البحر المظلم والغامض، وتقديم ما توافر من معلومات حول أسلحة الدمار الشامل، وعلى رأسها القوة النووية. فالمصادر الأولية للمعلومات النووية شحيحة جداً، ومن أهمها الكتاب السنوي الذي يصدر عن "معهد أستوكهولم لأبحاث السلام"، وآخر هذه الكتب الدورية نُشر في مطلع عام 2025 (Yearbook 2025)، إضافة إلى تقارير ومنشورات "اتحاد علماء أمريكا"، وآخر تقدير للأسلحة النووي نُشر في بداية عام 2025 تحت عنوان: "حصر تقديري للرؤوس النووية الدولية، 2025"، علماً بأن هذا الاتحاد يصدر دورية معنية بالشأن النووي الذري تحت مسمى: "نشرة علماء الذرة" (Bulletin of the Atomic Scientists). كذلك هناك التقارير الدورية التي تصدر عن "الحملة الدولية للتخلص من القنابل النووية"، والتقرير المنشور في 26 مارس 2025 من "اتحاد علماء الذرة" تحت عنوان: "حالة القوى النووية الدولية، 2025"، إضافة التحقيقات الإعلامية الاستقصائية، ومنها المنشور في "الواشنطن بوست" في 24 يونيو 2025 تحت عنوان: "أين أسلحة العالم النووية، ومن يمتلكها؟".

 

ومن هذه التقارير، أُلخص لكم أهم الاستنتاجات حول القوى النووية في العالم، وأقدم تقديراً بعدد القنابل والرؤوس النووية التي تمتلكها.

أولاً: النادي النووي الرسمي في العالم يتكون من تسع دول هي: أمريكا، روسيا، بريطانيا، فرنسا، الصين، الهند، باكستان، كوريا الشمالية، الكيان الصهيوني.

ثانياً: يقدِّر مجموع القنابل النووية أثناء الحرب الباردة بنحو 70300، حيث انخفض اليوم إلى ما يتراوح بين 12241 إلى 12331 قنبلة ورأساً نووياً.

ثالثاً: روسيا تمتلك العدد الأكبر من القنابل والرؤوس النووية وهي(من 4309 إلى 5459)، ثم أمريكا(3700 إلى 5177)، وفرنسا(290)، الصين(600)، بريطانيا(225)، باكستان(170)، الهند(180)، الكيان الصهيوني(90)، كوريا الشمالية(50)، علماً بأن روسيا وأمريكا تمتلكان نحو 87% من هذه الرؤوس والقنابل، ونسبة 83% منها جاهزة ومعدة للاستخدام، في حين أن باقي الدول الأخرى تمتلك 13%.

رابعاً: هناك دول غير نووية، أي لا تمتلك قنابل، ولكنها تستضيف قنابل نووية أمريكية وروسية على أراضيها، فهناك زهاء 100 قنبلة نووية أمريكية في تركيا، وهولندا، وألمانيا، وإيطاليا، وبلجيكا، وقنبلة نووية روسية في بلاروس.

خامساً: هذه القنابل والرؤوس النووية تُطلق إما عن طريق الطائرات المقاتلة مثل قنبلتي هيروشيما وناجازاكي، وأما عن طريق السفن والغواصات.

سادساً: أما البرنامج النووي العسكري الصهيوني فهو الأكثر سرية، والأشد تكتماً على جميع المعلومات المتعلقة به، وهناك عدة دراسات كشفت بعض جوانب هذا البرنامج الغامض، منها الصادرة عن "اتحاد علماء أمريكا" في مجلة "نشرة علماء الذرة" الصادرة في 17 يناير 2022، تحت عنوان: "الأسلحة النووية الإسرائيلية"(Nuclear Notebook: Israel Nuclear Weapons, 2022).

 

فالكيان الصهيوني لم يعترف حتى الساعة بأنه يمتلك أسلحة نووية، كما أنه لا ينكر وجودها في الوقت نفسه، والتصريحات التاريخية التي تصدر عن قادة الكيان الصهيوني متشابهة في مضمونها، وآخرها الصادر عن نتنياهو الذي قال: "لن نكون أول من يدخل قنابل نووية في الشرق الأوسط". ولكن التصريح الذي أشار إلى حيازة الكيان الصهيوني للأسلحة النووية جاءت على لسان وزير التراث في نوفمبر 2024 أثناء حرب الإبادة الشاملة على غزة عندما صرح عن إمكانية استخدام السلاح النووي، مما أدى إلى عزله فوراً من منصبة بحجة أن تصريحاته لا تستند إلى الواقع. كما أن من المؤشرات على امتلاك الصهاينة لأسلحة الدمار الشامل النووية فهي امتناع الكيان الصهيوني من التوقيع على معاهدة حظر الأسلحة النووية، إضافة إلى عدم التوقيع على بروتوكولات الوكالة الدولي للطاقة الذرية.

 

فالكيان الصهيوني دخل في البرنامج النووي العسكري منذ بدايته في عام 1945 على يد بن جوريون، حيث عملوا في سرية تامة، ودون علم الحليف والصديق الأكبر الولايات المتحدة الأمريكية، مع فرنسا التي قدَّمت لهم مفاعل ديمونة في عام 1957، كما قدَّمت لهم النرويج 20 طناً من الماء الثقيل في 1959، وكل هذه الأجهزة والمواد موجودة في "مركز شيمون بيريز للأبحاث النووية في النقب". ولعدة سنوات ضلل الكيان الصهيوني أمريكا حول نواياه العسكرية، وقدم معلومات كاذبة عن البرنامج النووي العسكري، حتى اكتشفت أمريكا أسرار هذا الكيان الكاذب في منتصف الستينيات من القرن المنصرم، وتوافقا مع بعض على جعل الخبر سرياً وغامضاً.

 

ونظراً لسرية البرنامج النووي للكيان الصهيوني فإن التقديرات اختلفت في معرفة العدد ونوعية القنابل، حيث تفيد التقارير بأن العدد يتراوح ما بين 75 إلى 400، وأن لديهم بلوتونيوم مخزن وزنه 980 كيلوجراماً، ويمكن إنتاج 170 إلى 278 سلاحاً نووياً إضافياً. كما أن الكيان الصهيوني يمتلك من 25 إلى 100 صاروخ باليستي نووي من نوع (Jericho-IV) يبلغ مداه نحو 5500 كيلومتر، أي يمكن ضرب إيران وباكستان، إضافة إلى الغواصات الألمانية من نوع(Dolphin II)، والمزودة بصواريخ نووية مداها يصل إلى نحو 1000 كيلومتر.

 

ومما سبق نجد بأن السباق النووي مستمر ولم يتوقف قط، ولن يتوقف أبداً، وأعداد الدول التي تدخل النادي النووي في ازدياد، ولكن ببطء شديد جداً نتيجة لوجود كلاب الحراسة الشرسة التي تراقب عن قرب على مدار الساعة تحركات دول العالم، وبخاصة الدول العربية والإسلامية، وتمنع دخول أعضاء جدد للنادي. ولكن عدد ونوعية الأسلحة النووية في انخفاض بشكلٍ عام، وليس هذا اقتناعاً من الدول بخفض هذه القوة التدميرية المهلكة للحرث والنسل والكرة الأرضية برمتها، ولكن بسبب إحالة القنابل الذرية القديمة التي لا جدوى منها الآن إلى التقاعد المبكر، والعمل على إنتاج جيلٍ جديد متطور جداً من أسلحة الدمار الشامل الأشد وطأة وهلاكاً للبشرية، والأكثر تدميراً لكوكبنا.

الخميس، 3 يوليو 2025

تأثيرات الذكاء الاصطناعي بيئياً واجتماعياً وذهنياً


كل دول العالم، وبخاصة الدول المتقدمة والدول الغنية والثرية تندفع بقوة شديدة، وبدون النظر إلى الوراء قليلاً نحو إدخال برامج الذكاء الاصطناعي في جميع مناحي الحياة دون استثناء. بل وإن هذه الدول قد دخلت سباقاً محتدماً قوياً، ومعركة طويلة شديدة من أجل تحقيق السبق والريادة والتفوق في هذا المجال التقني الرقمي الحديث والمتطور، والسعي نحو أن تكون القوة التقنية العظمى المحتكرة لبرامج الذكاء الاصطناعي على المستوى الدولي.

 

وهذا هو حال الإنسان ونمط تفكيره المعوق الأحادي الجانب، فهو يجري وراء أي جديد وحديث، دون التريث والتفكير قليلاً وبهدوء وعقلانية في تداعيات هذا الجديد على الجوانب الأخرى للحياة، سواء الجانب البيئي أو الاجتماعي أو غيرهما. وهذا يعني أن الإنسان يرفع شعاراً براقاً وجميلاً، ويملأ صفحات الوثائق الرسمية، والتقارير الحكومية بهذا الشعار اللامع الجميل، ولكن في الواقع لا ينفذه، ولا يقترب من تطبيقه في الميدان. وهذا الشعار هو تحقيق التنمية المستدامة في جميع الأعمال والأنشطة التنموية التي يدخل فيها، أي عليه قبل أي يلج في أي برنامج، أو نشاط تنموي أي يدرس كافة الجوانب المتعلقة بهذا العمل والنشاط، وبالتحديد الجانب الاقتصادي الذي يتم دائماً التركيز عليه مباشرة والاهتمام به، إضافة إلى الجانبين والبعدين الآخرين، وهما البيئي والاجتماعي، والذي يتم في معظم الحالات تجاهلهما ونسيانهما، ووضعهما خلف ظهره، إلا بعد فوات الأوان، وبعد أن تنكشف الجوانب السلبية البيئية والاجتماعية لهذا النشاط التنموي، وبعد أن يعاني المجتمع البشري برمته من سلبيات ومخاطر هذا البرنامج والعمل التنموي.

 

والأمثلة التي مرَّت على البشرية وتؤكد مصداقية هذه الظاهرة كثيرة جداً، منها ما هو قديم ومعروف وموثق، ومنها ما هو جديد، ونشاهده أمامنا اليوم، وهو موضة الولوج في الذكاء الاصطناعي في كل شيء، سواء أكان هناك حاجة له أم لا، وبخاصة أن هذه البرامج الخاصة بالذكاء الاصطناعي تمتلكها الشركات العملاقة متعددة الجنسية التي لا ترقب في الإنسان والمجتمعات البشرية إلا ولا ذمة، ولا تسعى إلا لتحقيق الربح الكبير والسريع، وتسويق المنتج في كل المجالات والقطاعات، حتى ولو كان على حساب صحة الإنسان وسلامته، وأمن مكونات البيئة التي لا حياة بدونها.

 

فليس هناك من أدنى شك عند أي إنسان في إيجابيات هذه البرامج الخاصة بالذكاء الاصطناعي، ولا ريب عند أحد في الخدمات الجليلة والكبيرة التي تقدمها لتحسين حياة البشر، وتطويرها، وتسريع وتيرتها، فالكل متفق على هذه المحاسن العظيمة. ولكن هل فكر أحد في سلبيات هذا الاستخدام المفرط والواسع النطاق للذكاء الاصطناعي في كل دول العالم وفي جميع القطاعات والمجالات؟ وهل نظر أحد في ما تحتاجه برامج الذكاء الاصطناعي من مصادر وأحجام للطاقة تؤثر على أمن الطاقة من جهة على المستويين القطري والدولي، إضافة إلى تأثيراتها على صحة وأمن مكونات البيئة من جهة أخرى، والتي تنعكس على صحة الإنسان بشكلٍ مباشر؟

 

لقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية من أولى الدول التي بادرت في التعرف على تداعيات دخول الذكاء الاصطناعي إلى المجتمع البشري، ولكن فعلت هذا بعد أن أدخلت هذه التقنية في كافة المجالات، وليس قبل ذلك، حيث شرع الكونجرس قانوناً في الأول من فبراير 2024 تحت عنوان: "قانون التأثيرات البيئية للذكاء الاصطناعي" ( Artificial Intelligence Environmental Impacts Act)، ويهدف إلى إجراء دراسة تقييم الأثر البيئي لاستخدام هذه التقنية الجديدة. 

 

وقد نُشرت الكثير من الدراسات حول استهلاك مراكز البيانات والمعلومات الخاصة بالذكاء الاصطناعي للكهرباء، إضافة إلى استهلاك الطاقة من الاستخدام اليومي للبرامج للأفراد والمؤسسات والوزارات. وجميع هذه الدراسات أجمعتْ على أن الذكاء الاصطناعي يُعد شديد الاستنزاف للطاقة، مما يعني شديد الانبعاثات لغاز ثاني أكسيد الكربون، المتهم الأول بنزول أكبر وأعقد قضية تواجه البشرية الآن، وهي التغير المناخي. ومثل هذه الاستخدامات للذكاء الاصطناعي واستنزافها للطاقة تتناقض مع الجهود الدولية الممتدة عبر 33 عاماً لخفض استهلاك الكهرباء، وبالتحديد خفض حرق جميع أنواع الوقود الأحفوري المسببة للتغير المناخي وتداعياتها العقيمة على كوكبنا وعلى كل من يعيش عليه.

 

فعلى سبيل المثال، نَشرتْ "الوكالة الدولية للطاقة" تقريراً في يناير 2024 تحت عنوان: "تحليل وتنبؤ انتاج الطاقة حتى عام 2026"، حيث أفادت بأن استهلاك برامج الذكاء الاصطناعي للكهرباء يقدر بعشرة أضعاف برامج البحث العادية. كذلك فإن استهلاك الكهرباء في مراكز البيانات والمعلومات لبرامج الذكاء الاصطناعي تمثل 4.4% من اجمالي استهلاك أمريكا للكهرباء في عام 2023، وبحلول عام 2028 ستزيد كثيراً وتتراوح النسبة بين 6.7 إلى 12%. وعلى المستوى الدولي فقد زادت مراكز البيانات من 500 ألف في عام 2012 إلى أكثر من 8 ملايين في سبتمبر 2024، مما يعني الزيادة المطردة الشديدة لاستنزاف الطاقة الكهربائية، وارتفاع انبعاث الملوثات التي تسبب مشكلات بيئية وصحية، كالتغير المناخي، وتعميق البصمة الكربونية.

كذلك نُشرت دراسة في مجلة (Frontier Communication) في 19 يونيو 2025، تحت عنوان: "تكاليف الطاقة اللازمة للتواصل مع الذكاء الاصطناعي"، حيث قدَّمت هذه الدراسة تقييماً شاملاً للكلفة البيئية للبرامج اللغوية الكبيرة للذكاء الاصطناعي من خلال تحليل الأداء والبصمة الكربونية وانبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون. فقد أشارت الدراسة إلى وجود علاقة بين قوة ودقة البرنامج من حيث الأداء، والثقة، وحجم الانبعاثات. كما أفادت الدراسة بأن نوع السؤال الذي يطرح على برنامج الذكاء الاصطناعي ودرجة صعوبته يحدد البصمة الكربونية وحجم الانبعاث، فسؤال بسيط ومباشر في التاريخ انبعاثاته أقل من سؤال صعب ومعقد في الرياضيات.

 

وهناك جانب آخر خطير يهدد استدامة ابداع وتطور العقل البشري، وبدأ ينكشف من الاستخدام المفرط وغير المنضبط لبرامج الذكاء الاصطناعي، وبالتحديد التأثير السلبي على الجانب العقلي والذهني، وتدهور القدرات والمهارات العقلية عند الفرد بسبب كثرة الاعتماد على الذكاء الاصطناعي والاتكال عليه في حل مشكلات الفرد اليومية وأداء الواجبات المدرسية، كما يزيد من عزلة الفرد عن أسرته ومجتمعه. فهناك دراسة أجرتها جامعة "معهد ماساشوستس للتكنلوجيا" تحت عنوان: "دماغك على ChatGPT: تراكم الديون المعرفية عند استخدام الذكاء الاصطناعي لمهمة كتابة المقال". وقد خلصت الدراسة أن استخدام الذكاء الاصطناعي عند الأطفال والشباب، وبخاصة في السنوات الأولى من مرحلة التعلم يؤثر على قدراتهم الفكرية والنقدية والتحليلية، ويخفض من مستوى أدائهم الذهني، ويدهور من الإنتاج العلمي المبدع والأصيل الجديد. 
 
ومثل هذه التداعيات البيئية الصحية الجسمية والعقلية والذهنية للاستخدام المفرط وغير المقنن لبرامج الذكاء الاصطناعي من المفروض أن تدق ناقوس الخطر للجميع، فهي حتماً ستتحول مع الوقت إلى أزمة دولية مشتركة تنزل على كافة دول وشعوب العالم. ولذلك لا بد من تدخل منظمات الأمم المتحدة المعنية من الآن وقبل فوات الأوان، لتنظيم وتقنين مجالات استخدام الذكاء الاصطناعي، وقبل أن تتفاقم وتتجذر المشكلة في كافة شرايين المجتمعات فيصعب مواجهاتها وحلها.