الثلاثاء، 8 يوليو 2025

البحر السري للقوة النووية

 

تتجلى مصداقية وواقعية قول الله سبحانه وتعالى: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم" في هذه الأيام العصيبة التي مرَّت علينا في شهر يونيو، وبالتحديد خلال 12 يوماً من العدوان الصهيوني اليهودي والأمريكي على ثلاثة مواقع نووية في إيران من 13 يونيو إلى 25 يونيو 2025. فحسب تصريحات الصهاينة من اليهود والأمريكيين منذ سنوات هو عدم السماح لإيران بامتلاك القنبلة الذرية، وفي حالة أن يشم الصهاينة رائحة البرنامج والقنبلة النووية من بعيد، فهي ستُضرب فوراً، ويتم القضاء عليها كلياً ومحوها من الخارطة.

 

فالقوة في نظر الصهاينة هي القوة النووية، ويُطلق عليها الآن "قوة الردع النووية"، وتتمثل في القنابل الذرية، والصواريخ الحاملة للرؤوس النووية، ولذلك تم تنفيذ سياسة "العدوان الاستباقي" لمنع إيران وأية دولة في الشرق الأوسط غير الكيان الصهيوني من امتلاك هذه القوة لفرض سيطرته، وهيمنته على أي قرار سيادي للدول العربية وغير العربية في منطقتنا. وهذا العدوان الغاشم تم من قَبْل على دول أخرى كانت ربما تنوي فقط بناء مفاعلات نووية مثل ليبيا، وسوريا، والعراق، واليوم إيران. فالقوة النووية بالنسبة للكيان الصهيوني والدول الغربية من المحرمات ومن الكبائر العظمى التي تُمنع أية دولة من دولنا على الاقتراب منها، ناهيك عن امتلاكها.

 

فالسلاح النووي بحر لجي متلاطم الأمواج، وغامض وسري جداً، ولا يمتلك أي إنسان، أو منظمة أممية وغير أممية، أو أجهزة استخباراتية المعلومات الدقيقة والموثوقة، سواء عن نوعية هذه القنابل، أو أعدادها ومواقع وجودها.

 

ولذلك أُحاول هنا من خلال البيانات المتاحة من الجهات الحكومية وغير الحكومية من الدخول في خضم أسرار هذا البحر المظلم والغامض، وتقديم ما توافر من معلومات حول أسلحة الدمار الشامل، وعلى رأسها القوة النووية. فالمصادر الأولية للمعلومات النووية شحيحة جداً، ومن أهمها الكتاب السنوي الذي يصدر عن "معهد أستوكهولم لأبحاث السلام"، وآخر هذه الكتب الدورية نُشر في مطلع عام 2025 (Yearbook 2025)، إضافة إلى تقارير ومنشورات "اتحاد علماء أمريكا"، وآخر تقدير للأسلحة النووي نُشر في بداية عام 2025 تحت عنوان: "حصر تقديري للرؤوس النووية الدولية، 2025"، علماً بأن هذا الاتحاد يصدر دورية معنية بالشأن النووي الذري تحت مسمى: "نشرة علماء الذرة" (Bulletin of the Atomic Scientists). كذلك هناك التقارير الدورية التي تصدر عن "الحملة الدولية للتخلص من القنابل النووية"، والتقرير المنشور في 26 مارس 2025 من "اتحاد علماء الذرة" تحت عنوان: "حالة القوى النووية الدولية، 2025"، إضافة التحقيقات الإعلامية الاستقصائية، ومنها المنشور في "الواشنطن بوست" في 24 يونيو 2025 تحت عنوان: "أين أسلحة العالم النووية، ومن يمتلكها؟".

 

ومن هذه التقارير، أُلخص لكم أهم الاستنتاجات حول القوى النووية في العالم، وأقدم تقديراً بعدد القنابل والرؤوس النووية التي تمتلكها.

أولاً: النادي النووي الرسمي في العالم يتكون من تسع دول هي: أمريكا، روسيا، بريطانيا، فرنسا، الصين، الهند، باكستان، كوريا الشمالية، الكيان الصهيوني.

ثانياً: يقدِّر مجموع القنابل النووية أثناء الحرب الباردة بنحو 70300، حيث انخفض اليوم إلى ما يتراوح بين 12241 إلى 12331 قنبلة ورأساً نووياً.

ثالثاً: روسيا تمتلك العدد الأكبر من القنابل والرؤوس النووية وهي(من 4309 إلى 5459)، ثم أمريكا(3700 إلى 5177)، وفرنسا(290)، الصين(600)، بريطانيا(225)، باكستان(170)، الهند(180)، الكيان الصهيوني(90)، كوريا الشمالية(50)، علماً بأن روسيا وأمريكا تمتلكان نحو 87% من هذه الرؤوس والقنابل، ونسبة 83% منها جاهزة ومعدة للاستخدام، في حين أن باقي الدول الأخرى تمتلك 13%.

رابعاً: هناك دول غير نووية، أي لا تمتلك قنابل، ولكنها تستضيف قنابل نووية أمريكية وروسية على أراضيها، فهناك زهاء 100 قنبلة نووية أمريكية في تركيا، وهولندا، وألمانيا، وإيطاليا، وبلجيكا، وقنبلة نووية روسية في بلاروس.

خامساً: هذه القنابل والرؤوس النووية تُطلق إما عن طريق الطائرات المقاتلة مثل قنبلتي هيروشيما وناجازاكي، وأما عن طريق السفن والغواصات.

سادساً: أما البرنامج النووي العسكري الصهيوني فهو الأكثر سرية، والأشد تكتماً على جميع المعلومات المتعلقة به، وهناك عدة دراسات كشفت بعض جوانب هذا البرنامج الغامض، منها الصادرة عن "اتحاد علماء أمريكا" في مجلة "نشرة علماء الذرة" الصادرة في 17 يناير 2022، تحت عنوان: "الأسلحة النووية الإسرائيلية"(Nuclear Notebook: Israel Nuclear Weapons, 2022).

 

فالكيان الصهيوني لم يعترف حتى الساعة بأنه يمتلك أسلحة نووية، كما أنه لا ينكر وجودها في الوقت نفسه، والتصريحات التاريخية التي تصدر عن قادة الكيان الصهيوني متشابهة في مضمونها، وآخرها الصادر عن نتنياهو الذي قال: "لن نكون أول من يدخل قنابل نووية في الشرق الأوسط". ولكن التصريح الذي أشار إلى حيازة الكيان الصهيوني للأسلحة النووية جاءت على لسان وزير التراث في نوفمبر 2024 أثناء حرب الإبادة الشاملة على غزة عندما صرح عن إمكانية استخدام السلاح النووي، مما أدى إلى عزله فوراً من منصبة بحجة أن تصريحاته لا تستند إلى الواقع. كما أن من المؤشرات على امتلاك الصهاينة لأسلحة الدمار الشامل النووية فهي امتناع الكيان الصهيوني من التوقيع على معاهدة حظر الأسلحة النووية، إضافة إلى عدم التوقيع على بروتوكولات الوكالة الدولي للطاقة الذرية.

 

فالكيان الصهيوني دخل في البرنامج النووي العسكري منذ بدايته في عام 1945 على يد بن جوريون، حيث عملوا في سرية تامة، ودون علم الحليف والصديق الأكبر الولايات المتحدة الأمريكية، مع فرنسا التي قدَّمت لهم مفاعل ديمونة في عام 1957، كما قدَّمت لهم النرويج 20 طناً من الماء الثقيل في 1959، وكل هذه الأجهزة والمواد موجودة في "مركز شيمون بيريز للأبحاث النووية في النقب". ولعدة سنوات ضلل الكيان الصهيوني أمريكا حول نواياه العسكرية، وقدم معلومات كاذبة عن البرنامج النووي العسكري، حتى اكتشفت أمريكا أسرار هذا الكيان الكاذب في منتصف الستينيات من القرن المنصرم، وتوافقا مع بعض على جعل الخبر سرياً وغامضاً.

 

ونظراً لسرية البرنامج النووي للكيان الصهيوني فإن التقديرات اختلفت في معرفة العدد ونوعية القنابل، حيث تفيد التقارير بأن العدد يتراوح ما بين 75 إلى 400، وأن لديهم بلوتونيوم مخزن وزنه 980 كيلوجراماً، ويمكن إنتاج 170 إلى 278 سلاحاً نووياً إضافياً. كما أن الكيان الصهيوني يمتلك من 25 إلى 100 صاروخ باليستي نووي من نوع (Jericho-IV) يبلغ مداه نحو 5500 كيلومتر، أي يمكن ضرب إيران وباكستان، إضافة إلى الغواصات الألمانية من نوع(Dolphin II)، والمزودة بصواريخ نووية مداها يصل إلى نحو 1000 كيلومتر.

 

ومما سبق نجد بأن السباق النووي مستمر ولم يتوقف قط، ولن يتوقف أبداً، وأعداد الدول التي تدخل النادي النووي في ازدياد، ولكن ببطء شديد جداً نتيجة لوجود كلاب الحراسة الشرسة التي تراقب عن قرب على مدار الساعة تحركات دول العالم، وبخاصة الدول العربية والإسلامية، وتمنع دخول أعضاء جدد للنادي. ولكن عدد ونوعية الأسلحة النووية في انخفاض بشكلٍ عام، وليس هذا اقتناعاً من الدول بخفض هذه القوة التدميرية المهلكة للحرث والنسل والكرة الأرضية برمتها، ولكن بسبب إحالة القنابل الذرية القديمة التي لا جدوى منها الآن إلى التقاعد المبكر، والعمل على إنتاج جيلٍ جديد متطور جداً من أسلحة الدمار الشامل الأشد وطأة وهلاكاً للبشرية، والأكثر تدميراً لكوكبنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق