الاثنين، 11 يونيو 2012

دفن البحر


دفن البحر ظاهرة عالمية، وليست محلية كما كُنْتُ أعتقد، ودفن البحر ظاهرة ليست في الدول التي تعاني من صغر المساحة فتضطر إلى عملية دفن المناطق الساحلية لزيادة رقعة أراضيها، وإنما هي أيضاً ظاهرة في الدول الواسعة الانتشار والكبيرة في مساحتها فلا تنقصها الأراضي للبناء عليها الإعمار فيها.

فمن المؤسف حقاً أن نشاهد أمامنا أن كل دولة تحتاج إلى الأرض للقيام ببرامجها التنموية وأنشطتها التعميرية، تتجه مباشرة إلى أبسط عملية وأرخصها كُلفة من ناحية التنفيذ، وهي دفن المناطق الساحلية الضحلة، وكأن هذه المناطق التي تدفن بدون رجعة لا قيمة لها مالياً، ولا جدوى من وجودها، ولا فائدة ترجى منها.

وكل دولة قامت بمثل هذه العمليات بطريقة عشوائية غير مدروسة وعلى نطاقٍ واسعٍ مُستباح، تحسرت على المدى البعيد، وندمت على ما قامت بها، وأيقنت بعد سنوات أن خسائرها من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والسياحية تفوق بكثير الفوائد الآنية على جنتها على المدى القريب.

وللتأكيد على هذه الحقيقة، أقدم لكم تقريراً مفصلاً قرأته اليوم عن سلبيات وايجابيات عمليات دفن البحر في الدول التي قامت بها بشكلٍ لافت للنظر ومتسارع خلال العقود الماضية، مثل الصين وهولندا واليابان وكوريا الجنوبية.

 ودعوني أضرب لكم مثالاً واحداً فقط لأبين لكم واقعية ومصداقية هذه الحقيقة. ففي الصين كان لعمليات الدفن البحري الساحلي، وبخاصة في السنوات الأولى، دور مشهود وملحوظ في زيادة النمو والازدهار الاقتصادي حتى وصل النمو إلى زهاء 11%، ولكن بعد سنوات تحولت هذه العمليات التي لم تنقطع إلى قضيةٍ يوميةٍ ساخنة بين الصينيين، وبخاصة بعد أن شاهدوا السلبيات الكبيرة التي نجمت عن عمليات الدفن، والتي تمثلت في تدمير بيئات ساحلية حيوية جداً بالنسبة للثروة السمكية، كبيئات المد والجزر، وبيئات أشجار القرم، وبيئات الطحالب والحشائش البحرية، والقضاء كلياً على بعض الأنظمة البيئية الساحلية كالشعاب المرجانية التي تعتبر من أهم المناطق التي تنمو وتكثر فيها الأسماك والكائنات البحرية الفطرية الأخرى، إضافة إلى تلوث مياه البحر وتدهور نوعيتها.

فكل هذه السلبيات التي هددت سلامة البيئة، انعكست بشكلٍ مباشر على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، مما أيقظ الناس وجعلهم يهتمون بهذه القضية، وهذا الاهتمام الشعبي أضطر الحكومة الصينية إلى سن تشريعات خاصة بحماية السواحل والمحافظة عليها وإجراء دراسات مستفيضة اقتصادية وبيئية واجتماعية قبل الشروع بأية عملية دفن للبحر. 

ونحن في البحرين خضنا التجربة نفسها ولكن بدرجة أشد وأعمق تأثيراً على البيئة والإنسان، فالمساحات التي دفنت في البحرين تعتبر كبيرة جداً مقارنة بمساحتها الكلية والتي زادت قرابة 105 كيلومترات مربعة خلال الأربعين سنة الماضية، مما يضطرنا إلى إصدار تشريعات أكثر صرامة لحماية ما تبقى لنا من هذه الثروة المتجددة.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق