الجمعة، 21 سبتمبر 2012

بوتن وحماية الطيور المهاجرة


قبل أيام شاهدنا في وسائل الإعلام المقروءة والمرئية قيام رئيس روسيا فليدامير بوتن وهو يلبس ملابس بيضاء تشبه لون ريش الطيور بحركة استعراضية بطولية جوية من خلال ركوب الطائرة الشراعية المتحركة، وذلك بهدف حماية نوعٍ من أنواع الطيور المهاجرة المهددة بالانقراض، والتي تعيش في منطقة سيبيريا الباردة، وهذا الطير المُقدس الأبيض اللون يُعرف بالكركي السيبيري.

وعند قيام بوتن بهذه العملية البهلوانية الجريئة، قام بتوجيه هذا السرب من الطيور النادرة أثناء هجرتها الشتوية لكي لا تضل طريقها، فتطير في مسارها الجوي الطبيعي حتى تصل بأمن وسلام إلى منزلها وملجئها الأخير. فهذه الطيور تم إكثارها وتنميتها وتربيتها في الأسر، أي تحت الإشراف المباشر للعلماء المختصين في محميات خاصة للطيور، ولذلك فهي لم تقم بعملية الهجرة السنوية من منطقة إلى أخرى من قبل، ولا بد عند إطلاقها لأول مرة في بيئتها الطبيعية من مساعدتها وإرشادها وتوجيهها نحو مسار الهجرة الفطري الصحيح.

ولكن الغريب في هذه العملية هو التوقيت، حيث إنه قام بهذا الاستعراض عشية استضافته لرؤساء الدول وكبار رجال الأعمال في القمة السنوية لمنظمة آبيك، أو ما تُعرف بمنتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ، وكأنه تحول إلى شابٍ مراهق صغير السن، أو نجمٍ من نجوم الهوليود يريد بهذا الاستعراض جذب أنظار الزوار والرأي العام الروسي والدولي وإبهارهم، وإثارة إعجابهم بقوته الجسمية، وشجاعته، وحبه للبيئة والحياة الفطرية وحماية مواردها وثرواتها الحية وغير الحية. 

وهذا ليس هو العرض الوحيد الذي قام به بوتن أمام أعين وسائل الإعلام وكاميراتهم، فهو يريد أن يُصور نفسه كالبطل المغوار الذي لا يقهر، وأنه يتميز ويتفوق في كل شيء، ويستطيع القيام بأنواع مختلفة من المغامرات الشبابية الشجاعة، فتارة يلبس الحزام الأسود في الألعاب القتالية ويبارز الأبطال المعروفين في لعبة الجودو، وتارة أخرى تجده يركب على ظهر الحصان لمسافات طويلة في مناطق سيبيريا الشديدة البرودة، وأحياناً تراه يقوم بصيد النمور والدب القطبي، أو تجده يسبح في الأنهار الجليدية في القطب الشمالي.

وفي الحقيقة فإنني أؤيد الرئيس الروسي بوتن على هذه العملية التي قام بها وعلى إظهاره لحب الطيور والحفاظ عليها وتنميتها وحماية الكائنات الحية، فهذه الطيور المهاجرة لها أهمية كبيرة لاستدامة حياة الإنسان على وجه الأرض، فهي تقيس ضغط دم الكرة الأرضية، وأي خللٍ في توقيت هجرتها يعتبر مؤشراً قوياً على وجود خللٍ عام في البيئة، كما أن حماية الطيور المهاجرة تتفق مع مبادئ وقواعد حماية الحياة الفطرية من الطيور المهاجرة النادرة والمهددة بالانقراض، وتتماشى مع الاتفاقيات والمعاهدات الإقليمية والدولية الخاصة بحماية ورعاية الكائنات الحية المهاجرة، سواء أكانت الطيور في أعالي السماء، أو الكائنات البحرية كالسلاحف وأسماك التونة والدلافين والحيتان في أعماق البحار، أو الكائنات البرية التي تنتقل وتهاجر من منطقة جغرافية إلى منطقة أخرى عبر الحدود الجغرافية المصطنعة بين دول العالم، وعلى رأس هذه المعاهدات الدولية التي تهتم بهذا الجانب هي اتفاقية حماية الأنواع المهاجرة، واتفاقية التنوع الإحيائي.

ولكن ما لا أستطيع أن أفهمه هو أن هذا الحب من بوتن للحياة الفطرية والطيور خاصة، والعمل على إكثارها وحمايتها لا يستقيم بتاتاً مع مواقفه السلبية من كفاح الشعب السوري، ودعمه اللامحدود للأسد، سواء الدعم السياسي في الاجتماعات الدولية، أو الأمني من خلال المد المستمر للأسد بكافة أنواع السلاح، وسكوته الأعمى على المجازر والمذابح التي ترتكب ضد الشعب منذ أكثر من سنة، حتى وصل عدد القتلى بسلاح روسيا إلى أكثر من 24 ألف وعدد الجرحى عشرات الآلاف.

فكيف يمكن تفهم عمل بوتن وعطفه على الطيور وحمايته لها، وفي المقابل التواطؤ المباشر على قتل الإنسان، وتهجيره من وطنه، وإهدار كرامته، فهل حياة الطيور وحمايتها عند بوتن أهم من حياة الإنسان؟

أم أن ما يقوم به هو مجرد جزءٍ من العلاقات العامة المحلية والدولية التي يَظهر فيها بوتن بين فترةٍ وأخرى لكسب الأصوات، ولفت الأنظار نحو شخصيته العظيمة؟ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق