الخميس، 6 سبتمبر 2012

حتى الأسماك لم تَفْلت من السرطان




لست عالماً بالأسماك وأمراض الأسماك وملايين الكائنات البحرية التي تعيش في أعماق البحار ولم يكتشفها الإنسان بعد ولم يتعرف على أسرارها وأسبابِ خَلْقها، والتي يعيش الكثير منها في ظلماتٍ بعضها فوق بعض إذا أخرج الإنسان يده لم يكد ليراها، فقد كنت أظن بأن أمراض الأسماك والكائنات الفطرية التي تعيش في هذه البحار تختلف جذرياً عن الأمراض المستعصية التي تضرب بالإنسان، وبعضها لا شفاء لها حتى يومنا هذا، ولكن بعد قراءتي للدراسة التي سأتناولها اليوم تبين لي أن هناك تشابهاً في الإصابة ببعض الأمراض بين الأسماك والإنسان.

وبالفعل فإن أمراض البشر، كالسرطان لم تُعرف من قبل في عالم الأسماك والكائنات البحرية الأخرى، فبيئة الإنسان والملوثات التي يتعرض لها تختلف عن بيئة الأسماك الطبيعية البِكر العَذْراء التي لم تمسها أيدي البشر. ولكن الأمر اختلف الآن، فالملوثات التي نُطلقها إلى الهواء الجوي فنتعرض لها مباشرة، أو نصرفها في المسطحات المائية فنتعرض لها بشكل غير مباشر بعد عدة سنوات، أصبحت الآن تنتقل إلى بيئة الكائنات الفطرية ولو كانت تعيش في أعماق البحار المظلمة فتتأثر بها، وتصيبها بالأمراض نفسها التي تنزل علينا بسبب ما ارتكبتها أيدينا.

ولذلك في السنوات القليلة الماضية بدأ العلماء في الولوج في هذا المجال البحثي الجديد، ونشروا نتائج لأول مرة حول إصابة الأسماك بأمراض البشر، منها أمراض سرطان الجلد والمعروفة بالميلانوما(melanosis and melanoma)، وبالتحديد في إحدى الأسماك التجارية البحرية الشعبية عند الناس والتي تقطن الشعاب المرجانية في محمية بحرية طبيعية مساحتها 344400 كيلومتر مربع، أي أكبر من مساحة البحرين بنحو 450 مرة، ويُطلق عليها بمتنزه الشعاب المرجانية البحري العظيم(Great Barrier Reef Marine Park) في جزيرة هيرون(Heron Island) وجزيرة تري(Tree Island) شمال شرق سواحل أستراليا.

فقد أكدت دراسة نُشرت في مجلة بلاس ون( PLoS ONE) في 1 أغسطس 2012 تحت عنوان  أدلة على الإصابة بسرطان الجلد في إحدى الأسماك البحرية، أن سمكة السلمون المرقط(Plectropomus leopardus) والمعروفة بسمكة التروت(trout)، قد وجدت على سطح جلدها بقع داكنة بنية اللون، وبعد الكشف المخبري عن هذه البقع تبين أنها مصابة بسرطان الجلد، كما يصاب به الإنسان عندما يتعرض للأشعة فوق البنفسجية. 

كما أفادت الدراسة بأن السبب في إصابة الأسماك بسرطان الجلد قد يكون التعرض للأشعة فوق البنفسجية التي تتميز بموجاتها القصيرة وطاقتها العالية وقدرتها على اختراق ماء البحر والنفاذ إلى أعماق عمود الماء تزيد عن 60 متراً، وقد تأتي هذه الأشعة نتيجةً لتدهور طبقة الأوزون التي أصبحت الآن تسمح بالأشعة البنفسجية بالمرور والوصول إلى سطح الأرض، وإحداث أضرارٍ جسيمة للإنسان والحياة الفطرية في البر والبحر.  

ولكن ما استغرب منه حقاً هو أن الأسماك التي تَعَرضتْ للأشعة فوق البنفسجية وأُصيبت بسرطان الجلد، لا تستطيع فعل أي شيء لتجنب المرض، ولكننا نحن بني البشر نُعرض أنفسنا لهذه الأشعة القاتلة بأيدينا وبمحض إرادتنا، بل ونتمتع بذلك عندما نقوم بتعريض جلدنا رغبة منا لمصابيح الأشعة فوق البنفسجية للقيام بعملية التانينج، فنُحول لون جلدنا من اللون الطبيعي الذي خلقنا الله عليه إلى اللون البرونزي والذهبي، حسب الموضة الرائجة الآن! 

وقد أَجمعت الدراسات الميدانية على أن عملية التانينج تؤدي إلى سرطان الجلد، ولذلك صنَّفت الوكالة الدولية لأبحاث السرطان هذه العملية بأنها تسبب السرطان للإنسان، واستجابة لهذه الحقيقة العملية سنَّت العديد من ولايات أمريكا تشريعاتٍ تُقنن فيها عملية التانينج، فمنعتها لمن دون الـ 18 من العمر.

فهل بعد كل هذه الحقائق الدامغة، سيقوم إنسان بتعريض نفسه لمصابيح التانينج؟


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق