الثلاثاء، 25 أغسطس 2020

كورونا يُعطل تنفيذ أهداف التنمية المستدامة

في الفترة من 25 إلى 27 سبتمبر من عام 2015، وافقت دول العالم في الجمعية العامة للأمم المتحدة في الاجتماع الخاص الذي عُقد في مقر الأمم المتحدة الرئيس بنيويورك تحت عنوان :"مؤتمر قمة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2015" على تدشين خطة جديدة، وإطلاق مجموعة متكاملة وشاملة من الأهداف التي بلغت 17 هدفاً طموحاً جداً، على أن يتم الانتهاء من تنفيذها وتحقيقها على الصعيد الدولي بحلول عام 2030.

 

وتأتي هذه الخطة، أو جدول الأعمال كبديل للأهداف الإنمائية الألفية التي أطلقتها الأمم المتحدة عام 2000، إضافة إلى تحديث وتطوير جدول أعمال القرن الحادي والعشرين، أو أجندة 21 الذي خرج إلى النور في عام 1992 في الاجتماع التاريخي الذي عقد في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية حول البيئة والتنمية، أو قمة الأرض.

 

وجدول الأعمال العالمي الجديد، أو أجندة 2030 الذي دُشن عام 2015 بعنوان ""تحويل عالمنا: خطة التنمية المستدامة لعام 2030"، يُعد خارطة طريق طويلة تسير على هديها الدول، وتُعتبر الخطة العملية التي على دول العالم تطبيقها في الفترة من 2016 إلى 2030، حيث احتوت على إعلان واحد فقط و 17 هدفاً من أهداف تحقيق التنمية المستدامة في قطاعات الاقتصاد، والاجتماع، والبيئة، وحقوق الإنسان، إضافة إلى 169 مؤشراً لقياس مدى فاعلية الدول في تنفيذ كل هدف على حدة، ونسبة نجاحها في تطبيق هذه الأهداف في الواقع العملي.

 

أما الهدف الأول والرئيس والذي يحظى بالأولوية في هذه الخطة فهو القضاء على الفقر بجميع أشكاله في كل مكان، ثم ثانياً القضاء التام على الجوع وتوفير الأمن الغذائي، وجاء في المرتبة الثالثة الهدف الخاص بضمان تمتع الجميع بأنماط عيش صحية وبالرفاهية في جميع الأعمار، ورابعاً ضمان التعليم الجيد، ثم تحقيق المساواة بين الجنسين جاء كهدف خامس. وأما الهدف السادس والسابع فتمثل في ضمان توافر المياه وخدمات الصرف الصحي للجميع، وضمان حصول الجميع على خدمات الطاقة. وأما الهدف الثامن فركز على تعزيز النمو الاقتصادي المطرد والشامل للجميع والمستدام، وتوفير العمل اللائق للجميع، ثم جاءت أهداف تصب في تحقيق التنمية البيئية المستدامة، حيث دعت الأهداف الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر إلى اتخاذ إجراءات عاجلة للتصدي للتغير المناخي وآثاره، وحفظ البحار والمحيطات والموارد البحرية واستخدامها على نحو مستدام لتحقيق التنمية المستدامة، وحماية البيئة البرية والتنوع الحيوي. وأخيراً ركز الهدفان رقم(16) و (17) إلى تعزيز وسائل التنفيذ وتنشيط الشراكة العالمية من أجل التنمية المستدامة.

 

ومنذ عام 2015 حتى يناير من العام الجاري كان تنفيذ جدول أعمال 2030 يسير نحو الأمام بخطى ثابتة ولكنها بطيئة، وتختلف من دولة إلى أخرى حسب البرامج التي أعدتها الدول لتنفيذ هذه الخطة، وقدرتها العملية المالية والإدارية على تحويل هذه الأهداف إلى واقع ملموس تشهده الشعوب وتقطف ثماره.

 

ولكن في يناير من العام الجاري نزل على البشرية جمعاء كرب عصيب، لم يخطر على بال أحد، ولم يتوقعه أي إنسان، فقد بدأ فيروس حقير وبسيط في التغلغل في أجسام البشر في مدينة ووهان الصينية، ثم زحف رويداً رويداً إلى دول العالم قاطبة عبر البراري والبحار والمحيطات دولة تلو الأخرى، فلم يجعل هذا الفيروس العقيم شبراً من الأرض بعيداً أم قريباً إلا وغزاه واستعمره وثبَّت قدميه فيه. فكانت النتيجة حتى الآن إصابة أكثر من 16 مليون إنسان، قضى منهم نحبهم قرابة 750 ألف بسبب التعرض لهذا الفيروس. كما أنه في الوقت نفسه أَغلقَ مُدناً عظيمة بأكملها، فشلتْ الحياة فيها كلياً وتوقفت تماماً، فالناس جلسوا عاطلين مضطرين في منازلهم، ووسائل المواصلات البرية والبحرية والجوية لم تتحرك من مواقعها، فتوقفت معها عجلة التنمية والاقتصاد، وضاعت الأعمال عن الملايين من الناس، مما أدى إلى زيادة غير مسبوقة في مستويات الفقر والإفلاس ونقص الطعام والغذاء والتعرض للجوع الكافر.  

 

فهذا الوباء الذي أصاب المجتمع البشري أخذه فجأة وعلى حين غرة، فلم يكن مستعداً لمواجهته كلياً، ولم يكن لدية الوقت الكافي للتصدي له ومكافحته، مما أدى إلى تعطل كل الأهداف التنموية التي وضعها المجتمع البشري ليحققها بحلول 2030، وقد تكون هذه الأهداف الآن قد ضاعت مع رياح فيروس كورونا العاتية التي هبَّتْ على البشر جميعهم، وقد يعني أيضاً بأن على الأمم المتحدة اليوم إعادة التفكير في أهداف جديدة ومختلفة عن الأهداف الـ 17 التي أطلقتها في عام 2015، بحيث إنها تكون واقعية وتتناسب وتواكب تحديات وتداعيات هذه الطامة الكبرى التي يمر بها المجتمع الإنساني، فنحن أمام واقعٍ مغاير جداً لا يدري أحد كيف ينتهي، وإلى ماذا سينتهي، ومتى سينتهي.

 

فإذا كانت دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية التي تُعتبر أكثر دولة ثراءً في العالم، وأشدها تطوراً وتقدماً قد ضربها زلزال كورونا بشدة وبقوة قاضية، فحطم قُدرتها على تنفيذ أهداف التنمية المستدامة، وبالتحديد بالنسبة للهدفين الأول والثاني حول التخلص من الفقر والجوع، فكيف إذن سيكون حال الدول النامية والفقيرة والمستضعفة والمتأخرة؟

 

وسأضرب لكم مثالاً واحداً فقط عن حالة الجوع المدقع الآن في عاصمة بلد الرقي والتطور والغنى وهي واشنطن، ثم قيسوا على ذلك بالنسبة للدول الفقيرة والنامية التي تعاني أصلاً من الفقر الشديد المتجذر في عروقها، إضافة إلى النقص المستمر في الموارد والثروات والخدمات الصحية. فقد نَشرتْ منظمة اجتماعية أمريكية تهدف إلى إطعام الجوعى وتوزيع الطعام على المحتاجين من الأفراد والأسر وهي (Capital Area Food Bank) تقريراً في العشرين من يوليو بعنوان: "الجوع موجود في كافة مناطق العاصمة"،  ونقلته صحيفة الواشنطن تايمس في 22 يوليو في تحقيقها تحت عنوان: "كورونا يسبب مجاعة لنحو ربع مليون إنسان في العاصمة واشنطن"، وجاء فيهما بأن نحو 450 من بنوك الطعام، أو أماكن توزيع الطعام قد أُغلقت بسبب كورونا، ومع ازدياد أعداد العاطلين عن العمل والذين خسروا مصادر رزقهم وبلغ عددهم نحو 30 مليون أمريكي، زاد الأمر سوءاً وزاد النقص في قدرة توزيع الطعام، حيث زاد الطلب على الطعام بنسبة تتراوح من 30 إلى 400%، فعدد الجوعى والمعوزين والفقراء الذين يحتاجون إلى المساعدة للحصول على الطعام والوجبات المجانية سيرتفع حسب التقرير ما بين 48 إلى 60% في السنوات القادمة.

 

ومع استمرار سونامي هذا الوباء فترة زمنية أطول، حتماً سيزيد معه الوضع سوءاً وتدهوراً، وسترتفع أعداد الفقراء والمساكين، والجوعى والمشردين، وتتفاقم أحوال الناس المعيشية ضعفاً يوماً بعد يوم، وبذلك ستشتد عملياً صعوبة التقيد بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة ليس على الدول الفقيرة والمستضعفة فحسب وإنما ستعاني الدول الغنية والمتطورة على حدٍ سواء من تداعيات هذا الوباء العقيم ومن عدم قدرتها على الإلتزام بتطبيق أهداف التنمية المستدامة بحلول 2030.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق