الأربعاء، 5 أغسطس 2020

متى وأين ولد فيروس كورونا؟

أسئلة كثيرة حيَّرت العلماء، وبخاصة علماء الفيروسات والأوبئة، منذ انكشاف وتفشي فيروس مرض كورونا بشكلٍ علني في مدينة ووهان بالصين قبل أكثر من تسعة أشهر.

 

ومن هذه الاستفسارات التي تُثار دائماً ودوخت الجميع حتى يومنا هذا هي:

أولاً: متى ولد فيروس كورونا؟، وثانياً: أين ولد وأين مسقط رأسه؟ فهل هو فعلاً مدينة ووهان حيث الظهور الأول والعلني والرسمي للفيروس، أم مدن أخرى حول العالم؟

 

فأما الراوية الرسمية التي يتداولها ويقتنع بها الكثير من الناس من علماء وسياسيين ومن العامة، فهي أن فيروس كورونا أُكتشف في مقاطعة هوبي(Hubei) في مدينة ووهان الصينية(Wuhan) في نهاية شهر ديسمبر من العام المنصرم في بعض السكان الصينيين الذين زاروا سوقاً للأسماك وبيع الأحياء الفطرية البرية النادرة والمهددة بالانقراض يُعرف بسوق هونان للمأكولات البحرية(Huanan Seafood Market)، حيث انتقل الفيروس من الخفاش، أو من حيوان وسيط آخر إلى الإنسان مثل الأفاعي أو آكل النمل الحرشفي أو القطط أو غيرها، ومن هناك بدأ الفيروس في غزو أجسام البشر في المدن الصينية الأخرى، وأخذ بسرعة البرق في الزحف والانتقال عبر الحدود الجغرافية البرية والبحرية، حتى بلغ كل دول العالم بدون استثناء، ودخل في أجسام أكثر من 13 مليون إنسان.

 

ومع استمرار وقوع هذا الوباء العقيم على المجتمع البشري، ومع استمرار حفر بصماته القوية في جسد الناس، ظهرت روايات وآراء أخرى جديدة تُناقض هذه الرواية الرسمية، وتُقدم الأدلة العلمية والميدانية على عدم صحتها، أو في الأقل تُشكك في مصداقيتها وواقعيتها وأنها ليست النظرية الوحيدة في الساحة الدولية حول تاريخ ومكان ولادة فيروس كورونا.

 فقد كشفت صحيفة تَصْدر في هونج كونج هي(South China Morning Post) في 21 مارس استناداً إلى معلومات من الحكومة الصينية بأن أول حالة تم اكتشافها في مدينة ووهان قد تكون في 17 نوفمبر 2019 لمريض عمره 55 عاماً تعرض لفيروس غامض جديد غير معروف الهوية والمصدر، ثم أخذت هذه الحالات المرضية المشابهة في الازدياد رويداً رويدا حتى وصلت في 15 ديسمبر إلى 27، ثم في 20 من الشهر نفسه إلى 60 حالة مرضية، وأخيراً في 27 ديسمبر تضاعفت أعداد المصابين إلى 180 حالة، وهكذا بدأت الأعداد تتعاظم بشكلٍ مطرد غير مسبوق.

كما نشرت كلية الطب بجامعة هارفرد الأمريكية دراسة في 12 يونيو من العام الجاري تحت عنوان: "دراسة تحليلية للحركة في دخول وخروج الناس من المستشفى تشير إلى أن المرض بدأ منذ خريف 2019"، حيث قامت هذه الدراسة باستخدام صور الأقمار الصناعية بتقييم وتحليل أنماط وأعداد دخول وخروج الصينيين من ستة مستشفيات، وأشارت إلى أن مرض فيروس كورونا قد بدأ بالتفشي فعلياً في مدينة ووهان في أغسطس 2019، أي قبل الإعلان الصيني الرسمي عن هذا المرض الجديد بنحو خمسة أشهر.

كذلك نُشرت دراسة في مجلة الطبيعية في 20 مايو من العام الجاري وقدَّمت دليلاً جديداً على أن سوق ووهان للأسماك، أو مدينة ووهان نفسها ليست هي المصدر الوحيد أو المنبع الوحيد للعدوى من الفيروس، حيث إن الباحثين اكتشفوا فيروس كورونا جديد(clades) مختلف عن الفيروس الموجود في المرضى الذين لهم علاقة بالسوق، وذلك بعد أن جمعوا وحللوا عينات من 326 مريضاً في شنغهاي. كما أكد علماء من جامعة كامبريدج على هذه النتيجة حيث نشروا دراستهم في المجلة الأمريكية "وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم" في يونيو، إضافة إلى أن هذه الدراسة قدَّمت تصوراً جديداً لتاريخ ولادة الفيروس في الصين،  وأشارت إلى أن أول حالة مرضية قد كانت في 13 سبتمبر 2019.

 

ومن الصين جاءت دراسات من أطباء فرنسيين نُشرت في الأول من مايو من العام الجاري، وأفادوا بأن مرض فيروس كورونا قد دخل فعلياً إلى فرنسا في 27 ديسمبر 2019، وليس في 24 يناير حسب المعلومات الرسمية، وقد وصلوا إلى هذه النتيجة من خلال عينات دم لمريض ظهرت عليه أعراض تشبه الإنفلونزا وقد كان بالفعل مصاباً بفيروس كورونا. كما تناقلت وسائل الإعلام البريطانية في السابع من يوليو من العام الجاري دراسة أجرتها جامعة أكسفورد العريقة والتي تُشكك في مصدر الفيروس، حيث أشارت إلى أن المدينة الصينية ووهان قد لا تكون مصدر الفيروس الذي تفشي في كل شبر من أنحاء العالم، وأن هذا الفيروس العقيم كان موجوداً قبل ديسمبر 2019. وقد قامت الدراسة بتقديم أدلتها العلمية الميدانية على هذا الادعاء، وبالتحديد من خلال قيام بعض الدول بتحليل عينات من مياه المجاري التي كانت مجمدة لأشهر ماضية في مختبرات هذه الدول. فعلى سبيل المثال، اكتشف العلماء فيروس كوفيد_19(SARS-CoV-2) في عينات أخذت من مياه المجاري في مدينة برشلونه الإسبانية في 12 مارس 2019، أي قبل نحو 9 أشهر من أول ظهور له في الصين وقبل تسجيل أول حالة رسمية في إسبانيا في 25 فبراير، كما أعلن المعهد القومي الإيطالي للصحة في مدينتي ميلان وتورن في مارس من العام الجاري عن اكتشاف الفيروس في مياه المجاري في عينات أخذت في 18 ديسمبر 2019، أي قبل تسجيل الحالة الأولى في إيطاليا في منتصف فبراير.

كذلك أكد العلماء المختصون في البرازيل من خلال تحليل عينات لمياه المجاري أُخذت في 27 نوفمبر 2019 عن وجود فيروس كورونا في هذه العينات، مما يعني بأن الفيروس كان متفشياً في المجتمع البرازيلي قبل أكثر من ثلاثة أشهر من الإعلان رسمياً عن الحالة المرضية الأولى في البرازيل.

وأخيراً أفاد مكتب منظمة الصحة العالمية الإقليمي في روسيا في 13 يوليو بأن فيروس كورونا كان موجوداً قبل تفشيه في مدينة ووهان الصينية، فهو كان يعيش في الحيوانات، ثم انتقل إلى الإنسان عندما كانت الظروف مناسبة، والأحوال البيئية تتوافق وتساعد نمو الفيروس وتكاثره.

وبهذا الاستعراض التحليلي السريع لأهم الدراسات والبحوث حول تاريخ ومكان ولادة الفيروس نجد بأن هناك نظريات وروايات جديدة بدأت تظهر مع الوقت وتختلف عن الرواية الرسمية الواسعة الانتشار بين الناس، ومع مرور الأيام ستنكشف حتماً نظريات أخرى، وستظهر آراء جديدة قد تُقدم الأدلة الدامغة والموثوقة التي تحدد تاريخ ميلاد فيروس كورونا الجديد ومسقط رأسه، وتجيب في الوقت نفسه عن أسئلة كثيرة أخرى غامضة لا نعرفها عن هذا الفيروس الخبيث.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق