السبت، 11 فبراير 2023

الحيوانات جهاز إنذار حيوي مبكر للزلازل

يقول معظم العلماء بأن عقل الإنسان لم يتوصل حتى الآن إلى توقع نزول الزلزال في أي مكان على سطح الأرض بشكلٍ دقيق وموثوق قبيل وقوعه بفترة كافية من الزمن لتجنب الدمار الذي يُلحقه بالبشر، ولم ينجح الإنسان حتى يومنا هذا في اختراع جهازٍ شديد الحساسية يمكن أن يوضع في أي مكان فيتوقع ويكتشف حدوث الزلزال قبل فترة زمنية تفيد الإنسان في اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتجنب الخسائر البشرية وفي البنية التحتية.

ولكن سمعتُ الكثير عن أن مراقبة سلوك وتصرفات الحيوانات قد يكون بمثابة جهاز إنذار مبكر لاحتمالية وقوع الزلزال، فالكثير من الروايات والنظريات تفيد بأن الحيوانات تستشعر وجود تغيرات حولها فتقوم كردة فعل لذلك في تغيير سلوكها وتصرفاتها قبيل وقوع هذه التغيرات وهي قرب وقوع الزلزال، فتقوم هذه الحيوانات تلقائياً بتصرفات غريبة غير طبيعية لا تقوم بها في الظروف العادية، أي أن الحيوانات لها أعضاء حساسة غير موجودة عند البشر تكشف وتتوقع حدوث الزلزال قبيل أن يضرب البشر. وفي هذا السياق نُشر مقال في صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية في السابع من فبراير 2023 تحت عنوان: "هل الحيوانات في تركيا وسوريا استشعرت مبكراً الزلزال"، حيث يورد المقال معلومات من وسائل الاتصال الاجتماعي في تركيا بأن الناس شاهدوا قبيل الزلزال الذي ضرب تركيا بقوة عظيمة بأن الطيور تطير بطريقة عشوائية غير طبيعية فوق المباني التي سقطت وتدمرت، كما أنهم سمعوا عواء الكلاب بصوتٍ مرتفع لم يعهدوه من قبل.

فماذا يقول العلم حول هذه المظاهر الغريبة للحيوانات قبيل الزلزال، فهل هي حقيقة واقعة أم مجرد صدفة وتكهنات؟ وماذا تقول أبحاث العلماء حول دور الحيوانات في الإنذار والكشف المبكر لوقوع الزلزال؟ وما هو رأي العلماء حول تغير تصرفات الحيوانات قبيل حدوث الزلزال؟ وهل هناك دليل علمي ميداني يثبت وجود هذه العلاقة بين تغير سلوك الحيوانات واحتمال وقوع الزلزال؟ 

للإجابة عن هذه الأسئلة قمتُ بإجراء دراسة قصيرة وسريعة لبعض الأبحاث المنشورة التي تتناول دور الحيوانات في التنبؤ بوقوع الزلزال. فعلى سبيل المثال، نُشرت دراسة في الصين في عام 2006 في مجلة "نشرة جمعية علم الزلازل الأمريكية"(Bulletin of the Seismological Society of America) تحت عنوان: "تنبؤ زلزال عام 1975 في هايشنج"، حيث أشارت الدراسة إلى بعض المشاهدات ولمرة واحدة فقط، وهي خروج الأفاعي والفئران من مخابئهم في فصل الشتاء قبيل أن يضرب الزلزال هذه المدينة الصينية، وهذا السلوك اعتبره العلماء والمراقبون لهذه الحيوانات بأنه تصرف غير طبيعي ونادر الوقوع جداً في الظروف العادية الطبيعية.

كما نُشرت دراسة في 17 أبريل 2018 في مجلة "نشرة جمعية علم الزلازل الأمريكية" تحت عنوان: "مراجعة: هل تستطيع الحيوانات توقع الزلازل"، حيث قامت الدراسة بحصر وتقيم وتحليل 180 بحثاً منشوراً حول هذه الظاهرة المتعلقة بتغير سلوك وتصرفات الحيوانات قبيل الزلزال. وقد توصلت الدراسة إلى استنتاجٍ عام وهو أنه بالرغم من توثيق بعض الدراسات لحالات وسلوكيات غريبة غير طبيعية لبعض الحيوانات دقائق قليلة قبل وقوع الزلزال، إلا أن هناك حاجة للمزيد من الأدلة العلمية "الكمية" قبل الوصول إلى استنتاج علمي موضوعي موثوق.

كذلك أصدرتْ وزارة الداخلية الأمريكية الممثلة في "هيئة المسح الجيولوجي"(U.S. Geological Survey) تقريراً تحت عنوان: "الحيوانات والتنبؤ بالزلازل"، حيث قدَّمت تفسيراً للتصرفات الغريبة للحيوانات قبل ثوان من الزلزال، والذي يتمثل في قُدرتها على الكشف والتمييز بين نوعين من موجات الزلازل، الموجات الأولية أو الابتدائية القصيرة التي تصدر أولاً عن الزلزال، وتُعرف بموجات "بي" (P wave)، والتي تسير بسرعة تبلغ عدة كيلومترات في الثانية من مركز ومصدر الزلزال، وهي التي تستطيع الحيوانات استشعارها وتحسس وجودها والقيام بردة فعل نتيجة لذلك، ثم الموجات الثانية أو الثانوية التي تلي الموجات الأولى ويُطلق عليها موجات "إس" الكبيرة (S wave)، وهي أقوى وأشد وتهز الأرض. وخلاصة فقد استنتج التقرير إلى هناك حاجة إلى القيام بالمزيد من الدراسات العلمية الطويلة المدى، ولعدة حالات من أجل الوصول إلى نتائج موضوعية وذات مصداقية وثقة عالية.

وأخيراً هناك الدراسة الألمانية التي قام بها "معهد ماكس بلانك لسلوكيات الحيوانات"، والمنشورة في الثالث من يوليو 2020 في المجلة الدولية حول سلوك الحيوانات(International Journal of Behavioral Biology, Ethology)، تحت عنوان: " التنبؤ بالزلازل على المدى القصير من خلال مراقبة حيوانات المزرعة". ففي هذه الدراسة قام الباحثون بوضع جهاز إلكتروني يشبه الهاتف النقال على الأبقار، والكلاب، والأغنام في مزرعة إيطالية في قرية (Capriglia) بهدف المراقبة والمشاهدة المستمرة عن بعد لتحركات وتصرفات هذه الحيوانات قبل أشهر من احتمال وقوع الزلزال في المنطقة. وقد أُجريت الدراسة في الفترة من أكتوبر إلى نوفمبر 2016، ثم في الفترة من يناير إلى أبريل 2017، حيث وثقت جميع التغيرات في سلوكيات الحيوانات قبل، وأثناء، وبعد وقوع الزلزال، ولمدة أشهر طويلة. وأفادت نتائج المراقبة لسلوك الحيوانات بأنها أبدت وأظهرت سلوكاً "نشطاً" غير عادي قبل الزلازل بنحو ساعة إلى عشرين ساعة، ولكن كانت هناك فروقاً في درجة النشاط والحركة بين الحيوانات والإحساس للهزات الأرضية، ونوعية ردة فعلهم قبل وبعد وقوع الزلزال، فقد كانت هذه الحيوانات تتحرك لأكثر من 45 دقيقة من غير توقف. وقد أوصت الدراسة إلى إجراء المزيد من الدراسات الطويلة المدى وفي مواقع مختلفة للوصول إلى استنتاجات قوية ودامغة تدل على وجود علاقة بين تصرفات الحيوانات بشكلٍ غير عادي وغير طبيعي وترقب وقوع الزلزال.

ومن هذا العرض والتحليل السريع لبعض الدراسات، أستطيع القول بعدم وجود أدلة علمية متواترة حول علاقة حدوث أي تغير في سلوك الحيوانات بوقوع الزلزال، فلا زلنا بعيدين كثيراً عن الوصول إلى إجماع علمي حول هذا المجال البحثي المعقد والصعب إثباته.

هناك تعليق واحد:

  1. مقال ممتاز جدير بالمتابعة وسبحان عظمة خالق الانسان و الحيوان

    ردحذف