الأحد، 18 يونيو 2023

تحذيرات القادة والعلماء من الذكاء الاصطناعي

الذكاء الاصطناعي في صورته البدائية البسيطة والأقل تعقيداً وصعوبة هو التطبيقات التي يحْمِلها ويخزنها هاتفك النقال في ذاكرته، وتستخدمها بشكلٍ يومي دون انقطاع. فعلى سبيل المثال، عندما تريد أن تكتب رسالة قصيرة باستخدام هاتفك الخلوي، وتبدأ بكتابة حرفٍ أو حرفين فإن برنامج الذكاء الاصطناعي الموجود في هاتفك يقدم لك خيارات وبدائل على كلمات تناسب معنى الحرفين، أو إذا كتبتَ كلمة واحدة فقط فالبرنامج يقدم لك جُملاً وعبارات تحمل الفكرة والمعنى نفسه. وفي بعض الحالات فإن الهاتف يحفظ العبارات والجمل التي تكتبها دائماً، فإذا كتبتَ أول كلمة من هذه الجمل والعبارات، فإن الذكاء الاصطناعي يوفر لك العبارة المخزنة عنده والتي استخدمتها في المرات السابقة.

 

ولكن الذكاء الاصطناعي تَطَور ونما بدرجةٍ كبيرة جداً وأكثر تعقيداً، واتسعت وامتدت مجالاته وتطبيقاته لتشمل كافة مناحي الحياة اليومية، فتخطى بذلك توقعات البشر، وبالتحديد الذين صنعوه وأنتجوه أنفسهم، فتقدم بخطى سريعة جداً وفي مجالات حساسة أمنية وعسكرية دقيقة وفي غاية السرية وتمس حياة وأمن الإنسان بشكلٍ مباشر، بحيث إن الإنسان قد يفقد السيطرة عليه، فلا يمكنه التحكم في تصرفاته وممارساته ضد الإنسان نفسه.

 

فهذا التقدم السريع غير المحسوب وغير المسبوق في تاريخ البشر، بات الآن يخوف الإنسان في تداعياته المستقبلية على الإنسانية برمتها والتهديدات التي قد يمثلها على استدامة حياة الإنسان، حتى إنني في الآونة الأخيرة قرأتُ تصريحات وتحليلات كثيرة من مصادر مختلفة وعلى جميع المستويات والتخصصات، فمنها تصريحات من رجال السياسة والنفوذ على المستوى الدولي، ومنها تقارير ومقالات من أهل العلم والخبرة والاختصاص في إنتاج هذه العقل الاصطناعي البديل. وهذه التصريحات والتحليلات الأولية تشير إلى احتمالية وقوع تهديد أمني خطير من هذه التقنية الجديدة على المجتمعات البشرية، فتُحذر من تأثيراتها العامة الشاملة، وكأنها تحولت إلى قنبلة دمار شامل ستنزل على البشرية جمعاء.

 

فعلى سبيل المثال، جاء تصريح مُفزع من رأس أعلى هرم سياسي وتنفيذي في العالم، وهو الرئيس الأمريكي جو بايدن في الأول من يونيو 2023، حيث قال في كلمة ألقاها في حفل تخريج طلاب أكاديمية القوات الجوية، "إنني التقيتُ 8 أفضل علماء في مجال الذكاء الاصطناعي، وبعضهم قلق جداً بأن الذكاء الاصطناعي في الحقيقة قد يتخطى تفكير وتخطيط الإنسان، ولذلك لدينا الكثير للتعامل معه"، علماً بأن بايدن التقى في البيت الأبيض في الخامس من مايو 2023 الرؤساء التنفيذيين للشركات الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي للتحاور معهم حول أمن وسلامة منتجات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، والتأكد بأنها آمنة للاستخدام من قبل عامة الناس قبل تسويقها للجميع. ولذلك خصص البيت الأبيض 140 مليون دولار لتأسيس أجهزة بحثية مختصة بالذكاء الاصطناعي تحت مظلة "المؤسسة القومية للعلوم". وتهدف هذه الأجهزة إلى دراسة الجوانب الأخلاقية لهذه التقنية الحديثة المتغلغلة في كل مجالات ودقائق حياتنا، والعمل على تطوير هذه التقنية بشكل مسؤول خدمة لعامة الناس، إضافة إلى وضع أسس وقواعد وسياسات عامة تنظم هذه التقنية وتقنن استخدامه وتسويقه.

 

 كما أن منظمة "مركز أمان الذكاء الاصطناعي"( Center for AI Safety) ممثلة في  مئات العلماء والتنفيذيين لصناعة التكنلوجيا، مثل جوجل، وميكروسوفت، وشخصيات عامة أخرى، أرسلوا بياناً تحذيرياً عاماً حول الذكاء الاصطناعي في السادس من يونيو 2023، وجاء في البيان الذي وقعه 350 شخصية مرموقة كل في مجاله وتخصصه: "التخفيف من خطر الانقراض بسبب الذكاء الاصطناعي يجب أن يكون أولوية دولية إلى جانب المخاطر المجتمعية الأخرى كالأوبئة والحرب النووية".

 

 كذلك جاء التحذير من الأب الروحي للذكاء الاصطناعي "جيفري هنتون"( Geoffrey Hinton) الذي وضع أساسيات أحد التطبيقات والبرامج الرائدة لشركة جوجل في مجال الذكاء الاصطناعي والمعروف ببرنامج( OpenAI's ChatGPT)، فأنتج هذا العالم وغيره من العلماء ما لم يتوقعه أحد، ولم يخطر على بالهم، وهو أن أنظمة الذكاء الاصطناعي أصبحت أكثر ذكاء وقدرة من عقل الإنسان، بل وتفوقت عليه. فهذا العالم بعد أن خاض هذه التجربة الفريدة لأكثر من عقد من الزمان وسبر غور هذه التقنية المخيفة، وتعرف عن كثب على الغول الذي أنتجه وصنعه بيديه، انتابه مس شديد من الرعب والخوف مما قد يقوم به هذا الغول العظيم من فقدان السيطرة عليه والتحكم في ما قد يقوم به، فاستقال من منصبه كنائب رئيس في شركة "جوجل" ليستطيع التحدث بحرية للجمهور حول مخاطر الذكاء الاصطناعي، وضرورة كبح جماح هذه التقنية الحديثة السرية والمعقدة قبل فوات الأوان، فيُحذر هذا العالم من أهمية ترويض هذا الغول العملاق المفترس الذي تجذر وبسرعة فائقة في أعماق المجتمعات البشرية في كل أنحاء المعمورة، ولا يعلم أحد قدراته على الاختراق في العقل البشري والهدم والفساد العام.

 

وفي المقابل أكد مستشار رئيس وزراء بريطانيا للذكاء الاصطناعي "مات كليفورد"( Matt Clifford) في الخامس من يونيو 2023 بأن أنظمة الذكاء الاصطناعي ستكون فاعلة وقوية، وقال: "ستكون هناك تهديدات فعلية خطيرة جداً للبشر وبإمكانه قتل الكثير من الناس...والتوقعات خلال سنتين". وفي الوقت نفسه نشرت "وزارة الدولة للعلوم والابتكار والتكنلوجيا" في بريطانيا، مكتب الذكاء الاصطناعي، تقريراً في 29 مارس 2023 تحت عنوان: "مدخل مساند للابتكار في تنظيم الذكاء الاصطناعي". وهذا التقرير الذي تم عرضه على البرلمان البريطاني يحتوي على سبعة أجزاء منها الملخص التنفيذي، والمقدمة، ثم النظام الحالي، والجزء الثالث تناول موضوع مدخل الابتكار في مناقشة الذكاء الاصطناعي والأدوات المستخدمة في التنفيذ، والجزء السابع قدَّم أهم الاستنتاجات والخطوات المستقبلية، إضافة إلى ملحقين. وقد وردت تحذيرات واضحة في فقرة "الملخص التنفيذي" لهذه التقنية والمخاطر والتهديدات المستقبلية التي قد يُشكلها، حيث جاء فيه: "المخاطر تتضمن أي شيء بدءاً من الضرر الجسدي، وتهديد الأمن القومي، إضافة إلى المخاطر على الصحة العقلية. كما يمكن أن يمثل تطوير وتمكين الذكاء الاصطناعي تحديات أخلاقية لا توجد لها إجابات واضحة".

 

أما على المستوى الدولي الجماعي المشترك فقد بدأت المبادرة للتصدي لظاهرة تغلغل الذكاء الاصطناعي في قمة الدول الصناعية السبع الكبرى في مدينة هيروشيما اليابانية في مايو 2023 حيث أَعلنتْ القمة عن تدشين "عملية هيروشيما للذكاء الاصطناعي"( Hiroshima AI Process)، وذلك بهدف تنظيم هذه التقنية، وتحديد مدخل جماعي للعمل في هذا المجال، إضافة إلى وضع سياسات للتعامل معه وتنسيق العمل والجهود الدولية في مجال حوكمة الذكاء الاصطناعي. وقد تزعم رئيس وزراء بريطانيا هذه المبادرة الدولية حيث طرح فكرة تنظيم قمة دولية في الخريف القادم في العاصمة البريطانية، ونال مباركة الرئيس الأمريكي بايدن في الاجتماع الذي عُقد في البيت الأبيض في الثامن من يونيو 2023 تحت مسمى اتفاقية عريضة أُطلق عليها "إعلان أتلانتيك"(Atlantic Declaration)، وهي اتفاقية اقتصادية بين بريطانيا وأمريكا، وتشتمل على التعاون والتنسيق في مجال الأبحاث والاستثمارات في الذكاء الاصطناعي.

 

فالذكاء الاصطناعي، كباقي التقنيات والبرامج شديدة التقدم والتطور هو من عقل وجهود الدول المتقدمة، ولذلك فهي التي تسيطر عليه كلياً، وهي التي تخطط في توجهاته، وتتحكم في تطبيقاته المستقبلية، وترسم السياسات والأنظمة العامة لاستخدامه، ونحن في الدول النامية كالعادة نتلقى فقط ونستقبل كل هذه التوجهات المفروضة علينا دون أن تكون لدينا القدرة على التغيير فيها، أو تكون عندنا الإمكانات والخبرات العلمية التقنية لتكييفها لتتناسب مع دولنا ومجتمعاتنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق