الجمعة، 30 يونيو 2023

أين ذهبتْ أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة؟


ألقى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش كلمة في قمة "ميثاق التمويل العالمي الجديد" التي عُقدت في باريس في 22 يونيو 2023 وتهدف إلى البحث في طرق تعديل النظام المالي العالمي من خلال إصلاح بنوك التنمية العالمية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، إضافة على المساعدة على مواجهة تداعيات الفقر والتغير المناخي، حيث دعا ضمن كلمته إلى عدة أمور منها توفير 50 مليار دولار سنوياً لتحقيق "أهداف التنمية المستدامة".

وفي الحقيقة فقد ذكَّرني الأمين العام للأمم المتحدة بأهداف التنمية المستدامة التي وافقت عليها الدول قبل أقل من عقدٍ من الزمن، والآن أكل عليها الدهر وشرب، ونستها الأمم والشعوب والحكومات وأصبحت حالياً في غرفة الإنعاش تقاسي من آلام وسكرات الموت، وتعاني من الساعات الأخيرة لمفارقتها للحياة، ثم دفنها في مقبرة الكثير من اتفاقيات ومعاهدات وبروتوكولات الأمم المتحدة الحالية التي لا تعد ولا تحصى، كما إنه أيضاً بين الحين والآخر تُضاف معاهدة جديدة إلى مستودع المعاهدات ومخزن الاتفاقيات والجهود الأممية غير الفاعلة، وآخرها معاهدة "التنوع الحيوي خارج نطاق القضاء القومي" في 12 يونيو 2023. وهذه المعاهدة تهدف إلى حماية الحياة البحرية في أعالي وأعماق البحار، وتمخضت عن مفاوضات عقيمة، وجهود كبيرة أُهدرت، وأموال أنفقت وضُيعت على مدى نحو 20 عاماً. ولذلك فهذا المبلغ الذي اقترحه الأمين العام هو لإنقاذ خطة "أهداف التنمية المستدامة"، وعلاج أزمة ضعف وعزوف دول العالم عن تنفيذها، والإنفاق على إخراجها من حالة الطوارئ الصحية التي وُضعت فيها.

وقد جاءت تقارير الأمم المتحدة التي تتناول تنفيذ هذه الأهداف التنموية التي يبلغ عددها 17 هدفاً في الجانب البيئي والاقتصادي والاجتماعي، سواء على المستوى الدولي أو الإقليمي أو القومي، مشيرة إلى ضعف دول العالم في تحقيق كل هذه الأهداف على حدٍ سواء، مثل التقرير الرابع المنشور في عام 2019 تحت عنوان: "العِلْم لتحقيق التنمية المستدامة: المستقبل الآن"(The Future is Now: Science for Achieving Sustainable Development)، إضافة إلى التقرير الأخير والخامس المنشور في 14 يونيو 2023 تحت عنوان: "التنمية المستدامة الدولية: التقرير الخامس"( Global Sustainable Development Report). فعلى سبيل المثال، أكد التقرير الأخير أن حالة تنفيذ الدول لأهداف التنمية المستدامة قد ساءت خلال الخمس سنوات الماضية، بل وإنه بالنسبة لبعض الأهداف فإن العالم اتجه عكسياً وتأخر كثيراً في تحقيقها، مثل استئصال الفقر المدقع، ومواجهة ومكافحة التغير المناخي، وحماية التنوع الحيوي، وخفض الإنفاق العسكري على الأسلحة. وهذا التباطء والتأخير في تحقيق الأهداف يؤدي في الوقت نفسه إلى عدم اللحاق بتطبيق جدول أعمال 2030، أو أجندة 2030 التي وافقت عليها كل دول العالم.

وعلاوة على هذه التقارير الأممية، فهناك دراسات علمية تحليلية منشورة في مجلات مُحَكَّمة قد توصلت إلى النتيجة نفسها. فعلى سبيل المثال، نَشرت مجلة "الطبيعة" الدولية المعروفة دراسة في 20 يونيو 2023 تحت عنوان: "فشل خطة العالم لجعل الإنسانية مستدامة. العِلْم يستطيع العمل أكثر لإنقاذها"، حيث خلصت الدراسة إلى استنتاج مهم جداً هو أن "أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة تتجه نحو الصخور"، كما أن هذه المجلة المرموقة ستُخصص منذ سبتمبر القادم سلسلة من المقالات التحريرية حول حال تنفيذ وتحقيق أهداف التنمية المستدامة وأسباب الفشل في تطبيقها على أرض الواقع.

ولذلك في تقديري فإن هناك جانبين أود طرحهما بالنسبة لأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة. أما الجانب الأول فهو أن سرعة تحقيق هذه الأهداف التنموية على كافة المستويات منذ تدشينها لا تتواكب مع سرعة وحجم تداعيات وانعكاسات هذه القضايا التي تعالجها على الإنسان وبيئته والمجتمع البشري بشكل عام، فالتداعيات العصيبة على وقعت لهذه الأهداف تقدمت كثيراً على عملية تحقيق المجتمع الدولي لها، مثل الاستمرار في ظاهرة الفقر المدقع حول العالم، ووقوع ظاهرة التغير المناخي وسرعة انكشاف مردوداتها كالزيادة المطردة في سخونة الأرض والتي زادت حتى الآن عن 1.1 درجة مئوية، وفي طريقها إلى بلوغ درجة كارثية على الأرض ومن عليها وهي 1.5 درجة مئوية، إضافة إلى ارتفاع حرارة وحمضية مياه البحار وارتفاع مستوى سطح هذه البحار وحدوث الفيضانات المهلكة للحرث والنسل والحجر والشجر، إضافة إلى اتساع دائرة حرائق الغابات وزيادة تكرار وقوعها ومساحتها، والزيادة المطردة سنوياً في الموجات الحرارية الصيفية. 

والجانب الثاني فهو الجهد المتواصل والكبير الذي بُذل خلال الثلاثين سنة الماضية والأموال الباهظة التي أنفقتها الأمم المتحدة وحكومات الدول والمنظمات الأهلية، كلها تفوق كثيراً الفائدة التي سيُجنيها الإنسان وبيئته والمجتمع الإنساني برمته من وضعه هذه الأهداف التنموية، أي في تقديري فإن هذه الأموال التي صرفت والجهود التي ضيعت على وضع الأهداف كانت أكثر جدوى وفاعلية وفائدة، لو أنفقتها الدول منذ الثلاثة عقود مباشرة على التنمية على المستوى القُطري.

ولكي تعرفوا حجم هذا الجهد البدني والعقلي والمال الذي أُنفق على وضع هذه الأهداف، أُقدم لكم تاريخ نشؤ فكرة هذه الأهداف التنموية، وكم سنة استغرقت حتى تولَّدت هذه الأهداف وتمت الموافقة عليها وعلى تنفيذها.

 فقد بدأت الخطوة الأولى في القمة البيئية التاريخية، قمة الأرض التي عقدت في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية في يونيو 1992، وفي هذه القمة وضعت اللبنة الأولى لبناء أهداف التنمية المستدامة، حيث تمخض عنها جدول أعمال القرن الحادي والعشرين(أجندة 21)، وهي خطة عمل شاملة لتحقيق التنمية المستدامة بأركانها الثلاثة، الركن البيئي والاقتصادي والاجتماعي، ثم في سبتمبر 2000 تم اعتماد "إعلان الألفية"، ومنها تطوير "أهداف التنمية الألفية"( Millennium Development Goals) التي تكونت من 8 أهداف من أهمها استئصال الفقر بحلول عام 2015. وفي مدينة جوهنسبرج بدولة جنوب أفريقيا حيث عُقدت القمة الدولية حول التنمية المستدامة تم الإعلان في عام 2002 عن خطة عمل لتنفيذ التنمية المستدامة وإعادة التركيز على محاربة الفقر وحماية البيئة.

ثم جاء اجتماع ريو_20، أو مؤتمر الأمم المتحدة حول التنمية المستدامة في يونيو 2012، أي بعد عشرين عاماً من قمة الأرض، حيث وافقت الدول على ما تمخض من تقرير "المستقبل الذي نريد" من استنتاجات وتصورات، ومن بينها البدء في عملية تطوير "أهداف التنمية المستدامة" والبناء على الجهود المشابهة السابقة، منها "أهداف الألفية". وفي عام 2013 قامت الجمعية العمومية للأمم المتحدة بتكليف مجموعة عمل مفتوحة لتطوير هذه الأهداف، وفي سبتمبر 2015 تبنت دول العالم جدول أعمال 2030 للتنمية المستدامة الذي احتوى على 17 هدفاً، أي أن على دول العالم الانتهاء من تحقيق هذه الأهداف بحلول عام 2030.

ولذلك فإن فشل دول العالم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة يتماشى ويتطابق مع فشل تنفيذ الكثير من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية وعدم فاعليتها في علاج المشكلات الدولية المشتركة على وجه السرعة والفاعلية. وفي تقديري فإن هناك عدة أسباب لهذه الظاهرة، منها بطء وتعقيد آلية اتخاذ القرار في منظمات الأمم المتحدة، حيث إنها تعتمد عادة على إجماع الدول، ومنها أن المعاهدات تأخذ وقتاً طويلاً لترى النور، فهي بعد التفاوض حولها لسنوات عجاف، والتوقيع عليها من الدول، فإنها تأخذ وقتاً طويلاً للمصادقة عليها ودخولها حيز التنفيذ. كذلك من الأسباب الرئيسة لفشل وضعف تنفيذ المعاهدات الأممية هي عدم وجود أدوات حازمة وفاعلة لمراقبة تنفيذ الدول لتعهداتها والتزاماتها، إضافة إلى عدم وجود آليات للمحاسبة والعقوبة للدول التي لا تطبق بنود المعاهدة، فهي في نهاية المطاف طوعية وليست الزامية.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق