الخميس، 15 مارس 2012

العميل البرتقالي


العميل البرتقالي تلألأ نجمه وذاعت شهرته أثناء الحرب الأمريكية على فيتنام، ولكن نجومية هذا العميل لم تأْفل بعد، فهذا العميل مازال على لسان المسئولين في الدول التي شاركت في الحرب، ومازالت وسائل الإعلام تتذكره وتكتب عنه، ومازالت المحاكم الأمريكية تكتظ بالدعاوى المرفوعة ضد العميل البرتقالي حتى يومنا هذا.

فالعميل البرتقالي أُطلق على نوعٍ من المبيدات استخدمه الجيش الأمريكي، ورش بالطائرات ملايين الجالونات فوق الغابات الكثيفة التي كان يختبئ بداخلها المقاومين الفيتناميين، فيقوم هذا المبيد بالقضاء على هذه الغابات فينكشف المحارب الفيتنامي من تحتها، فيقومون بقتله بالطائرات العمودية أو الجنود الأمريكيين المشاة الذين يتربصون خروجه من مخبئه.

وتتمثل خطورة هذا العميل في احتوائه على ملوثٍ خطير جداً، ويُعد هذا الملوث الذي يُعرف علمياً بمركبات “الديكسين” من أشد المركبات الكيميائية سُمية وتدميراً لصحة الإنسان، فهي ملوثات ثابتة لا تتحلل، وبالتالي لها القدرة على التراكم في مكونات البيئة ثم الانتقال إلى أعضاء جسم الإنسان والتركيز في الشحوم والدهون وإصابته بأمراض مزمنة.

ولذلك فإن هذا العميل الذي قتل الفيتنامي أثناء الحرب، أصبح الآن يُمِيت الأمريكي بعد انتهاء الحرب ولكنه موتاً بطيئاً وبعد معاناة طويلة مع المرض، وبات هذا العميل يُشكل كابوساً مرعباً يلاحق أمريكا والجنود الذين تعرضوا له، سواء أكانوا محاربين أو جنود آخرين يقومون بعمليات فتح براميل العميل البرتقالي أو التخلص منه بعد الانتهاء من استعماله في قواعد عسكرية في اليابان أو الفيتنام، بل وإن هذا العميل البرتقالي شكل تهديداً لصحة المواطنين الأمريكيين الذين كانوا يعيشون بالقرب من المصنع الذي ينتج هذا المبيد الخطر.

أما في اليابان فقد كشفت الصحف اليابانية مثل صحيفة اليابان تايمس عن أقوال شهود عيان من الجنود الأمريكيين عن وجود براميل العميل البرتقالي التي تم شحنها من فيتنام ودفنها في مواقع عسكرية أمريكية في جزيرة أوكيناوا اليابانية في فترة الستينيات والسبعينيات من القرن المنصرم، عندما كانت تحت الاحتلال الأمريكي.

وقد قام هؤلاء الجنود الذين تعرضوا للديكسين أثناء تفريغ ونقل ودفن مئات البراميل من العميل البرتقالي برفع دعوى قضائية لتعويضهم للأضرار الصحية التي لحقت بهم، حيث وافقت وزارة شؤون المحاربين القدماء الأمريكية على تعويضهم مالياً وعلاجهم صحياً. ونظراً لكثرة الدعاوى المرفوعة حول هذه القضية، فقد قامت أمريكا بسن قانونٍ خاص تحت عنوان “قانون العميل البرتقالي”.

ومن جانب آخر، هناك قضية قد رُفعت من سكان منطقة نايترو المعروفة بصناعة القنابل في القرن المنصرم والواقعة في ولاية وست فيرجينيا، حيث تعرض هؤلاء السكان بشكلٍ مباشر للعميل البرتقالي عندما كانوا يعيشون بالقرب من مصنع لشركة مونسانتو في الفترة من 1949 إلى 1971، وكان هذا المصنع يُنتج العميل البرتقالي الذي استخدم في حرب فيتنام.

وقد كسب سكان المدينة هذه القضية في 24 فبراير 2012، ووافقت مونسانتو على إنشاء صندوق بمبلغ إجمالي قدره 93 مليون دولار لتأسيس برنامج صحي شامل للسكان لمدة ثلاثين عاماً.

ولذلك نجد أنه بالرغم من انتهاء حرب فيتنام قبل قرابة أربعين عاماً، إلا أن تداعياتها الصحية، والبيئية، والاجتماعية، والاقتصادية، والنفسية ستبقى تُلاحق ضمير ووجدان الولايات المتحدة الأمريكية، وفي كل يوم تنكشف قضية جديدة لها علاقة مباشرة بالحرب.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق