الأربعاء، 21 مارس 2012

التهديد بالقتل


بالرغم من أن أننا قد ولجنا في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، والذي من المفروض أن يرتقي الإنسان بفكره وسلوكه فيرفع من درجة تحمله للآخرين وللرأي الآخر، إلا إن ما أشاهده هو عكس ذلك.

فكلما اختلف الإنسان مع أخيه الإنسان في الفكر والرأي، تَلقى تهديدات بالقتل والتصفية الجسدية له ولأسرته، أو في الأقل تشويه سمعته وإعلان الحرب الكلامية والنفسية عليه، وليس هذا في المجالين الديني والسياسي فحسب، وإنما بلغ هذا الأسلوب في التعامل المجال البيئي والعلمي إلى حدٍ سواء.

فأحد علماء تغير المناخ الأمريكيين يقع اليوم ضحية للإرهاب الفكري فيتلقى مكالمات تهدد سلامة حياته وحياة أسرته، ويتعرض لأبشع أنواع الحملات الإعلامية ضد مواقفه العلمية، وتَصل إليه بين الحين والآخر رسائل الحقد والكراهية، بل ومُورست عليه حرب اقتصادية تمثلت في قطع المعونات التي يحصل عليها لإجراء الأبحاث والدراسات المناخية. وعلاوة على ذلك كله فقد تلقى في أحد الأيام ظرفاً بريدياً يحمل بداخله مسحوقاً مجهول الهوية، مما اضطره إلى الاتصال بمكتب التحقيقات الاتحادي (إف بي آي) لفتح الظرف والتحقق من المسحوق الموجود فيه.
   
هذا العالِم هو مايكل مان الذي أكد على مصداقية كل التهديدات والمضايقات المستمرة التي يتعرض لها من خلال مقابلة صحفية أُجريتْ معه في جريدة الجاردين في 3 مارس 2012، حيث قال بأن أبحاثه التي أثبت فيها ارتفاع درجة حرارة الأرض، لم تعجب بعض الفئات المعارضة للتغير المناخي والتي تنكر مساهمة أنشطة الإنسان في رفع درجة حرارة الأرض، فتحول إلى فريسة لهم يريدون التهامها وهدفاً لحملاتهم الإعلامية.   

هذا العالم هو صاحب نظرية مضرب أو عصا الهوكي، وألف كتاباً ليثبت آراءه ومعتقداته تحت عنوان: “عصا الهوكي وحروب المناخ”، حيث بين فيه المضايقات والتهديدات التي يلقاها العالم الذي يبحث عن الحقيقة العلمية فيقدمها للمجتمع البشري دون مجاملة أو محاباة لأحد أو تحوير للنتائج لتتوافق مع السياسات. كما يقول هذا العالم في كتابه أن من بين الأساليب المُشينة وغير الأخلاقية التي استخدمت ضده هي سرقة بعض الرسائل الإلكترونية ومحاولة تحويرها ونشرها عبر وسائل الإعلام، وبالتحديد قبيل مؤتمرات الأمم المتحدة حول التغير المناخي، وذلك من أجل تغيير آراء واتجاهات الحكومات حول التغير المناخي وصدهم عن الوصول إلى اتفاقيات دولية ملزمة، ويصف العالم هذا العمل بأنه:“جريمة ضد الإنسانية، جريمة ضد كوكبنا ”.

والجدير بالذكر أن هناك سياسيين وشركات صناعية كبرى كشركات البترول والفحم التي تقف ضد كل عالِمٍ يُثبت دور المصانع في رفع درجة حرارة الأرض، وهذه الشركات تدفع بسخاء إلى كل من يقوم بأبحاث مضادة تثبت عكس ذلك، كما تُنظم المؤتمرات بهدف زعزعة ثقة الناس بواقعية التغير المناخي. وإضافة إلى ذلك، تقوم هذه الشركات بدعم بعض المؤسسات العلمية للعمل على إثارة الشكوك حول دور الإنسان في رفع درجة حرارة الأرض، وقد قام مؤخراً معهد هارتلند الأمريكي المعروف بإنكاره للتغير المناخي وبشكلٍ سري بتخصيص زهاء 14 مليون دولار لتصميم مناهج دراسية موجهة للتلاميذ، تهدف إلى زرع الشكوك في نفوس الناشئة والأجيال القادمة، وترسيخ الرأي عند عامة الناس بعدم وجود دورٍ مشهود للإنسان في التغير المناخي. 

وهكذا نجد أن الشركات الكبرى في كل مكان لا يهمها إلا الربح الكثير والسريع وعلى حساب كل شيء، وقد يلجئون في تحقيق ذلك إلى استخدام العنف والاغتيال إذا لزم الأمر ذلك.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق