الجمعة، 5 أكتوبر 2012

الحرب انتهت، ولكن مخلفاتها باقية


الحروب مهما طالت، كحرب داحس والغبراء التي دامت أربعين عاماً، فستنتهي بعد فترة من الزمن، ولكن المخلفات التي تنتج عن الحروب التي نشهدها اليوم تضرب أطنابها في بيئتنا، فتظل باقية مُخلدة أبد الدهر لتُذكر الإنسان دائماً بوَقع هذه الحروب على المجتمعات البشرية والبيئات الطبيعية وتدميرها لكل صغيرة وكبيرة، فلعل الإنسان يتعظ منها ويُجنب نفسه ويلات هذه الحروب، والخسائر البشرية والمادية والبيئية التي تصاحبها.  

فالحرب العالمية التي دمرت الكثير من دول العالم وذهب ضحيتها الملايين من البشر، انتهت في نهاية المطاف وطوتها صفحات التاريخ، ولكن بين الحين والآخر، وبالرغم من مرور أكثر من 67 عاماً على انتهاء هذه الحرب الضروس، تنكشف بعض المخلفات القاتلة من هذه الحروب فتحيي في الإنسان الذكريات المؤلمة والقاسية التي لم ير لها التاريخ مثيلاً.

فأثناء عملية الحفر في 29 أغسطس من العام الجاري بالقرب من مبنى المسافرين في المدرج سي من مطار شيفول(Schiphol) بمدينة أمستردام الهولندية، عَثَرَ عُمال الحفر على قنبلة تزن قرابة 250 كيلوجراماً، وتعتبر واحدة من عشرات الآلاف من القنابل التي ألقتها قوات الحلفاء وعلى رأسها أمريكا على هذا المطار الذي استخدمه الألمان كقاعدة جوية أثناء الحرب العالمية الثانية، وعلى الفور أُعلنت حالة الطوارئ في المطار الذي ينقل سنوياً أكثر من 48 مليون مسافر ويعد خامس أكبر مطار أوروبي، وتم إخلاء المطار برمته من المسافرين والعاملين به، واستدعاء خبراء المتفجرات للتعامل مع هذا النوع المميت من مخلفات الحروب.

وقبيل ساعات من اكتشاف هذه القنبلة، وبالتحديد في 28 أغسطس، اكتشفت قنبلة عملاقة تزن زهاء 550 كيلوجراماً في القلب النابض بالحياة في مدينة ميونيخ الألمانية وفي منطقة تجارية مزدحمة بالناس وتعرف بـ شاوبنج(Schwabing)، حيث تم على الفور إخلاء المنطقة التجارية من المتسوقين والعاملين والساكنين واستدعاء الفريق الخاص بالتعامل مع مثل هذه المخلفات التي قد تنفجر في أية لحظة وتهدد حياة الأبرياء بالخطر، حتى بعد 67 سنة من زوال الخطر الفعلي وانتهاء الحرب.

وفي الحقيقة لا يمر شهر وإلا يتم اكتشاف ما يرعب الناس ويجعلهم يعيشون في خطرٍ دائم ويحسون بعدم الأمان على حياتهم، فهناك الآلاف من مخلفات القنابل والألغام الأرضية والصواريخ في المدن الأوروبية في البر والبحر التي مازالت جاثمة هناك وبانتظار الصدف كي تكشفها وتزيل الغبار عن وجهها وتبث الفزع والخوف في قلوب الناس.

وفي المقابل هناك نوع آخر من المخلفات الحربية التي تعتبر أشد وطأة على المجتمع البشري برمته، فخطورتها تنزل على الكرة الأرضية برمتها، وهي المخلفات النووية المشعة التي نجمت عن صناعة القنابل الذرية والصواريخ ذات الرؤوس النووية والوقود المستنفد من المفاعلات النووية، وهذا النوع من المخلفات أُطْلقُ عليها بمخلفات الدمار الشامل.

ومعظم هذه المخلفات العسكرية والحربية يتواجد في الولايات المتحدة الأمريكية ومخزن في مواقع مؤقتة وغير مؤهلة لاستقبال وتخزين هذه المخلفات التي تعتبر حقيقةً قنابل نووية موقوتة قد تنفجر في أية لحظة، فتدمر أمريكا أولاً ودول العالم من بعدها، وقد قَدَّرت وزارة الطاقة الأمريكية كمية هذه المخلفات الخطرة والمشعة المكدسة في أراضيها بنحو 75 ألف طن متري موجودة في 122 موقعاً في 39 ولاية. 

كذلك هناك تهديد آخر لصحة البيئة والناس يغفل عنه الكثير من الحكومات، أو يتجاهلون حله لصعوبة وارتفاع تكاليف علاجه، وهو الأراضي والمناطق الملوثة التي تنجم عن القواعد العسكرية البرية والجوية، ومصانع إنتاج القنابل الكيميائية والبيولوجية، إضافة إلى مخازن هذه الأسلحة النووية والتقليدية.  

وكل هذه التهديدات العامة الناجمة عن الحروب السابقة ستظل شبحاً مخيفاً وحلماً مزعجاً يلاحق الإنسان في كل يوم.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق