الاثنين، 29 أكتوبر 2012

التشوه الخَلْقي للأطفال في العراق


الانعكاسات الصحية والبيئية لمعركة الفلوجه الدامية في العراق في أبريل 2004 أثناء الغزو الأمريكي لهذه المدينة ستبقى خالدة مخلدة في أعضاء جسم الإنسان العراقي وبخاصة الساكنون في الفلوجه، وستظهر عليهم وعلى أبنائهم وأحفادهم آثارُ الأمراض المستعصية التي لا يمكن علاجها، وستنتقل هذه الأمراض من جيلٍ إلى آخر.

فبالرغم من انقضاء أكثر من ثمانية أعوام على هذه المعركة الضارية، إلا أن تداعياتها الصحية قد ضربت أطنابها في مكونات البيئة الحية وغير الحية وانتهت أخيراً في جسم الإنسان، فأي خللٍ في جسم البيئة وعناصرها ومكوناتها يتداعى له سائر أعضاء جسم الإنسان بالسهر والحمى.

وهناك العديد من الدراسات البيئية والطبية التي تم نشرها مؤخراً في المجلات الموثقة، وجميعها تؤكد على وجود خللٍ مشهود في بيئة مدينة الفلوجه والبصرة والمدن الأخرى التي تعرضت للقصف الأمريكي بمختلف أنواع القنابل غير المسموح بها دولياً، كقنابل اليورانيوم المنضب أو المستنفد(depleted uranium) والقنابل الفسفورية البيضاء الحارقة، وانعكاس هذا الخلل البيئي على جسم الإنسان وانكشافه على هيئة مظاهر صحية وأمراض مزمنة مثل ازدياد أعداد المصابين بالسرطان، وارتفاع ولادة الأطفال المشوهين خَلْقياً والمصابين بإعاقات جسدية منذ الولادة، مثل تشوهات في القلب، وإعاقات في المخ وخلل في وظائف أجزاء المخ، وتشوهات في الأعضاء والأطراف، إضافة إلى ارتفاع تركيز الملوثات في مكونات البيئة المختلفة، مثل اليورانيوم، والزئبق، والرصاص.  

فعلى سبيل المثال، ستُنشر دراسة في العدد الذي سيصدر في نوفمبر 2012 من مجلة التلوث البيئي والسُمية(Environmental Contamination and Toxicology Bulletin)، تحت عنوان:التلوث بالعناصر وَوَبَاء ولادة الأطفال المشوهين في المدن العراقية، وهذه الدراسة أجراها باحثون من كلية الصحة العامة بجامعة ميشيغان(University of Michigan) وأطباء من مستشفى البصرة للولادة على الأطفال المولودين في مستشفى الولادة بالبصرة قبل الغزو الأمريكي وبعد الغزو منذ مارس 2003، وقامت بمقارنة أعداد الأطفال المولودين بتشوهات عضوية بَدَنية في الفترتين الزمنيتين.

ففي الفترة بين  1994 و 1995 كانت الولادات المشوه لكل 1000 ولادة هو 1.37، في حين عام 2003 بلغت 23 لكل 1000، ثم تضاعف العدد 17 مرة في السنوات من 2003 إلى 2011. أما بالنسبة لحالات الإجهاض للنساء الحوامل فقد زادت من 10% قبل الغزو إلى 45%.  

وعلاوة على هذه الإعاقات الجسدية للأطفال، بلغت نسب بعض العناصر السامة كالرصاص في أسنان الأطفال المشوهين 4.19 ميكروجرام لكل جرام، وهي أعلى 3 مرات مقارنة بالآخرين الذين لم يتعرضوا للغزو والهجوم بالقنابل والمتفجرات والأسلحة الثقيلة والخفيفة التي تنبعث منها أنواع كثيرة من الملوثات السامة والخطرة والتي تؤدي إلى تأثيرات سلبية على نمو الجنين وهو في بطن أمه، أو إلى الإجهاض. كذلك فإن تركيز الرصاص في الشعر في الساكنين في الفلوجه كان أعلى خمس مرات في الأطفال المشوهين مقارنة بالأطفال الأصحاء، والزئبق أعلى ست مرات، مما يشير إلى العلاقة القوية والمباشرة بين تركيز هذه الملوثات والإصابة بالتشوهات الخلقية والإجهاض. 

وهذه الدراسات، والدراسات الأخرى المنشورة مؤخراً، حَفزت وشجعت منظمة الصحة العالمية إلى الولوج في هذه القضية الصحية والبيئية العامة، حيث تم تكليف الباحثين لسبر غورها والتعرف على تفاصيلها، ومعرفة ما إذا كانت هناك علاقة بين الهجوم الأمريكي والبريطاني على مدينتي الفلوجه والبصرة والأمراض والحالات المرضية المزمنة وغير العادية التي بدأت تنكشف على سكان المدينتين.

وبالرغم من ذلك، إلا أن وزارتي الدفاع في أمريكا وبريطانيا لا تعترفان حتى الآن باقترافهما أي ذنب، أو وجود أية علاقة بين هجومهما والإعاقات والتشوهات عند الأطفال، وذلك، حسب إدعاءهم، عدم وجود أدلة علمية دامغة تربط بين الهجمات والتشوه!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق