السبت، 20 أكتوبر 2012

حتى “المهياوة” لن نحصل عليها مستقبلاً



إذا استمر الحال على ما نحن عليه من تدهورٍ كميٍ ونوعيٍ في الثروة السمكية والأحياء البحرية الفطرية بشكلٍ عام، ليس على المستوى المحلي فقط وإنما على المستوى الدولي على حدٍ سواء، فسيصل الوضع بنا إلا أننا لن نحصل حتى على المهياوه والطريح، وستكونان من المنتجات النادرة والغالية الثمن في الأسواق، وربما ستكونان بقيمة الكافيار الآن، والذي يمثل وجبة صغيرة فقط للمترفين والأثرياء الذين حباهم الله بالثروة الطائلة.

هذا الوضع الكارثي للثروة السمكية سنصل إليه قريباً إذا لم تتخذ كل دول العالم دون استثناء خطواتٍ جماعية مشتركة، حازمة وفاعلة، لمواجهة هذا التهديد الواقعي المشهود للأمن الغذائي. فالدراسة الميدانية المنشورة إلكترونياً في مجلة علمية تصدر في أمريكا تحت عنوان: العِلم في 28 سبتمبر 2012، تدق ناقوس الخطر وتؤكد على أن الثروة السمكية في تدنٍ مستمر نوعياً وكمياً، وأن معدل الانخفاض في المخزون السمكي أكبر مما توقعه العلماء في دراساتهم المنشورة في السنوات الماضية.

وعلاوة على ذلك فقد أفادت الدراسة أن البيئات البحرية التي تتكاثر فيها الأسماك وتنمو عليها في حالة يرثى لها، وتعاني من جور وظلم أيادي الإنسان التي ارتكبت عليها المجازر الجماعية للأسماك من خلال تدميرها والقضاء كلياً عليها، كبيئات الشعاب المرجانية، وغابات أشجار القرم، وبيئات الحشائش والطحالب البحرية. ففي بعض الحالات قضى الإنسان على هذه المحاضن الثرية للكائنات البحرية من خلال عمليات دفن السواحل وحفر البحر، وفي حالات أخرى تركها تعاني من شر الملوثات التي أثرت على صحتها وعافيتها، فجعلها تقاسي من الأمراض المزمنة التي لا دواء لها، وأدخلها وحيدة في غرف الإنعاش لتلقى نحبها ببطء، يوماً بعد يوم.
   
وليست هذه هي الدراسة الوحيدة التي تؤكد لنا بأننا لن نحصل حتى على المهياوه والطريح” في السنوات القادمة، فقد قرأتُ دراسة في مجلة علمية اسمها “طبيعة التغير المناخي”(Nature Climate Change) في 30 سبتمبر من العام الجاري، تفيد بأن الأسماك ستصغر وتنكمش في الحجم بسبب التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة مياه البحر، وأنها ستفقد نحو 14 إلى 24% من حجمها بحلول عام 2050، أي أننا في المستقبل لن نحصل إلا على “العفاطي” التي لا يقمن صلب الإنسان ولا يشبعن جوعه، فقد درس العلماء 600 نوعٍ من الأسماك من مختلف بحار البحار ووصلوا إلى هذه النتيجة المؤلمة.    

وعلاوة على ما سبق هناك دراسات تؤكد وقوع تدهورٍ كبيرٍ ومشهود في صحة البيئات التي تعيش عليها الأسماك كبيئة الشعاب المرجانية، وبالتحديد مناطق الشعاب المرجانية في استراليا(Great Barrier Reef). فقد أكدت دراسة منشورة في المجلة الأمريكية وقائع الأكاديمية القومية للعلوم في سبتمبر 2012 وغطت فترة زمنية طويلة من 1985 إلى 2012، أن هذه البيئات المنتجة والحيوية التي تعتبر رئة البحر، قد انخفضت مساحتها من 28%  إلى 13.8%، أي أنها تفقد معدل 0.53% من مساحتها سنوياً، مما يعني فقدان 50.7% خلال الـ 27 عاماً القادمة. وهذا الانكماش الخطير في مساحة الشعاب المرجانية ينعكس سلبياً وبشكلٍ مباشر على الثروة السمكية والأحياء البحرية الأخرى، فستقل أعدادها بشكلٍ حاد مع الزمن.

إن هذه الدراسات الميدانية حول وضع الثروة السمكية على المستويين الوطني والدولي لا تبشر بخيرٍ قادم، وإنما تنذر بكارثة غذائية عامة يجب التنبه إليها، فالعوامل التي تؤثر على الثروة السمكية من الصيد الجائر، ودفن البيئات الساحلية المنتجة والغنية بالأحياء، وحفر المناطق البحرية المختلفة، وارتفاع درجة حرارة ماء البحر، وتلوث السواحل بمياه المجاري والصرف الزراعي والصناعي، كل هذه العوامل في تزايدٍ مستمر، ولا أرى شخصياً شمعة مضيئة في نهاية هذا النفق الطويل المظلم تدعوني قليلاً إلى التفاؤل.

ولذلك وصيتي للجميع الإكثار من شراء المهياوه والطريح وتخزينهما، فالسنوات العجاف قادمة لا محالة. 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق