الأحد، 14 أكتوبر 2012

المخلفات قضية سياسية وحقوقية



عندما يقوم رئيس دولةٍ بنفسه في تدشين حملة ما على المستوى الوطني، فلا شك بأن هذا مؤشر على أهمية هذه الحملة والقضية التي يروج لها ويدعو إليها، وتؤكد على أن هذه القضية ملحة جداً وتدخل على رأس قائمة الأولويات القصوى في برنامجه الرئاسي.

وهذا بالفعل ما قام به الرئيس المصري محمد مرسي فور انتخابه رئيساً وتسلمه زمام الحكم، فقد دشن حملة قومية في مجالٍ يعتبره الكثير من السياسيين من القضايا الهامشية الجانبية التي لا أهمية لها وتستطيع الانتظار ضمن قائمة البرامج، وهي قضية البيئة، وبالتحديد القمامة المنزلية والمخلفات البلدية. ففي الأسبوع الأول، وضمن برنامج المائة يوم الأولى الذي شمل خمس قضايا ذات الأولوية، قام الرئيس مرسى بالبدء في حملة الوطن النظيف، والذي تركز على جمع المخلفات المتراكمة في كل شبرٍ من المدن المصرية الكبيرة والمكدسة في كل مكان في أحيائها وشوارعها وشواطئها وأسواقها، ومن أجل تنفيذ هذه الحملة استنفر كافة الجهات الحكومية وغير الحكومية للتعاون والتنسيق مع بعض لإنجاحها وإظهار مصر الثورة بالصورة التي تليق بها.

ولذلك فقضية المخلفات التي هي في الأصل قضية بيئية وصحية، فرضت نفسها وبكل قوة على البرنامج السياسي للرئيس مرسى بسبب تجاهل هذه القضية لعقودٍ طويلة من الزمن واستفحالها في جذور المجتمع المصري وتفاقم انعكاساتها البيئية والصحية والاقتصادية والاجتماعية والسياحية، حتى وصلت إلى درجةٍ لا يمكن السكوت عليها أو إهمالها من قِبَل أي رئيس لمصر.       

وفي المقابل فإن قضية المخلفات قد تتحول في بعض الحالات إلى قضية أكبر وأسمى وهي حقوق الإنسان، وبخاصة أن بعض الدول تُخصص بنداً واضحاً في دستورها يَنص على:حق المواطن في العيش في بيئةٍ نظيفة، أي أن من حقوق الإنسان في تلك الدول أن يتمتع بشوارع نظيفة وصحية لا توجد فيها مخلفات صلبة، كالقمامة المنزلية والتجارية ومخلفات المباني، ولا تشاهد في شوارعها وأحيائها وشواطئها أي منظرٍ للمخلفات السائلة، كمياه المجاري والمصانع، فتلوث الماء والهواء والتربة وتؤدي إلى الإصابة بأمراض مستعصية مع الوقت.

كما أن هذه المادة في دستور الدولة تُلزمها على المحافظة على نقاء وصفاء وصحة الهواء الجوي من التلوث من السيارات والمصانع ومحطات توليد الكهرباء وغيرها من المصادر المشهودة لتلوث الهواء الجوي، فتقوم باتخاذ الإجراءات الضرورية لمنع وصول الملوثات إلى درجةٍ تضر بصحة الإنسان والحياة الفطرية. وعلاوة على ذلك، فإن حق المواطن في العيش في بيئة نظيفة تعني أيضاً سلامة التربة، سواء أكانت تربة زراعية أو غير ذلك، والعمل على منع أي مصدرٍ يؤدي إلى إحداث تدهورٍ في نوعيتها، كالمخلفات الصلبة والسائلة من رش المبيدات الزراعية، أو مياه المجاري، أو مخلفات المصانع السائلة والصلبة، أو مواقع دفن القمامة التي عادةً ما تلوث الهواء والتربة والمياه الجوفية والسطحية على حدٍ سواء. 

وبناءً عليه لا بد من الاهتمام بقضية إدارة المخلفات المنزلية على أساسٍ علمي ومنهجي بحت، فلا يجوز أن ننظر لهذه المخلفات بأنها مواد لا قيمة لها وبالتالي يجب التخلص منها عن طريق الدفن فقط دون التفكير في أساليب أخرى أكثر تحضراً وأفضل من الناحيتين البيئية والاقتصادية، ودراسة إمكانية الاستفادة من بعض مكوناتها وإعادة استعمالها أو تدويرها وإنشاء مصانع خاصة تقوم بإدارة كل عنصرٍ من عناصر القمامة، كالمخلفات العضوية التي يمكن تحويلها إلى مواد مخصبة للتربة، أو الورق والألمنيوم والبلاستيك والحديد الذي يمكن إعادة تصنيعها.

إن إدارة المخلفات البلدية الصلبة تحتاج إلى تخصصٍ دقيق، وعلمٍ غزير، وخبرةٍ طويلة في مجال علم القمامة”، كما تحتاج إلى إستراتيجية شاملة ومتكاملة تُحدد أفضل الطرق والأساليب لمعالجتها والتخلص الآمن منها بيئياً وصحياً واقتصادياً واجتماعياً، وعلاوة على ذلك، فإن إدارة المخلفات بشكلٍ عام تندرج ضمن القضايا السياسية والحقوقية في الوقت نفسه، إذ لا يستطيع الإنسان في أي بلدٍ كانْ أن يتمتع بحقوقه كاملة دون التعامل السليم والمستدام مع المخلفات.   


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق