الأحد، 11 نوفمبر 2012

اعتراف أمريكي بالجرائم البيئية في العراق



كتبتُ عدة مرات عن الانعكاسات الصحية والبيئية على الإنسان والبيئة للغزو الأمريكي على الفلوجة عام 2004 والغزو البريطاني للبصرة عام 2003، وأكدتُ استناداً إلى استنتاجات العديد من الدراسات البيئية والطبية التي تم نشرها مؤخراً في المجلات الموثقة على وجود خللٍ مشهود في بيئة مدينة الفلوجه والبصرة والمدن الأخرى التي تعرضت للقصف الأمريكي بمختلف أنواع القنابل غير المسموح بها دولياً، كقنابل اليورانيوم المنضب أو المستنفد(depleted uranium) والقنابل الفسفورية البيضاء الحارقة، وانعكاس هذا الخلل البيئي على جسم الإنسان وانكشافه على هيئة مظاهر صحية وأمراض مزمنة مثل ازدياد أعداد المصابين بالسرطان، وارتفاع ولادة الأطفال المشوهين خَلْقياً والمصابين بإعاقات جسدية منذ الولادة، مثل تشوهات في القلب، وإعاقات في المخ وخلل في وظائف أجزاء المخ، وتشوهات في الأعضاء والأطراف، إضافة إلى ارتفاع تركيز الملوثات في مكونات البيئة المختلفة، مثل اليورانيوم، والزئبق، والرصاص.

وبالرغم من ذلك، إلا أن وزارتي الدفاع في أمريكا وبريطانيا لا تعترفان حتى الآن باقترافهما أي ذنب، أو وجود أية علاقة بين هجومهما الجوي والبري والإعاقات والتشوهات عند الأطفال، وذلك، حسب إدعاءهم، لعدم وجود أدلة علمية دامغة تربط بين الهجمات والتشوه.

ولكن اليوم جاء الاعتراف الضمني للجرائم البيئية والصحية التي ارتكبت عند احتلال العراق من القضاء الأمريكي نفسه، ومن قضية واحدة فقط من بين آلاف القضايا المرفوعة في الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها لمثل هذه الحالات.

فقد أَمرتْ هيئة المحلفين في محكمة اتحادية في مدينة بورتلند(Portland) بولاية أوريجن(Oregon) في 3 نوفمبر من العام الجاري مقاولاً أمريكياً هو كيلوج براون أند رووت(Kellogg Brown and Root)يعمل في المجالات العسكرية والقتالية على دفع مبلغ قدره 85 مليون دولار بتهمة الإهمال والتسبب في إصابة 12 جندياً أمريكياً من الحرس الوطني بأمراضٍ مزمنةٍ من بينها السرطان، أثناء قيامهم بمهمات الحماية والحراسة لآبار نفطية بها محطة لتحلية ومعالجة المياه بالقرب من البصرة في العراق في عام 2003، حيث سيحصل كل واحدٍ من هؤلاء الجنود المتضررين على قرابة سبعة ملايين دولار.

فالتهمة الموجهة لهذا المقاول تمثلت في تعرض الجنود بشكلٍ يومي ومستمر لمركب مسرطن للإنسان يستخدم في منع أنابيب المياه المعدنية من الصدأ والتآكل هو ثنائي كرومات الصوديم(sodium dichromate)، والذي يتكون من الكروميم السداسي التكافؤ(hexavalent chromium) المعروف بسميته العالية وإصابته للسرطان، علماً بأن هذا المركب ممنوع استخدامه في أمريكا.

فإذا أصدرت المحكمة الأمريكية الفدرالية قراراً لصالح هذا العدد القليل من الجنود الأمريكيين، ولقضيةٍ تعتبر بسيطة جداً ومحدودة من ناحية أعداد المتضررين، وهي تعرضهم لمادة كيميائية مسرطنة أثناء عملهم اليومي في العراق، فماذا إذن عن الدمار البيئي الكبير الذي شمل مدناً كثيرة من العراق، وتعرض له الملايين من العراقيين منهم الأطفال والشيوخ والنساء الحوامل؟

وماذا عن التلوث البيئي الناجم عن آلاف الملوثات والمواد الكيميائية الفتاكة والخطرة والمشعة التي انطلقت من القنابل الفسفورية الحارقة، ومن قنابل اليورانيوم المنضب، ومن قذائف المدفعيات الثقيلة، وكل هذه الملوثات ضربت أطنابها عميقة في جذور البيئة العراقية، فتراكمت واستقرت نهائياً في أعضاء أجسام الملايين من العراقيين، بل وأصبحت آثارها الصحية المهلكة تنتقل من جيلٍ إلى آخر؟

فمن سيرفع دعوى ضد الحكومة الأمريكية والبريطانية على هذه الجرائم الصحية والبيئية التي ارتكبت في العراق ويعاني منها الآن الملايين من الشعب العراقي، والتي أصبحت الآن لا تخفى على أحد؟



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق