الاثنين، 5 نوفمبر 2012



حماية البيئة في ذيل الاقتصاد
أبدأ المقال من آخره، وهو أن البيئة لا تحظى بالأولوية في كل دول العالم دون استثناء، وأن الاقتصاد هو الذي يقف دائماً شامخاً قوياً وبدون منازع في مقدمة سلم أولويات أية حكومة منتخبة أو غير منتخبة، فإذا استتب الأمن الاقتصادي، وامتلأت الجيوب وازدهر الحال وتحسنت معيشة الإنسان، عندئذٍ فقط يصعد الهم والشأن البيئي في قائمة سلم الأولويات.

فحماية البيئة تُوضع جانباً وعلى الرفوف المغبرة إذا كانت تؤثر على الوظائف، وحماية البيئة تُجمد إذا كانت تضر بالاقتصاد، وحماية البيئة تهمش إذا كانت تؤثر على مصالح الشركات الكبرى التي تَروي ميزانية الدول بالمال الغزير والوفير.

فالبيئة ونحن في القرن الحادي والعشرين مازالت تعتبر عند رجال السياسة ومن بيدهم اتخاذ القرار عبئاً ثقيلاً على الازدهار والانتعاش الاقتصادي، ومازالت القناعة السائدة لدى هذه الفئة المتنفذة هي أن حماية البيئة عملية مُكلفة تُرهق كاهل ميزانية الدول، وأن المعايير والمواصفات البيئية الحازمة تقتل الوظائف عند الشركات والمصانع الكبرى متعددة الجنسيات.

وإذا لم تقتنع بكلامي، فأرجو مواصلة قراءة المقال لأثبت لك هذه الحقيقة من خلال تقديم مثالٍ واحدٍ فقط من بين أمثلة كثيرة من مختلف دول العالم.

ففي المناظرات الأربع التي شاهدتها بين مرشحي الرئاسة الأمريكية، أوباما ورومني، لم يُطرح على المرشحين أي سؤالٍ ذي علاقة مباشرة أو غير مباشرة عن أكبر ظاهرة بيئية يواجهها الإنسان في تاريخه وهي التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الأرض، وكأنها قضية هامشية لا علاقة لها بالمجتمع الأمريكي ولا تؤثر على الأمن البيئي والصحي للمواطن في أمريكا والمواطنين للكرة الأرضية برمتها. كما أن المرشحين أنفسهما لم يتطرقا أثناء حديثهما في هذه المناظرات أو أثناء الدعاية الانتخابية إلى التغير المناخي وطرق منع التأثيرات السلبية العظيمة على استدامة حياة الإنسان على وجه الأرض.

فقد أصبح التغير المناخي والكثير من القضايا البيئية بالنسبة لأي مرشح للرآسة في الولايات المتحدة الأمريكية قضايا خاسرة يجب تجنبها والابتعاد عن الدفاع عنها، فهي بالنسبة لهم تقتل الاقتصاد وتذبح أية خطة أو برنامج لخلق وظائف جديدة لملايين العاطلين عن العمل.   

وعلاوة على ذلك، فإن أوباما الذي كان في السنوات الماضية يشجع استعمال مصادر الطاقة النظيفة والطاقة المتجددة غير الناضبة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح التي لا تلوث البيئة وتخفض من انبعاث الغازات المسئولة عن رفع درجة حرارة الأرض، وخصص من أجل تحقيق هذه الإستراتيجية 90 بليون دولار لتحفيز وتنمية هذا القطاع، تحول إلى رجلٍ آخر في تصريحاته الأخيرة، فبات يضرب على وتيرة جديدة خارجة عن إستراتيجيته القديمة وهي استخراج الغاز الطبيعي، وبخاصة الغاز الحجري أو الصخري والمعروف بغاز شيل، إضافة إلى الميل نحو استخدام الفحم النظيف والبترول لتوليد الكهرباء والطاقة وتشغيل كبريات مصانع أمريكا.

ويأتي هذا التحول الجذري في سياسة الطاقة للرئيس أوباما بسبب التدهور الاقتصادي الشديد والوضع المالي المدقع الذي يعيش فيه المواطنون في أمريكا، من فقر ضرب الكثيرين وبطالة عارمة أجبرت الملايين إلى المكوث في منازلهم، ولذلك فإن الحديث عن التغير المناخي والمواصفات والضرائب البيئية هي وصفة قاتلة تُخرج أوباما من البيت الأبيض وتطرد الديمقراطيين من ساحة الكونجرس، ولذلك فهي مسألة حياة أو موت، فلا بد إذن من تجنب ذكر أية قضية قد تضر بالاقتصاد المتهالك والمنهك ولا تولد وظائف جديدة يقتات منها الشعب وتؤدي إلى رفع أسعار الوقود والطاقة بشكلٍ عام.

ولذلك فالمؤشرات التي أراها أمامي تؤكد لي أن البيئة قد أَفَلَ نجمها حالياً وللسنوات القادمة، ولن تظهر من جديد كقوة هامة إلا بعد أن يتعافى الاقتصاد الأمريكي والدولي، وحتى يحين ذلك الوقت فعلى البيئة السلام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق